صعود اليمين المتطرف إلى الحكم في إسرائيل، وذوبان اليسار والمعسكر المعتدل، هو النتيجة النهائية للانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وهذا يعني أن التوصل إلى تسوية معقولة ومنطقية للقضية الفلسطينية أصبح أبعد من أي وقت مضى.
ما يحدث في إسرائيل هو أن قوى الاعتدال، أو ما يُسمى «معسكر السلام»، تتراجع وتختفي وتذوب لصالح صعود صاروخي لليمين المتطرف، الذي لا يعترف بالفلسطينيين، ولا بحقهم في الوجود، ولا الحياة، ولا بحقهم في إقامة دولة مستقلة لهم على أي قطعة أرض، على الرغم من أن ما كان يُسمى «قوى السلام» في إسرائيل لم تكن تطرح أصلاً ما يُمكن أن يرضي الفلسطينيين، وأكثر ما وافقوا عليه هو «سلطة للحكم الذاتي» خاضعة في الحقيقة للاحتلال العسكري المباشر، ومع ذلك لم يقبل الإسرائيليون بذلك وانقلبوا على هذه القوى، بل اغتالوا إسحق رابين الذي أقدم على توقيع اتفاقات أوسلو مع منظمة التحرير.
لم يعد يوجد في إسرائيل أي طرف سياسي يُمكن أن يكون شريكاً في عملية السلام، ولم يعد يوجد من يؤمن بحق الفلسطينيين في الوجود والحياة وإقامة دولتهم المستقلة
لم يعد في إسرائيل اليوم من يُمكن أن يجلس مع الفلسطينيين، أو أن يعترف بهم وبوجودهم، بل إن اليمين المتطرف الذي يُهيمن على الحكم لا يعترف حتى بفلسطينيي الداخل، الذين يُسميهم البعض «عرب إسرائيل»، ولا يعترف بحقهم في هذه الأرض، ولا يتعامل معهم على قدم المساواة مع المواطن الإسرائيلي العادي، على الرغم من أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويعيشون على هذه الأرض منذ ما قبل قيام الدولة العبرية في عام 1948. صعود هذا اليمين يعني أن الاحتلال سيواصل عدوانه من طرف واحد على الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والقدس المحتلة، وسيواصل مشوار تغيير معالم الأرض، جغرافياً وديمغرافياً، وسوف يستمر نزيف الإنسان الفلسطيني بفعل هذا الاحتلال، من دون أي أمل في العملية السياسية ولا بمائدة المفاوضات. منذ تولي أرييل شارون الحُكم في إسرائيل عام 2002 قامت قوات الاحتلال باجتياح المناطق في الضفة الغربية وتغيير شكلها والانقضاض على اتفاق أوسلو، والتنصل من كل التزام تعهدت به الدولة العبرية، كما تم بناء جدار الفصل العنصري لتقييد حركة الناس والتمييز بينهم وفرض معيشة بالغة البؤس على السكان الفلسطينيين خلف الجدار، ومنذ ذلك الحين لم تتقدم العملية السياسية ولو خطوة واحدة، كما لم يقدم الاحتلال الاسرائيلي أي فرصة للفلسطينيين من أجل أن يعيشوا بسلام. ليس هذا فحسب، فالعام الحالي 2022 هو الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عام 2005، حسبما وثقت الأمم المتحدة، حيث قال المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، إن عام 2022 في طريقه ليكون أكثر الأعوام دموية، بعد أن استشهد حتى الآن 125 فلسطينياً في الضفة والقدس، وهو ما يعني أن ثمة سياسة واضحة تقوم على قتل الفلسطيني والاستخفاف بحياته. وبالتزامن مع الارتفاع الكبير في أعداد الشهداء فإن أعداد المستوطنين في الضفة الغربية سجلت رقماً قياسياً هو الأعلى منذ عام 1967 حيث يوجد الآن أكثر من مليون مستوطن في المستوطنات التي تستحوذ على أكثر من 6% من أراضي الضفة. أما الوضع في القدس المحتلة فهو أسوأ من ذلك بكثير مع ارتفاع حاد في سياسة هدم المنازل وترحيل السكان والتضييق عليهم، من أجل تصفية الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة.
والخلاصة هو أن التطورات التي تشهدها إسرائيل داخلياً، والممارسات التي تقوم بها داخل الأراضي الفلسطينية لا معنى لها سوى أنه لم يعد يوجد في إسرائيل أي طرف سياسي يُمكن أن يكون شريكاً في عملية السلام، كما لم يعد يوجد من يؤمن بحق الفلسطينيين في الوجود والحياة وإقامة دولتهم المستقلة. كما أننا كنا نقول سابقاً بأن القضية الفلسطينية تشهد «حالة جمود سياسي» والحقيقة أن الأمر ليس كذلك وإنما توجد مسارعة اسرائيلية نحو فرض وقائع جديدة وتغيير المعالم على الأرض وأسرلة المناطق الفلسطينية بشكل كامل ومن ثم تحويل المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية إلى مجرد تجمعات عربية مقطعة الأوصال، لا معنى لها ولا يمكن أن تشكل دولة مستقلة في المستقبل. وهذه الأوضاع الشاذة وغير الطبيعية في ظل وجود اليمين المتطرف في الحُكم ليس لها أي نتيجة متوقعة سوى انتفاضة فلسطينية جديدة، ومزيد من التوتر والتدهور في الأوضاع الأمنية، لأن إخضاع الفلسطينيين وسلب حقوقهم بقوة السلاح لا يُمكن أن تنجح، والشواهد التاريخية على ذلك حاضرة وكثيرة.
كاتب فلسطيني
“القدس العربي”