نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده كل من إريك لبيتون وماغي هابرمان وتحدثا فيه عن نشاطات عائلة الرئيس السابق دونالد ترامب التجارية في منطقة الخليج مما يثير أسئلة حول تضارب المصالح في وقت أعلن فيه ترامب عن ترشحه للسباق الرئاسي المقبل في عام 2024.
وجاء في التقرير أن الرئيس السابق عاد في الأسبوع الماضي ولفترة قصيرة إلى مكتبه في برج ترامب بنيويورك حيث انضم إليه ابنه إريك ترامب ومدير تنفيذي كبير لشركة عقارات سعودية ووقعا على صفقة قد تخلق له مشاكل حول تضارب المصالح بعدما أعلن عن دخوله الرهان الرئاسي المقبل. وتشمل الصفقة بناء فندق من مجموعة ترامب وفلل وملعب غولف كجزء من صفقة عقارات بـ 4 مليارات دولار في عمان. وتمثل الصفقة تواصلا مع التقاليد التي ظلت العائلة تعمل بها حتى انتخابه رئيسا، وهو تقليد يقوم على بيع حقوق الماركة لمشاريع في الخارج مقابل مبالغ سخية للرخصة.
وتعلق الصحيفة أن ما يجعل المشروع هذا غير عادي، وبالتأكيد سيثير الأسئلة حول عقوده، أن بتعاونه مع شركة سعودية سيكون ترامب جزءا من مشروع تدعمه الحكومة العمانية نفسها. وتترك الصفقة ترامب، الرئيس السابق الذي يأمل بالعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض، شريكا فعليا مع حكومة لها علاقة معقدة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك جهودها للتوسط في وقف حرب اليمن، وعناصر أخرى من السياسة الخارجية الأمريكية.
وستنفذ العقد الذي وقعه ترامب “دار الأركان” وهي شركة مقرها في السعودية وبالتعاون مع الحكومة العمانية التي تملك الأرض. وهذه هي الصفقة الثانية التي توقع بين ترامب وعائلته والتي ترتبط مباشرة مع حكومة في الشرق الأوسط. واستقبلت منظمة ترامب مباراة الغولف “ليف” التي دعمتها السعودية في ناديين تملكهما عائلة ترامب في كل من نيوجيرسي وفلوريدا. ومولت هيئة الاستثمارات السعودية العامة التي تملك 620 مليار دولار، جهود ليف والتي دفعت لاحقا أجر مراكز اللعب مثل ترامب دورال الوطني في ميامي ونادي ترامب الوطني للغولف في بيدمنستر بنيوجيرسي لكي تستقبل دورتين هذا العام. وأقامت إدارة ترامب بما فيها جاريد كوشنر، صهر الرئيس السابق علاقات مع السعودية. وحصل كوشنر على دعم مالي من الحكومة السعودية، يقدر بملياري دولار للاستثمار في شركة الأسهم الخاصة الجديدة “أفينتي بارتنرز”.
وقبل انتخابه رئيسا وقع ترامب وعائلته اتفاقيات لبيع حقوق ماركته في دول مثل أندونيسيا وتركيا والفلبين والإمارات (دبي) والهند وبنما وكندا ومنتجعاتها للغولف في استكتلندا وأيرلندا. وتم الإعلان عن ناطحة سحاب في دبي عام 2005 مع شركة نخيل المملوكة للحكومة، لكن تم التخلي عن المشروع في وقت لاحق. وقبل ثمانية أشهر من دخول ترامب السباق الرئاسي عام 2015، أعلنت العائلة عن خطط لتقديم رخصة اسمها لفندق من 33 طابقا في باكو، عاصمة أذربيجان. وكان شريكها هناك نجل وزير في الحكومة، وتم التخلي لاحقا عن المشروع.
وفي أماكن أخرى بالخارج لم تشرك صفقات منظمة ترامب حكومات أجنبية مباشرة، ولم يكن هناك على الأقل أي إشارة إلى دور حكومي في تمويلها أو تقديم مساهمة كبيرة من ناحية توفير الأرض، وذلك بحسب فحص قامت به “نيويورك تايمز” للعقود. وتحول فندق ترامب الدولي بواشنطن أثناء رئاسة ترامب إلى مقصد لمسؤولي الحكومات الأجنبية إلى جانب وفود من المدينة للقاء ترامب. وأنفقت حكومات ماليزيا وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة والسعودية والصين أموالا في الفندق، حسب وثائق قدمتها شركة المحاسبة السابقة له إلى الكونغرس. وحصل الفندق على أكثر من 3.75 مليون دولار من حكومات أجنبية بالفترة ما بين 2017 -2020، حسب تقدير تحقيق مجلس النواب. وأكدت منظمة ترامب أنها دفعت كل الأرباح من هذه الإقامات في الفندق لوزارة المالية عبر الدفع الطوعي.
لكن الصفقة الأخيرة ربما أدت لأن تنتفع منظمة ترامب من الأرض أو الأموال التي تقدمها حكومة أجنبية، مما يزيد من احتمالات تضارب المصالح، في وقت يواصل فيه ترامب دوره المزدوج كمرشح للبيت الأبيض وكمدير تنفيذي، وذلك حسبما يقول المحامون. وقالت كاثرين كلارك، أستاذة القانون في جامعة واشنطن في سانت لويس “هذا هو مثال آخر عن حصول ترامب على منافع شخصية مقابل الحصول على سلطة في الماضي والمستقبل”، وأضافت أن “الحكومتين السعودية والعمانية ربما اعتقدتا أن منح ترامب رخصة ستنفعهما في المستقبل في حالة أصبح ترامب رئيسا مرة أخرى. وهذه صفقة ستؤكد مكانتهما لدى ترامب”.
ويخطط لبناء مشروع عايدة بعيدا 20 دقيقة عن العاصمة مسقط، وعلى سلسلة من التلال التي تطل على بحر العرب وعلى أرض تسيطر عليها الشركة العمانية للتطوير والسياحة، وهي شركة سياحة مملوكة للحكومة العمانية. وستضم 3.500 فيلا ديلاكس وفندقين بـ 450 غرفة وملعب غولف وكذا محلات ومطاعم. ويعتبر المشروع جزءا من خطة تسميها الحكومة العمانية رؤية 2040 ومحاولة تنويع اقتصاد البلد من خلال بناء فنادق جديدة وملاعب غولف ومراكز جذب سياحي أخرى. ولم يرد المسؤولون العمانيون يوم الأحد على أسئلة الصحيفة ولا دار أركان التي تعتبر من كبرى شركات العقارات في السعودية.
ولم تكن علاقة عمان دافئة مع الولايات المتحدة أثناء فترة ترامب كما كانت مع السعودية. ورفضت عمان التوقيع على اتفاقية تطبيع للعلاقات مع إسرائيل. وأرسل مدراء دار أركان بيانا أكدوا فيه توقيع العقد مع منظمة ترامب والذي سينفذ في عمان، إلى جانب صور لترامب وإريك ترامب ومدراء من شركة دار الركن. وهذه هي المرة الأولى التي ظهر فيها ترامب منذ انتخابه وهو يلعب دورا في أعمال منظمة العائلة.
وتوقفت المنظمة عن توقيع عقود دولية بعد انتخابه كرئيس. وهو أول عقد يوقعه مع شركة سعودية في عمان بعد خروجه من البيت الأبيض. وكان زياد الشعار، المدير التنفيذي لدار الأركان غلوبال والذي حضر حفل توقيع الاتفاقية يعمل في الماضي بداماك للعقارات، شريكة ترامب في دبي حيث منحت العائلة رخصة اسمه لإنشاء سلسلة من ملاعب الغولف الدولية وعقارات ترامب في تلال داماك وهي منطقة مسورة محاذية للممرات المائية. وقال الشعار في بيان يوم الأحد: “نحن واثقون من تعزيز العلاقات مع ترامب لجمال عايدة وستجلب المستثمرين من حول العالم ممن يبحثون عن مشروع استثنائي”.
وقال إريك ترامب إنه لا يعتقد أن العقد الجديد يمثل تضاربا في المصالح، لأن المنظمة تجنبت منذ وصول والده إلى البيت الأبيض توقيع عقود فيها تضارب “نشعر بالبهجة لتوسيع سمعة الغولف والفندق في مكان رائع” و”سيكون مشروعا استثنائيا”. ورد مدير حملة ترامب السابق ستيفن تشيونغ حول مشروع عمان ببيان هاجم فيه إدارة بايدن.
وأعلن عن الصفقة في وقت كان فيه ترامب يحضر للإعلان عن حملته للرئاسة ويواجه إلى جانب منظمته ومسؤولها المالي ألان وايزلبيرغ قضايا مدنية تضم الغش. ولو صدر عليها حكم فسيكون بمثابة ضربة للمنظمة حيث سيتجنب المقرضون والمستثمرون التعامل مع “غشاش”. كما قد تمثل تحديا سياسيا جديدا لترامب. لكن الحد الأقصى للغرامة عن الغش الضريبي يصل إلى 1.62 مليون دولار، وهو مبلغ صغير لشركة مثل هذه. وفي آخر تقرير مالي له أعده في بداية 2021 ومع خروجه من البيت الأبيض ورد أن ثروته تصل إلى 1.3 مليار دولار.
“القدس العربي”