عاد ملف حزب العمال الكردستاني إلى الواجهة مجددا جراء المتغيرات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي طرأت على العالم ككل، فالحزب المصنف على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وتركيا وسوريا وإيران ومجموعة من دول العربية والعالمية، متهم أيضا بتنفيذ العديد من الهجمات العابرة للحدود، وهو ما نتج عنه إعلان تركيا عن عملية «المخلب- السيف» الجوية في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، والتي استهدفت من خلالها مواقع لحزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، شمالي سوريا.
عملية عسكرية استخدم فيها الجيش التركي، مقاتلاته الحربية، في تطور ملفت في المشهد الميداني، بالإضافة إلى ضربات جوية أخرى باستخدام الطائرات المسيرة، تعمل أنقرة من خلالها على شل مراكز القوى لحزب العمال الكردستاني، من خلال استهداف مخازن الأسلحة وتنحية قيادات الحزب، وضرب المخابئ العسكرية ومراكز القوة الاقتصادية.
التطورات السياسية والتفاهمات الثنائية والدولية على أن حزب العمال الكردستاني بات يشكل عبئا كبيرا على دولة المنطقة «تركيا، سوريا، العراق» في حين يرى بعض الخبراء، بأن الحزب أداة روسية- إيرانية لمواجهة أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية الذين يحاولون تحجيم التمدد الروسي نحو المياه الدافئة في المتوسط.
البرلماني العراقي السابق والباحث في العلاقات الدولية عمر عبد الستار محمود يرى أن الكرد في الشرق الأوسط «لعبة حرب وسلام دولية» مرت هذه اللعبة منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى اليوم بثلاث مراحل وتكاد تدخل اليوم مرحلة رابعة بعد غزو بوتين لأوكرانيا، ومن تلك التدرجات:
1- مرحلة ما بين الحرب الأولى والثانية، وما تضمنها من ربط الكرد بالدول القومية.
2- مرحلة الحرب الباردة، والتي تجلى من خلالها الصراع الكردي القومي.
3- مرحلة ظهور حزب العمال الكردستاني، ودخول إيران مرحلة خميني وخامنئي.
4- مرحلة غزو بوتين لأوكرانيا، واحتمالية احتلال إيران مباشر للعراق.
لقد كان أول من تسلم الملف الكردي هي بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وكان من أولوياتها ربط مصير الكرد بالدول القومية التي ظهرت (تركيا وإيران والعراق وسوريا) وليس بدولة كردية واحدة.
وكان الدور الذي لعبته كل من تركيا وإيران خلال الحروب العالمية الثلاث (الأولى والثانية والباردة) هو تشكيل ستار حديدي حول الاتحاد السوفييتي في المنطقة في ظل الصراع الأمريكي- السوفييتي.
في حين أن الدور الذي لعبه السوفييت من خلال الاهتمام بالملف الكردي ومنهم حزب العمال الكردستاني هو كسر ذلك الستار بهدف الوصول إلى المياه الدافئة (البحر الأبيض المتوسط).
ويقول المتحدث لـ «القدس العربي»: اهتمام الغرب كان بالدول القومية التي تحارب الكرد واهتمام السوفييت كان بالعامل الكردي (عامل اللادولة) جعل من الكرد لعبة حرب وسلام دولية بين المعسكر الشرقي والغربي، وقد أدى ذلك إلى اندلاع صراع قومي كردي في الدول التي توزعوا فيها بعد عام 1920 وكانت هذه أول مراحل لعبة الحرب والسلام الدولية مع الكرد.
وقد بدأت ثاني مراحل لعبة الحرب والسلام مع ظهور حزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان، نهاية السبعينيات على شكل حركة تحرر شيوعي عابرة للحدود وصولا للمتوسط ومحاربًا ضد الهيمنة الإمبريالية الأمريكية في المنطقة كما تقول أجندته.
ويرى البرلماني العراقي السابق، أن حراك أوجلان مشابه لثورة جيفارا، فهما وجهان لعملة الصراع السوفييتي مع الغرب، أحدهما في أمريكا اللاتينية والآخر في الشرق الأوسط بأجندة «محاربة الامبريالية» إلا أن جيفارا أُعدم، في حين أن أوجلان بقي في السجن لأن تركيا ليس لديها حكم بالإعدام.
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، سقط الستار الحديدي الذي أقامته تركيا وإيران مثلما سقط جسر برلين، ويومها لم يعد لكل من تركيا وإيران ذلك الدور الجيوسياسي الدولي بسبب زعامة الولايات المتحدة الأمريكية للنظام الدولي، وتولت من جهة أخرى أوروبا استلام الملف الكردي بالكامل بديلا عن الاتحاد السوفييتي، وكانت هذه هي بداية المرحلة الثالثة من لعبة الحزب والسلام الدولية مع الملف الكردي في الشرق الأوسط.
وقد رأينا إقليم كردستان على الأرض شمال العراق، كما هو الحال مع الدعم المقدم لحزب العمال الكردستاني في البلدان الأربعة وهو ما جدد مرة أخرى أن الكرد لعبة سلام وحرب دولية، وجعل من السياسة الأوروبية الداعمة للكرد تتصارع مع البلدان الأربعة (تركيا وإيران والعراق وسوريا).
تياران كرديان عابر للحدود وآخر قومي
تزامن مع استلام أوروبا الشأن الكردي وبداية المرحلة الثالثة ظهور تياران كرديان، أحدهما شيوعي عابر للحدود ومسلح، متمثل بحزب العمال الكردستاني وآخر قومي تقليدي ملتزم بالحدود، وكلاهما ترعاه أوروبا.
لكن الأمر المهم الذي جرت الأمور عليه منذ تولي أوروبا قيادة الملف الكردي، هو حدوث انقسام كردي-كردي، وهو أمر محوري، إذ استطاعت أوروبا أن تفصل بين منهجين، أحدهما ديني مسلح عابر للحدود موجه ضد (الامبريالية) الغربية في المنطقة اسمه «بي كا كا» وهو منهج ترعاه روسيا وإيران، وعكسه هو المنهج الآخر إقليم كردستان وقوات «قسد» وما قد يحدث مستقبلا ربما داخل إيران.
وهو ما يمكن رؤيته أخيرا وفق البرلماني العراقي السابق والباحث في العلاقات الدولية عمر عبد الستار محمود لـ «القدس العربي» من خلال دلائل كثيرة، أهمها مفاوضات انضمام فنلندا والسويد للناتو، ومحاولتهم استرضاء تركيا التي تفرض شروطا تخلي الدول المعنية عن دعم حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تعد قريبة فكريا منه، وهو استمرار الكرد كلعبة حرب وسلام دولية.
ومن هنا بدأ التقارب الإيراني-التركي، وهو من علامات المرحلة الثالثة للتحولات الدولية، حيث دخل الطرفان ضد سياسات أوروبا الجديدة التي استخدمت حزب العمال الكردستاني كما إقليم كردستان في العراق ثم قوات قسد في سوريا كوسيلة سلم وحرب دولية، على أساس أن الكرد رأس حربة في التغييرات الديمقراطية في الشرق الأوسط.
وقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية وفق المتحدث، في تحقيق مصالحة بين الأتراك وأربيل في عام 2007 وهم يعملون على تحقيق مصالحة في المستقبل بين تركيا وزعيم قسد مظلوم عبدي، وكما نلاحظ فقد بدأت الاحتجاجات في إيران، وربما سيكون هناك حضور كردي مشابه في إيران أيضا.
التطورات المتلاحقة وخاصة حقبة 11- 09 جعلت سوريا عقدة اتصال المحور الروسي-الإيراني (التركي) وهو ما يشير إلى وقوف روسيا وإيران وتركيا (محور أستانا) ضد سياسات أوروبا في استخدامها ورقة حزب العمال الكردستاني وقسد ضد تركيا وإيران رغم اختلاف المعضلة لدى كليهما، خاصة مع وجود أنقرة في حلف الناتو.
لكن استخدام ورقة حزب العمال الكردستاني أوروبيا تعد جزءاً اساسياُ من لعبة الحرب والسلام الدولية لإعادة ترتيب الشرق الأوسط خارج قدرات روسيا وإيران الذين يحاربون لجعل النظام الدولي متعدد الأقطاب، فالشرق الأوسط كان أمريكيا عندما سقط الاتحاد السوفييتي، ثم أعادته حقبة 11-09 ليكون متعدد الأقطاب مرة أخرى.
احتلال إيراني
للعراق وناتو عربي
حزب العمال الكردستاني، الموالي لروسيا وإيران، قد دخل في مرحلة شاقة في ظل إعادة ترتيب لعبة الحرب والسلم دوليا وإقليميا بعد غزو بوتين لأوكرانيا وعلى أبواب غزو إيران للعراق، وكأننا دخلنا في مرحلة رابعة من لعبة الحرب والسلام مع الملف الكردي بين المعسكرات الدولية والإقليمية المتصارعة، من جهة ومن جهة أخرى بين التيارات الكردية المتصارعة سواء منها العابرة للحدود أو المتمسكة بها.
يعد ملف حزب العمال الكردستاني أحد أهم الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، وهو ما قد يؤدي وفق ما قاله البرلماني العراقي السابق عمر عبد الستار، في فترات قادمة إلى تدخل عسكري إيراني بشكل رسمي في العراق كـ «قوات احتلال» كما دخل صدام حسين للكويت، وفي حال حصل ذلك فقد يتشكل ناتو شرق أوسطي، كما تشكل تحالف دولي ضد احتلال صدام حسين للكويت أو تحالف دولي مشابه لحالة محاربة تنظيم الدولة، وكل ذلك من تداعيات استمرار الكرد كلعبة سلام وحرب دولية في الشرق الأوسط من أول مراحلها إلى الرابعة.
في حين قد عززت حرب روسيا على أوكرانيا، حاجة أوروبا الجديدة في لعبة الحرب والسلام هذه لتركيا، حيث لم يعد حزب العمال الكردستاني كما كان سابقا ضمن أجندة الغرب، ويمكننا القول إن حاجة أوروبا لتركيا اليوم مشابهة لحاجتها لها خلال الحرب العالمية الثانية، بخلاف إيران التي اصطفت حرفيا وحربيا مع روسيا.
ونحن نرى أن الدعم الأوروبي للكرد بعد سقوط السوفييت قد منع إيران وروسيا من إعادة دور الاتحاد السوفييتي مع حزب العمال الكردستاني كما كان قبل سقوطهم.
وعند الحديث عن حزب العمال الكردستاني، والصراع الشرقي الغربي حول الكرد، لا بد من الإشارة إلى الدور الإسرائيلي وتحركاتهم في هذا المجال، ووقوفها بوجه الدول التي تحاربها فدعموا الكرد في ظل صراعهم القومي ضد العراق قبل 2003 وبعد 2003 أيضا بسبب تعنت إيران ضد الكرد. وفق ذات المتحدث.
حزب العمال..
علاقات سرية مع الأسد
قالت مصادر، فضلت حجب اسمها، لـ «القدس العربي» انه مع بداية ثورات الربيع العربي، دخل حزب العمال بشكلٍ نشط في سوريا عبر اتفاقٍ غير معلن مع النظام السوري.
الاتفاق الذي أبرمه حزب العمال الكردستاني مع دمشق، منحه تسهيلات للسيطرة على المدن والبلدات الكردية، ولاحقا وبدعم التحالف وعبر ذراعه وحدات حماية الشعب توسع في المناطق العربية من الرقة لمنبج لدير الزور وغيرها.
وفي العودة إلى العقود الماضية، فإن الاتفاقيات الإشكالية التي أبرمها حزب العمال الكردستاني والمتغيرات التي طرأت على بنيته، أدت إلى خلق أزمة كبيرة في المنطقة، حيث لم يحدد الحزب منطقة جغرافية محددة سلما أو حربا، وهي سياسة وضعت الشعب الكردي والدول الوطنية في المنطقة بحالة خطر وتوتر مستمر ومتصاعد.
ومن جهة أخرى، لم يعد لدى الكُرد جهة سياسية حقيقية تقوم بتمثيلهم فيما عدا إقليم كردستان العراق، مع استحواذ وسيطرة حزب العمال على القرار الكردي، في حين أن دول المنطقة تواجه صعوبات في تحقيق الاستقرار أو حتى الضغط على حزب العمال الكردستاني أو طرح مبادرات سلام، وذلك جراء تحجر الحزب بما يخص القرارات والتفكير والإقدام على خيارات السلام.
“القدس العربي”