بحسب الباحث والناشط الشبابي أحمد حرباوي، فإن ما يسمى “سبت سارة” الذي احتفلت خلاله مجموعات من آلاف المستوطنين المتطرفين في مدينة الخليل، هو بمثابة تجلي الصهيونية على هيئة “عيد”.
جاءت تصريحات حرباوي بعد أن عاشت مدينة الخليل يوما متوحشا من الاعتداءات والهجمات الاستيطانية التي نفذها آلاف المستوطنين بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأصيب عشرات الفلسطينيين بجروح ورضوض، بعد ظهر السبت، جراء اعتداءات نفذها مستوطنون يتقدمهم عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير، خلال احتفالهم بأحد الأعياد اليهودية في البلدة القديمة بمدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، حيث دمر المستوطنون عشرات البسطات التجارية وأغلقوا المحلات وقاموا بعربدة استمرت لساعات.
ويعتبر “سبت سارة” من أهم الأعياد التي يقيمها اليهود الذين يعرفون باسم “الحاباد” أو “الحسيديم”، حيث يتركز هذا العيد في مدينة الخليل بحسب الباحث والناشط الحرباوي، من أجل الترويج لفكرة الوجود اليهودي التاريخي في المدينة.
وتنظم الجمعية اليهودية “حاباد” في أواخر شهر تشرين الثاني من كل عام ما يسمى بـ”عيد سارة” بدعوى الاحتفال بزوجة النبي إبراهيم بعد خلاصها من بطش فرعون، حسب الرواية التوراتية.
ويشدد حرباوي أن المغزى من هذا العيد هو الترويج للوجود اليهودي القديم في مدينة الخليل، علما أن الأغلبية العظمى من سكان الخليل اليهود الأصليين تم ترحيلهم خارج فلسطين عام 1936 على يد قوات الانتداب البريطاني لرفضهم المشروع الصهيوني.
ويؤكد حرباوي أن من يستوطن الخليل اليوم من اليهود غالبيتهم العظمى من الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يمتّون ليهود الأندلس بأي صلة، أما سمة الاحتفال بـ”سبت سارة” فهي سمة استعمارية صهيونية لترسيخ وجود اليهود المهاجرين في قلب المدينة القديمة بدعوى الأحقية التاريخية.
ويقول الباحث الحرباوي أن تواجد اليهود “الحاباد” في الخليل كان في نهاية القرن التاسع عشر بعد أن هاجروا من بيلاروسيا من المجمع اليهودي “الأشكنازي” الذي أسسه الحاخام “شلوم زلمان”، ويعتمد فكر جماعة “حاباد” بشكل أساسي على عقيدة “الكابالاة”.
كما تعتبر عائلة الحاخام “سلونيم” من أهم عائلات اليهودية التي هاجرت من بيلاروسيا إلى الخليل عام 1870م، وبفضل الدعم المالي التي تلقته من المجمع الرئيسي في بيلاروسيا ثم الحركة الصهيونية فيما بعد، بدأوا بالسيطرة على مجتمع اليهود في المدينة الذين تعود أصولهم إلى (الأندلس).
ويذكر حرباوي أن “دان سلونيم” شارك في عضوية مجلس بلدية الخليل عام 1919م وتولى إدارة بنك “أنجلوفلسطين” حتى عام 1929 في المدينة أيضا. كما أصبح مجمع حاباد بداية القرن العشرين بما يمتلكه من بنى تحتية كالمدارس ورياض الأطفال والمستوصف والفندق، قبلةً لكافة اليهود المهاجرين إلى فلسطين، كما أسس الحاباد مدرسة هي الأكبر في فلسطين أتاها الطلاب من كل أنحاء العالم وخاصة أمريكا وبولندا.
ويضيف حرباوي أنه حينما قامت ثورة البراق عام 1929، كانت المدرسة وجهة الثوار، خاصة أن طلابها كانوا منتمين لعصابات الهاغانا والأرغون الذين نفذوا حرب التطهير العرقي في المدن والقرى الفلسطينية إبان نكبة عام 1948.
ويرى المحلل السياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد، أن بن غفير ومن معه من المستوطنين المتطرفين أرادوا إرسال مجموعة من الرسائل عبر الاحتفال بهذا العيد، جزء منها موجهة للفلسطينيين عموما وأهالي الخليل خصوصا، وجزء منها موجهة للداخل الإسرائيلي.
وأضاف: “إحدى الرسائل موجهة لمن يسيئ التقدير من الفلسطينيين الذين يعتقدون أن بن غفير بعد الحكومة الإسرائيلية الجديدة سيكون نسخة مختلفة عما قبلها، لكن الرسالة تقول إنه بعد الحكومة سيكون أكثر تطرفا لكونه حصل على أدوات وروافع جديدة تسرع من مسار مشروعه الرامي لتهويد الخليل كمحطة أولى”.
وأكد شديد أن الخليل شهدت بالأمس كما هائلا من المستوطنين، معتبرا أن ذلك لا يمكن أن يكون عفويا، فهو أمر لا يتكرر كل عام.
وتابع شديد: “الرسائل الموجهة لنا تترجم طبيعة مشروع بن غفير ومفاده أنه يريد أن يرى الخليل خالية من غير اليهود، وفي حال عجز عن ذلك، فإنه لا يريد لحظة دخول المستوطنين للخليل، رؤية فلسطيني بحيث يجب أن يبقى المواطنون في منازلهم وتغلق المحلات وتعرقل الحياة الطبيعية في البلدة القديمة، على اعتبار أن الفلسطينيين هم الأغيار والأشرار الذين عليهم أن يختفوا.
وبحسب شديد، فإن ما جرى في الخليل يوم السبت، لا يمكن أن يكون حدثا عفويا ووليد اللحظة، فعدد المستوطنين الذين شاركوا في اقتحام منطقة باب الزاوية بالمدينة، يفوق أربعة أضعاف عدد المستوطنين في محافظة الخليل بأكملها. وهو ما يجعله حدثا مخططا له وشارك فيه مستوطنون من كل الضفة والداخل الفلسطيني.
ويعتقد شديد أن بن غفير يريد أن يقول أن أولوياتنا أصبحت في مدينة الخليل، وأن كل سياسات الاستيطان الماضية لم تكن جدية ولم تكن مقنعة، ولا يريد رؤية فلسطينيين من باب الزاوية حتى الحرم الإبراهيمي، وفي حال لم يغادروا طوعا، فإنهم سيقومون بالقوة بفعل ذلك.
وحول حضور الخليل في العقل اليهودي والفهم التوراتي، يقول شديد إن الخليل مدينة من أربع مدن مقدسة بالنسبة للمستوطنين، وهي القدس وصفد وطبريا والخليل أيضا، وهذا يعني من ناحية توراتية، أن الخليل أهم ألف مرة من بئر السبع وحيفا وتل أبيب وبقية المدن.
ويرى شديد أن الأهم بالنسبة للمجموعة المتطرفة التي حصلت على مقاعد في الانتخابات الأخيرة، هو أنها ترى في الخليل مدينة الآباء التي دُفن بها الشعب اليهودي. وبالتالي يجب أن يبدأ منها مشروع الخلاص اليهودي.
وتشير تقديرات محلية إلى أن عدد المستوطنين الذين اقتحموا المدينة تجاوز 37 ألف مستوطن حيث أقام الجيش الإسرائيلي عددا من الحواجز والسواتر الحديدية وانتشر بكثافة في محيط البلدة القديمة لتأمين اقتحامات المستوطنين. كما أغلق الجيش في وقت سابق من مساء الجمعة، المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، فيما انتشر آلاف المستوطنين داخله وفي محيطه.
ويقع المسجد الإبراهيمي في البلدة القديمة من مدينة الخليل الخاضعة لسيطرة الاحتلال، ويسكنها نحو 400 مستوطن يحرسهم حوالي 1500 جندي إسرائيلي. ومنذ عام 1994، قسمت إسرائيل المسجد الإبراهيمي بواقع 63 في المئة لليهود، و37 في المئة للمسلمين، عقب مذبحة ارتكبها مستوطن أسفرت عن استشهاد 29 مصليا.
كما أفضت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية إلى عملية تقسيم المدينة التاريخية بحسب اتفاق الخليل في 17 يناير/ كانون الثاني 1997 إلى منطقتي H1 وH2، أُعطيت إسرائيل بموجبه سيطرة كاملة على البلدة القديمة وأطرافها.
وأطلق عشرات الناشطين وأهالي مدينة الخليل، نداءات استغاثة للدفاع عن أرضهم ومنازلهم من خطر اعتداءات المستوطنين التي ينفذونها بحماية كاملة من جيش الاحتلال الإسرائيلي. كما انطلقت دعوات شبابية لإقامة صلاة فجر يوم الجمعة القمقبل في المسجد الإبراهيمي تحت اسم (فجر الحشد العظيم)؛ ردا على تدنيس الاحتلال للمسجد الإبراهيمي ومحاولاتهم تهويده.
ودعا الناشط في مجموعة الدفاع عن حقوق الخليل، عارف جابر، في تصريحات صحافية، لتعزيز صمود المواطن الفلسطيني في الخليل، وحمايته من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه.
وأوضح أن سلطات الاحتلال تهدف إلى تعزيز الوجود الاستيطاني في الخليل، إلى جانب توسعة رقعة الاعتداءات على المواطنين في المدينة.
وكان آلاف المستوطنين قد تجمعوا في أكثر من مكان انطلاقا من ساحة الحرم الإبراهيمي، وشارع الشهداء، ومدرسة أسامة بن المنقذ في البلدة القديمة، وصولا إلى ما يسمى قبر “حفرون” في شارع بئر السبع لإقامة طقوس تلمودية، حيث هاجموا المواطنين والمحال التجارية، وأتلفوا بسطات الباعة، واندلعت مواجهات عنيفة على إثرها. ونفذت قوات الاحتلال حملة اعتداءات على المواطنين في شارع الشلالة، وحارة جابر، وباب الزاوية، وتل الرميدة وسط المدينة، أصيبت على إثرها الطفلة عائشة هشام العزة بحجر في الوجه، والشاب بلال اسعيد بالعين.
ورافق اقتحام المستوطنين للحرم، نصبهم خياما متنقلة في محيطه تزامنا مع اعتداءاتهم التي طالت كافة أحياء البلدة القديمة بمدينة الخليل، ومع منع سلطات الاحتلال رفع الآذان فيه لعشرات الأوقات خلال الشهر الواحد.
واعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد التميمي، استباحة المستوطنين الحرم الإبراهيمي وكافة أرجاء البلدة القديمة يندرج ضمن الإجراءات التعسفية الإسرائيلية التي تهدف إلى إرغام المواطنين على ترك الصلاة في الحرم الإبراهيمي، والرحيل بقوة السلاح من منازلهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في البلدة القديمة.
واعتبر التعدي وإقامة حفلات صاخبة في الحرم الإبراهيمي الشريف، تدنيسا له وتعديا صارخا على الديانات السماوية، وحرية العبادة، التي كفلتها الشرائع والقوانين الدولية.
“القدس العربي”