قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن تقليص القوات الروسية في سوريا، ربما يكون عاملا في تغيير إستراتيجية إسرائيل هناك، مشيرة إلى أن موسكو سحبت نظاما للدفاع الجوي من سوريا، إضافة إلى بعض القوات لتقوية آلتها الحربية في أوكرانيا، مما سيعيد حسابات تل أبيب بشأن الغارات التي تقوم بها على سوريا أو تسليح القوات الأوكرانية.
وفي تقرير أعده باتريك كينغزلي ورونين بيرغمان، قالا فيه إن الروس أعادوا نشر معدات عسكرية مهمة وجزءا من القوات في سوريا، وذلك نقلا عن ثلاثة مسؤولين بارزين في الشرق الأوسط، مما يكشف عن أثر العملية العسكرية الروسية المترنحة في أوكرانيا على التأثير في مناطق أخرى، وهو ما أزال واحدا من المعوقات الإسرائيلية لتسليح أوكرانيا. وهذا لا يعني نهاية الوجود العسكري الروسي في سوريا. فروسيا التي ظلت القوة العسكرية القوة المهيمنة هناك منذ عام 2015، وتعمل على حماية نظام بشار الأسد، لا تزال تحتفظ بوجود عسكري كبير. إلا أن هذا قد يعمل على تعديل ميزان القوة في واحد من أعقد محاور الحرب في العالم، وربما يسمح لإسرائيل، عدوة نظام الأسد وجيرانه في لبنان، لإعادة التفكير في استراتيجيتها السورية والأوكرانية.
وبحسب دبلوماسي غربي بارز ومسؤول دفاعي إسرائيلي كبير، فقد نقلت موسكو بعضا من قواتها ودفاعاتها الجوية من سوريا، بشكل أزال عائقا أمام الهجمات الإسرائيلية في سوريا. وقدم المسؤولون تقديرات متباينة حول عدد القوات الروسية التي أعيد نشرها.
وقال كلا المسؤوليْن إنه تم سحب كتيبتين عسكريتين أو ما بين 1200- 1600 جندي روسي، فيما قال آخرون إن الأعداد أكبر، واتفقوا جميعا أن عدد الجنود الروس في سوريا قد انخفض.
وقال المسؤول الإسرائيلي إن عددا من القادة الروس نقلوا من سوريا إلى أوكرانيا، في وقت لم تعد القيادة في موسكو منخرطة كثيرا بالإدارة اليومية للعمليات في سوريا، بما في ذلك عمليات التنسيق مع إسرائيل. ويأتي التحرك وسط تراجع النفوذ الروسي في الجمهوريات السوفييتية السابقة بوسط آسيا، حيث قال القادة هناك إن الحرب في أوكرانيا حرفت نظر موسكو عن قيادتها التقليدية وقوضت من قبضتها وهالتها.
واعتمد الأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2011 على إيران وجماعاتها الوكيلة لمنع تقدم مقاتلي المعارضة، وكذلك على الدعم العسكري الروسي. فقد احتفظت روسيا بوجود عسكري في سوريا منذ السبعينات من القرن الماضي، إلا أن الرئيس فلاديمير بوتين عزز الوجود العسكري بالآلاف من القوات الروسية عام 2015، بحيث حرف ميزان الحرب لصالح الأسد. وتشنّ إسرائيل غارات منتظمة على سوريا لمنع إيران وحلفائها من تثبيت موطئ لهم قرب الحدود الشمالية لها.
وزادت المخاطر على الطيارين الإسرائيليين عندما زودت موسكو نظام الأسد عام 2018 بنظام دفاع صاروخي من نوع “إس- 300”. ورغم نقل المسؤولية عن النظام للحكومة السورية، إلا أن مخاوف استخدامه ضد الطيران الإسرائيلي كانت واحدا من أسباب تجاهل إسرائيل الطلبات الأوكرانية المتكررة من أجل الدعم العسكري. وبحسب ثلاثة مسؤولين، فقد أزالت روسيا نظام “إس-300” من سوريا لدعم الغزو في أوكرانيا، بشكل خفف من نفوذ موسكو على إسرائيل في سوريا، وغيّر من عمليات التنسيق الإسرائيلية فيما يتعلق بأوكرانيا. وعاد النقاش في إسرائيل بشأن دعم أوكرانيا وسط الدعم العسكري الإيراني المتزايد لموسكو، واستهداف الجيش الروسي للمنشآت المدنية الأوكرانية.
وتنتج إسرائيل عددا من أنظمة الدفاع الجوية التي يمكن أن تفيد أوكرانيا في إسقاط المسيرات الإيرانية. ومنها القبة الحديدية قصيرة المدى، والتي تستخدمها إسرائيل ضد الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة. وكتب الوزير في الحكومة الإسرائيلية نحمان شاي على منصات التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع معلقا أن الدعم العسكري الإيراني “لا يترك مجالا للشك أين تقف إيران في هذا النزاع الدموي. وحان الوقت لتتلقى أوكرانيا الدعم العسكري، كما تفعل أمريكا ودول الناتو”. ولكن شاي لم يكن يتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية التي قالت يوم الأربعاء إنها قد ترسل أنظمة إنذار مبكر لأوكرانيا ولكنها لن ترسل أسلحة.
وفي بيان لوزير الدفاع بيني غانتس، قال إن “إسرائيل تدعم وتقف مع أوكرانيا، الناتو والغرب، وهو أمر قلناه منذ اليوم الأول ونكرره”. وأضاف: “أود التأكيد على أن إسرائيل لن ترسل أنظمة عسكرية إلى أوكرانيا لاعتبارات عملياتية متعددة”. وتضم هذه الاعتبارات الوجود العسكري الروسي المستمر في سوريا، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي “إس-400”. ورغم سحب روسيا جنودا من سوريا، إلا أنهم استبدلوا بعناصر من الشرطة العسكرية، حسب المسؤول الإسرائيلي. وعبّر المسؤولون الإسرائيليون عن قلقهم من خفض روسيا لقواتها في سوريا، مما سيمنح إيران مجالا لتوسيع تأثيرها هناك.
وتريد إسرائيل تجنب تعطل ممارسات سمحت للقادة الروس والإسرائيليين بالتواصل مع بعضهم البعض منعا للتصادم بين قواتهم. وفي عام 2017 تم تركيب هاتف مشفّر يربط القاعدة العسكرية الجوية الروسية في غرب سوريا، بمركز اتصالات سلاح الجو الإسرائيلي في قاعدة عسكرية بتل أبيب. ويسمح هذا الترتيب للطرفين بتجنب التصادم في سوريا، ومنع حوادث كعام 2018 عندما أسقطت القوات السورية مقاتلة عسكرية روسية، اعتقدت أنها إسرائيلية وقُتل 15 شخصا كانوا على متنها.
وتخشى إسرائيل من تخفيض السلطات الروسية الهجرة اليهودية بعدما فتحت دعوى قضائية ضد فرع الوكالة اليهودية في موسكو. وحذر ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ونائب مجلس الأمن القومي، إسرائيل من أي فعل “متهور” وتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، مؤكدا: “ستدمر العلاقات المتبادلة بين البلدين”.
ومع ذلك، هناك إشارات عن تقديم إسرائيل دعما لأوكرانيا أكبر من الدعم الإنساني في بداية الحرب. وتقدم إسرائيل معلومات أمنية عن المسيرات الإيرانية للأوكرانيين، وعرضت فحص بقايا المسيرات التي سقطت في أوكرانيا، بحسب مسؤولين أوكرانيين وإسرائيليين بارزين.
“القدس العربي”