بيتر بينارت* – (تيارات يهودية) 7/11/2022
في البلدان الأخرى، يصطدم اليمين مع الوسط حول الطبيعة الأساسية للدولة -لكن إيتمار بن غفير في إسرائيل ومنافسيه متوافقون وعلى الموجة نفسها بشأن الطبيعة الإثنوقراطية للدولة.
* * *
الآن، وقد أصبح إيتمار بن غفير على وشك أن يصبح وسيطًا للسلطة في الحكومة الإسرائيلية المقبلة، يتمسك الصحفيون بعقد المقارنات مع الساسة اليمينيين المتطرفين الجدد في الأراضي الأخرى. وتقول صحيفة “التلغراف” البريطانية إن بن غفير “يذكرنا بزعيمة المعارضة اليمينية المتشددة الفرنسية، مارين لوبان”. وتشير صحيفة “هآرتس” اليومية الإسرائيلية إلى أن “الأميركيين ينظرون بالفعل إلى بن غفير على أنه شخصية تشبه ترامب”. ووفقًا لصحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن “صعود بن غفير يعكس اتجاهات سياسية استبدادية واسعة النطاق تصعد في جميع أنحاء العالم”.
يبقى الدافع إلى عقد هذه المقارنات مع شخصيات مثل لوبان وترامب ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مفهومًا. فبن غفير -أحد أتباع الحاخام المتطرف الراحل مئير كاهانا، الذي تم حظر حزبه في إسرائيل بتهمة “التحريض على العنصرية” في الثمانينيات- هو شخص عنصري ومهووس بالظهور في وسائل الإعلام؛ وهو يجد سعادة في التهديد باستخدام العنف، وصعد بسرعة أيضًا من الهامش السياسي إلى أروقة السلطة.
لكن أوجه التشابه التي تتعقبها هذه المقارنات خاطئة في أغلب الأحيان. إن بن غفير مختلف لأن إسرائيل مختلفة. في فرنسا، والولايات المتحدة، وإيطاليا والهند، يسعى قادة اليمين -بدرجات متفاوتة- إلى إنشاء ديمقراطيات إثنوقراطية؛ إلى دول تعرِّف نفسها على أنها تنتمي إلى مجموعة عرقية أو دينية أو مُهيمنة. ويدعم خصومهم الوسطيون -بدرجات متفاوتة أيضًا- المساواة القانونية لجميع المواطنين. ويخلق هذا الانقسام استقطابًا أيديولوجيًا عميقًا. لكن إسرائيل ليست مستقطبة بعمق من ناحية الأيديولوجيا. إنها إثنوقراطية مُسبقًا، ولا يوجد حزب سياسي رئيسي واحد في البلد يريد تغيير ذلك. هذا ما يميز بن غفير عن شخصيات مثل ترامب ولوبان: قد يكون تنافسه مع خصومه الوسطيين شرسًا على المستوى السياسي، لكنه ليس تنافسًا حول التعريف الأساسي للدولة. وعندما يتعلق الأمر بالصراع العالمي بين تفوقية المجموعة والمساواة تحت حكم القانون، يقف بن غفير ومنافسوه الوسطيون على الجانب نفسه.
لفهم ما يميز بن غفير والسياق الإسرائيلي، انظروا إلى مسألة الهجرة، مكمن الظلم المميز لكل من لوبان وميلوني وترامب. لقد بنى كل منهم علامة تجارية سياسية لنفسه على الوعد بمنع المهاجرين من الجنوب العالمي من تقويض الطابع المسيحي الأبيض لبلدانهم. واقترح ترامب بناء جدار على الحدود الجنوبية وفرض حظر على قدوم المسلمين. وترغب ميلوني في ضرب حصار بحري لمنع الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط. وتريد لوبان تشديد قوانين اللجوء وإنهاء حق المواطنة بالولادة حتى لا يحصل الأطفال المولودون لأبوين مهاجرين في فرنسا على المساواة القانونية. ولا تتمتع الهجرة بالأهمية السياسية نفسها في الهند لأنها ليست وجهة جذابة للمهاجرين. ولكن، حتى هناك حاول مودي تغيير قوانين اللجوء من أجل استبعاد المسلمين، وبالتالي تعزيز الهيمنة الديموغرافية للطائفة الهندوسية.
لا يحتاج بن غفير إلى اقتراح هذه الأنواع من التغييرات. إنه يعارض بشدة فعليًا قبول طالبي اللجوء، لكن تقييد الهجرة من أجل الحفاظ على الهوية العرقية والدينية لإسرائيل لم يكن عاملًا محوريًا في صعوده. والسبب بسيط: أن إسرائيل تفعل ذلك مسبقًا. فباعتبارها دولة يهودية، تمنح إسرائيل امتيازات متطرفة للهجرة اليهودية الحصرية. ويستطيع اليهود الانتقال إلى إسرائيل والحصول على الجنسية على الفور. أما بالنسبة لغير اليهود، فسيكون الانتقال إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها، على النقيض من ذلك، صعبًا للغاية. وبالنسبة للفلسطينيين الذين طردت عائلاتهم مما يعرف الآن بإسرائيل، فإن هذا مستحيل. وبذلك، فإن سياسة الهجرة الإسرائيلية هي في الأساس أكثر تمييزًا وعنصرية من أي شيء تقترحه لوبان أو ميلوني أو مودي أو ترامب.
كما يدعم منافسو بن غفير الوسطيون بحماس هذا الوضع الراهن. في العام 2003، أصدرت إسرائيل قانون الجنسية الذي يمنع الفلسطينيين من الضفة الغربية أو قطاع غزة الذين يتزوجون من مواطنين فلسطينيين في إسرائيل من الحصول على الجنسية الإسرائيلية أيضًا. ومنذ ذلك الحين، تم تمديد صلاحية القانون كل عام. وفي العام الماضي، غازل حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو فكرة معارضة التمديد -على الرغم من تفضيله من حيث الجوهر- كحيلة لمحاولة الإطاحة بالائتلاف متعدد الأحزاب الذي قاده رئيس الوزراء آنذاك، نفتالي بينيت. وفي الرد على ذلك، ناور السياسيون الوسطيون في إسرائيل بشكل محموم لضمان تمرير التمديد. كان قانون المواطنة حاسمًا، كما أعلن وزير الخارجية في ذلك الحين، يائير لابيد، لأنه “إحدى الأدوات التي تهدف إلى ضمان الأغلبية اليهودية في إسرائيل”.
يعكس هذا التوافق بشأن الهجرة توافقًا أوسع حول الطبيعة الأساسية للدولة. ويشكل حزب “يش عتيد” الذي يتزعمه لابيد أكبر منافس وسطي للائتلاف اليميني الذي يضم الآن بن غفير. لكنه يعارض بلا خجل فكرة أن تصبح إسرائيل “دولة لجميع مواطنيها”، كما اقترح أعضاء فلسطينيون في الكنيست، بحيث تُعامل اليهود والفلسطينيين على قدم المساواة. قد يكون الوسطيون الآخرون، مثل الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو رئيس الوزراء ماريو دراغي في إيطاليا أبطالاً غير كاملين للمساواة القانونية. لكن من المستحيل أن نتخيلهم وهم يقولون، كما فعل لابيد في العام 2019، “أنا الآن، وكنت دائمًا، ضد أي نوع من ’دولة لجميع مواطنيها‘ طوال حياتي”. وفي الهند، يتعلق واحد من أعمق الانقسامات السياسية بمعارضة حزب “المؤتمر” -الذي ما يزال، على الرغم من تراجع حظوظه، أكبر منافس لحزب “بهاراتيا جاناتا” القومي المتطرف بزعامة مودي- لجهود مودي لإنشاء دولة هندوسية. ويعلن حزب “المؤتمر”، على موقعه الإلكتروني، أن الهند يجب أن تظل دولة علمانية “لا تسمح لنفسها بأن تكون مرتبطة بعقيدة واحدة أو دين واحد”. أما في إسرائيل، على النقيض من ذلك، فإن الحاجة إلى الحفاظ على دولة يهودية هي مسألة إجماع سياسي. وبذلك، عندما يتعلق الأمر بفضيلة الإثنوقراطية، فإن اليمين والوسط يتفقان تمامًا.
في الماضي، كان ساسة اليمين والوسط في إسرائيل يختلفون على الأقل حول أين يمكن رسم حدود الدولة اليهودية: أراد اليمين السيطرة على جميع الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط؛ وأراد الوسط مغادرة معظم الأراضي المحتلة، وبالتالي تخليص نفسه من السكان الفلسطينيين الذين يهددون الأغلبية اليهودية في إسرائيل. ولكن، حتى هذا الانقسام تلاشى الآن. بالنسبة للابيد والسياسي الوسطي البارز الآخر في إسرائيل، بيني غانتس، فإن دعم قيام دولة فلسطينية أصبح الآن نظريًا بالكامل تقريبًا. وهو مشحون بالشروط المسبقة التي تضمن ألا تكون مثل هذه “الدولة” أكثر من مجرد نسخة مجيدة من الوضع الراهن، حيث تؤدي السلطة الفلسطينية مهام إدارية بينما يحتفظ الجيش الإسرائيلي بالسيطرة النهائية. وهذا يعني أنهما يدعمان، من الناحية العملية، دولة يهودية من النهر إلى البحر. وعندما أشار المعلق السياسي المحافظ، دان سينور، مؤخرًا إلى أنه على الرغم من الاستقطاب الظاهري في إسرائيل، فإن “هناك إجماعًا واسع النطاق على القضايا الفعلية”، فإن هذا ما كان يقصده: لا يوجد حزب إسرائيلي لديه فرصة للاستيلاء على السلطة يدعم المبادئ المساواتية التي لها وزن وتأثير كبير في الأوساط الوسطية والتقدمية في بلدان مثل الولايات المتحدة وإيطاليا والهند وفرنسا.
ولا يعني هذا أن بن غفير ولابيد يتفقان على كل شيء. لكن خلافاتهما تختلف عن تلك التي بين لوبان وماكرون، أو ترامب وبايدن. إن الفجوة الأكثر أهمية بين بن غفير ولابيد لا تتعلق بالهجرة؛ إنها تتعلق بالترحيل. لا يؤيد لابيد طرد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. وفي المقابل، يقدس بن غفير منذ سن المراهقة كاهانا الذي جادل بأن التفوق اليهودي لا يمكن أن يكون آمنًا في أي وقت طالما احتفظت إسرائيل بعدد كبير من السكان الفلسطينيين. إن الدولة اليهودية، كما كتب كاهانا في كتابه الصادر في العام 1981، “يجب أن يذهبوا”، تتطلب “أغلبية يهودية دائمة وأقلية عربية صغيرة وغير مهمة وهادئة. لكن العرب يعتقدون أن اليهود لصوص سرقوا أرضهم. ولا يشعر العرب بأي روابط أو عواطف تجاه دولة تتنفس ’اليهودية‘. وهم ينمون”.
ثمة القلق نفسه يكمن وراء أجندة بن غفير اليوم. وعلى العكس من لابيد الذي يعتقد أن الإثنوقراطية في إسرائيل مستقرة، يعتقد بن غفير أنها ضعيفة. وهي كذلك لأن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل كثيرون جدًا وغير خاضعين بما فيه الكفاية. وقد أعلن في ليلة الانتخابات أن “الوقت قد حان لإعادة تأكيد ملكيتنا لهذه الدولة”. وعلى النقيض من كاهانا، لا يدعو بن غفير إلى طرد جميع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وإنما المواطنين “غير الموالين” فقط. لكنَّ حزبه خلال الحملة الانتخابية نشر إعلانات تظهر وجوه اثنين من السياسيين الفلسطينيين الأكثر شعبية في إسرائيل إلى جانب عبارة “فليتم نفي أعدائنا”.
إن مفهوم بن غفير عن عدم الولاء واسع فضفاض. وسواء كان يعتقد أنه قادر على طرد المواطنين الفلسطينيين من البلاد أم لا، فإن التهديد بذلك يخدم غرضًا. إنه يعزز العقيدة العرقية الإسرائيلية من خلال التحذير من أن الفلسطينيين قد يواجهون أعمالاً انتقامية قاسية إذا ما تحدوها. ولا يعتبر لابيد مثل هذه التهديدات ضرورية. بل إنه قد يعتبرها ذات نتائج عكسية، لأنها يمكن أن تدفع المراقبين الدوليين إلى التشكيك في شرعية الدولة اليهودية التي يدعمها هو وبن غفير. لكن اعتراض لابيد هو، في نهاية المطاف، على أساليب بن غفير، وليس هدفه النهائي.
في إسرائيل اليوم، لا تدور المعركة السياسية بين تفوق المجموعة والمساواة بموجب القانون. إنها تدور حول كيفية الحفاظ على تفوق المجموعة على أفضل وجه. بعد الانتخابات، وصفت صحيفة “هآرتس” بن غفير بأنه “شخصية تشبه ترامب”. وهذا مفهوم. ولكن، في البلد الذي يريده منافسو بن غفير، فإنهم شخصيات ترامبية الطابع أيضًا.
*بيتر ألكسندر بينارت Peter Alexander Beinart: كاتب عمود وصحفي ومعلق سياسي أميركي، ولد في 28 شباط (فبراير) 1971. وهو محرر سابق لصحيفة “نيو ريبابليك”، كما كتب لمجلة “تايم” وصحيفتي “نيويورك تايمز” و”نيويورك ريفيو أوف بوكس” من بين دوريات أخرى. وهو أيضًا مؤلف ثلاثة كتب، وأستاذ الصحافة والعلوم السياسية في كلية كريغ نيومارك للدراسات العليا في الصحافة في جامعة مدينة نيويورك. وهو المحرر العام لمجلة “تيارات يهودية” Jewish Currents، ومساهم في مجلة “ذي أتلانتيك”، ومعلق سياسي في شبكة “سي إن إن”، وزميل في مؤسسة السلام في الشرق الأوسط.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel’s Ascendant Far Right Can’t Be Understood by Analogy
“الغد”