نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا قالت فيه إن مباريات كأس العالم في قطر التي تنطلق يوم الأحد 20/11/2022، تمثل تتويجا لجهود دول الخليج في الرياضة العالمية. وقالت في تقرير أعدته فيفيان نيريم إن استقبال المباريات العالمية وشراء نواد رياضية بل والبدء بمباراة دولية للغولف هي أمثلة على محاولة دول الخليج استخدام ثرواتها لكي تلفت الانتباه والحصول على المكانة العالمية ودعم التنويع الاقتصادي وبناء المصداقية السياسية.
وبالنسبة لمريم العنزي، ظلت تتساءل لو كان أحد يعرف قطر، وكانت تجيب على سؤال من أين أنت، بأنها جاءت من بلد قريب من دبي، المدينة الأشهر في دول الخليج. والآن مع تدفق المشجعين من حول العالم، فهي تتجول في شوارع العاصمة القطرية وهي ترحب بالقادمين من الهند وأوروبا مبتهجة بتركيز النظر على بلدها. وقالت “يعرف الناس الدوحة الآن”. وأضافت العنزي، 35 عاما، أن أبناءها لعبوا الكرة على شاطئ البحر وأن الناس يرون بأم أعينهم ما حدث في البلاد ويحكمون بقلوبهم.
ويأتي افتتاح مونديال 2022 تتويجا لعقد من الزمان ضخت فيه قطر ودول الخليج مليارات الدولارات في الرياضة الدولية حيث اشترت نوادي رياضية ورعت إعلانات وماركات واستضافت مناسبات لتعزيز تأثيرها الدولي، والرغبة في تنويع اقتصادها، وجذب السياحة وتوسيع سياساتها الخارجية وإثارة القومية في الداخل وشرعنة حكمها الديكتاتوري. وبدأت السعودية مباراة غولف دولية هذا العام تتنافس مع بي جي إي، واستضافت أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة مباريات أن بي إي في الشهر الماضي، واشترى أفراد في العائلات الحاكمة في الإمارات العربية والسعودية وقطر نوادي رياضية في الخارج، بما في ذلك استحواذ هيئة الاستثمار السعودية على نادي نيوكاسل يونايتد العام الماضي. ويعتبر كأس العالم في قطر ذروة الدفع الإقليمي نحو الرياضة الدولية، ولبلد عدد سكانه 3 ملايين نسمة، فالمونديال الذي سيستمر على مدى شهر هو نهاية لـ 12 عاما من التحضيرات وأكثر من 200 مليار دولار والإنفاق على البنية التحتية والتي تداخلت في عملية بناء الدولة لبلد لا تتجاوز مساحته ولاية كونيكتيكت وتحيط به دول قوية.
ومع وصول أكثر من مليون زائر لحضور المباريات، فالمونديال هو جزء من خطة العائلة الحاكمة الدفع ببلدهم المحافظ نحو الأضواء العالمية، وهي استراتيجية مولتها ثروة الغاز الطبيعي. وهناك الكثير الذي يعول عليه البلد لدرجة أن الدوحة حبست أنفاسها هذا الأسبوع بانتظار البداية، في الوقت الذي ينتقد فيه النقاد حكام الخليج بأن اهتمامهم بالرياضة هو محاولة لتبييض سجلاتهم وسط انتهاكات حقوق الإنسان، وتمثل الرياضة طريقا مهما لتعزيز الصورة للحكام الوراثيين في الخليج. ولأن دول الخليج تحاول تنويع اقتصادها والابتعاد عن النفط، فالرياضة باتت تمثل وسيلة لخلق الوظائف. وفي كل منطقة الخليج يريد أنصار الصحة الجسدية استخدام الرياضة للتشجيع على النشاط الرياضي بين السكان الذين يعانون ومنذ الصغر من السمنة ومرض السكري.
ومن هنا فشراء نواد رياضية هو رمز يعطي مكانة للأثرياء من أعضاء العائلة المالكة وهناك حب لكرة القدم في المنطقة مما يجعلها العربة المهمة للحكام كي يزيدوا شعبيتهم وتعزيز صورتهم.
ويقول سايمون شادويك، أستاذ الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي في مدرسة سكيما للاقتصاد والذي سافر إلى قطر لأكثر من عقد وشاهد تطورها “السبب وراء كأس العالم هو تمرين أو خطوة تريد من خلالها قطر تأمين نفسها وأهميتها وشرعيتها”. وترى الصحيفة أن التركيز على البلد يجلب معه الكثير من السلبيات، وفي الأشهر الماضية، تعرضت قطر لتمحيص وانتقادات وسخرية من المعلقين الأمريكيين والبريطانيين والأوروبيين الذين وصفوها بالبلد الشمولي ولا توجد فيه مشاركة سياسية. وألقت معاملة العمالة الوافدة والمثليين بظلها على مباريات كأس العالم. ومثل بقية دول الخليج، تعتمد قطر على العمالة الوافدة من جنوب آسيا وأفريقيا الذين يعملون في ظروف صعبة ولساعات طويلة وبرواتب قليلة ويواجهون انتهاكات لحقوقهم.
وكان العدد الضخم من العمالة التي أسهمت في بناء البنية التحتية محلا لاستغلال الشركات. وكان قرار منع البيرة محلا لنقد المشجعين، وبالتأكيد فالكثير من القطريين يرون أن المباريات أدت لتعليقات سلبية أكثر من الإيجابية. وبالنسبة لحكام الخليج، الذين يهدفون وبطرق مختلفة، إلى تعزيز الهوية الوطنية من خلال الاستثمار في الرياضة، وكذا تعزيز شرعية قيادتها، فهي موجهة بالضرورة للجماهير المحلية أكثر منها للمنطقة أو المشاهد العالمي. وعندما فازت قطر باستضافة كأس العالم قبل 12 عاما لم يكن الهدف إظهار البلد، فهي مقر قناة الجزيرة والخطوط الجوية القطرية وأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. ويأمل المسؤولون القطريون أن تعزز مباريات كأس العالم مكانتها كدولة متميزة قادرة على الاعتماد على نفسها إلى جانب جيران أقوياء، بمن فيها السعودية والإمارات.
ويقول دانيال ريتش، الأستاذ الزائر بجامعة جورجتاون- قطر الذي يدرس الرياضة والسياسة إن جهود الحكومة ربط نفسها بالمجتمع الدولي نابعة في جزء منها من مكامن الضعف والتي تضم استراتيجية الدفاع عن النفس. وحس عدم الأمان بارز في الخريطة، فقطر لديها 400.000 مواطن وهي شبه جزيرة إلى جانب قوى إقليمية كبرى وهي السعودية وإيران. وتحتفظ بعلاقات ودية معهما في الوقت الحالي، لكنها لا تتعامل مع واقع الصداقة كأمر واقع. وهو ما أثبته حصار السعودية والإمارات والبحرين ومصر لها عام 2017. ولكن تنظيم مباريات كأس العالم هي لحظة مهمة لأمة شابة. وتقول مشاعل حسن النعيمي، المديرة التنفيذية لمؤسسة قطر “ما يدفعني في الحقيقة هو بناء الدولة”. وشعرت النعيمي أن كل واحد في قطر وخلال الـ12 عاما الماضية يعملون من أجل كأس العالم، ووحدت السكان وسط مرحلة مهمة.
وضخت قطر منذ فوزها بكأس العالم أكثر من 200 مليار دولار لبناء عاصمتها وشبكة طرق وخط مترو متقدم. وقال الأمين العام لمنظمة كأس العالم القطرية، حسن التوحيدي، إن كأس العالم “استخدم كوسيلة لتسريع المبادرات”. وأضاف أن استضافة كأس يعني معرفة الناس بقطر كـ “وجهة”. وأشارت الصحيفة إلى أن الكثير من القطريين ليسوا مرتاحين لفيضان المشجعين وما سينجم عن تصرفاتهم، وهناك من يخطط للبقاء في البيت أو السفر إلى الخارج أو تجنب المناسبة كليا، لكن هناك الذين يشعرون بالبهجة. وتجذرت اللعبة التي قدمها المستعمرون للمنطقة وشركات النفط وأصبحت عجلة للحركات الوطنية وتشكيل الهوية، كما يقول عبد الله العريان، الأستاذ بجامعة جورجتاون في قطر. وتحولت لنقطة تعبئة ضد الأنظمة كما في أثناء الربيع العربي وبخاصة في مصر والجزائر.
“القدس العربي”