قال ستيفن بومبر ومايكل وحيد حنا، من مجموعة الأزمات الدولية، في مقال نشرته دورية “فورين أفيرز”، حول كيفية إنهاء الحرب في اليمن بمساعدة من الولايات المتحدة، إن الهدنة التي أعلنت في نيسان/ أبريل كانت خطوة نوعية في النزاع المستمر في البلد الفقير، الذي يسيطر فيه الحوثيون على أجزاء واسعة ويخوضون حربا ضد الحكومة المعترف بها دوليا. إلا أن مدتها القصيرة (شهران) ليست جديرة بالاهتمام، مع أن الخبراء رأوا فيها خطوة أوسع نحو تسوية سلمية للنزاع.
وتم تجديد الهدنة مرتين وانتهت في 2 تشرين الأول/ أكتوبر حيث استأنف الحوثيون هجماتهم المتقطعة على البنى التحتية اليمنية. ومن غير الواضح إن كانت فترة الراحة الهشة من النزاع الأوسع ستستمر.
وبالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن، تظل الحرب في اليمن إرثا مأساويا وحربا بلا نهاية. فعندما وصل إلى البيت الأبيض لم يخف بايدن رغبته في فك ارتباط بلاده بها، معربا في الوقت نفسه عن مواصلة دعم التسوية السلمية لحرب كانت في سنتها السابعة.
وجاءت استراتيجية الإدارة الجديدة نتاجا لحالة ندم نظرا لأن عددا من المسؤولين فيها عملوا سابقا في إدارة باراك أوباما، مثل أنطوني بلينكن وجيك سوليفان، إذ وافقت تلك الإدارة عام 2015 على توفير الدعم العسكري للسعودية والإمارات في الحرب ضد الحوثيين.
وفي عام 2018، قام عدد من المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم بومبر المشارك في هذا المقال بنشر بيان عام اعترفوا فيه بالثمن الرهيب للحرب على الشعب اليمني، وأكدوا أن الولايات المتحدة لم تكن تريد منح التحالف الذي تقوده السعودية “شيكا على بياض”.
وفي عام 2021، كرر بومبر إلى جانب روبرت مالي، الذي يعمل حاليا كمبعوث امريكي إلى إيران، في مقال نشرته دورية “فورين أفيرز”، التأكيدات ووضعا فيه خريطة طريق لإنهاء الحرب يمكن للإدارة تطبيقها.
ويقول الكاتبان إنه صحيح أن الإدارة تحركت سريعا لوقف الدعم العسكري للتحالف وشجعت على حل دبلوماسي إلا أن فترة التوقف في الهدنة تعطي صورة عن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة والحلفاء لوقف الحرب.
ولا يوجد هناك مسار واضح لوقف الحرب علاوة على واحد تستطيع واشنطن المضي به. ومهما كان الأثر الذي تركته جهود إدارة بايدن، إلا أن الولايات المتحدة تواجه مرحلة يتلاشى فيها تأثيرها على ما يمكن للإمارات والسعودية عمله، كما أنه لا يوجد لديها أي تأثير لجلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات.
تواجه الولايات المتحدة مرحلة يتلاشى فيها تأثيرها على ما يمكن للإمارات والسعودية عمله، كما أنه لا يوجد لديها أي تأثير لجلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات
وهناك أسباب أخلاقية وإنسانية تجعل الولايات المتحدة منخرطة في المسألة اليمنية، حتى بدون أن يكون لديها خيار أو مسار للحل، ذلك أن انخراطها الدبلوماسي مهم ويترك أثره. فالدبلوماسيون الأمريكيون يستطيعون فتح الأبواب للحكومات الخليجية التي تعد مغلقة على أطراف ويمكنهم دفع عجلة الدبلوماسية.
وعندما يحين الوقت لحل هذا النزاع المتعدد الأوجه، فلدى واشنطن القدرة على الدفع لنقاشات تسوية، ليس بين الطرفين الرئيسين بل والجماعات الصغيرة الأخرى التي لها مصلحة وتريد دورا في مستقبل البلاد. وفي نفس الوقت على الولايات المتحدة التعلم من مغامراتها الفاشلة في اليمن بطريقة تمكن صناع القرار من وضع حمايات يمكن أن توجه البلد بعيدا عن المساهمة في كوارث مستقبلية. فعندما وصلت إدارة بايدن للحكم دعمت خطة السلام القائمة على أربع نقاط وكان المبعوث الأممي في حينه مارتن غريفيثس يعمل عليها في عام 2020. وبحسب الخطة يجب توافق الأطراف المتحاربة أولا على فتح مطار صنعاء ورفع الحصار عن الملاحة البحرية في ميناء الحديدة، وبعد ذلك الموافقة على وقف إطلاق للنار عام ومن ثم مواصلة الحوار السياسي.
وكانت الأمم المتحدة وأمريكا تأملان من هذه النقاط بتخفيف المعاناة الإنسانية ووقف الحرب بطريقة تسمح باستئناف المفاوضات السياسية.
ورأت السعودية والإمارات القلقتان من المكاسب التي حققها الحوثيون إلى جانب وقف إدارة بايدن دعمها للمساعدات الهجومية، في نقاط غريفيثس منطقا. ولم تكن الحكومة اليمنية لعبد ربه منصور هادي راغبة بالخطة، إلا أن دعم السعوديين لها تركها بدون خيارات إلا الموافقة. ولم ير الحوثيون في الخطة منفعة لهم، فقد كانوا يقتربون من هزيمة قوات هادي في مأرب، آخر معاقل الحكومة في الشمال ومركز إنتاج النفط، ولهذا رأوا أن ساحة المعركة أفيد لهم من المفاوضات.
لكن الحوثيين غيروا مواقفهم بعدما تراجعت الحملة العسكرية في مأرب وشهدت جهودهم في شبوة، جنوب البلاد، هزائم، ذلك أن الإمارات اعتبرت الهجوم على حلفائها في الجنوب خطا أحمر تم تجاوزه. وتنفي أبو ظبي لعب دور في تعبئة القوى الجنوبية ضد الحوثيين. ورد الحوثيون بإطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه الإمارات والسعودية، وأدى إلى رد من التحالف بقصف مواقع الحوثيين.
ونظرا لحالة الانسداد التي تبعت المواجهات هذه، فقد استطاع خليفة غريفيثس هانس غروندبرغ جلب الأطراف للتفاوض الذي انتهى بهدنة نيسان/ أبريل. ويخشى بعض المراقبين من أن تعطي فترة انتهاء الهدنة وعدم تجديدها الأطراف المتحاربة الفرصة لإعادة تنظيم صفوفهم والتزود بالعتاد من أجل الجولة المقبلة، إلا أن الهدنة التي استمرت عدة أشهر منحت السكان المحاصرين فرصة للراحة وأوقفت الهجمات الحوثية ضد السعودية والإمارات. ورغم انتهاء مدتها إلا أن الأطراف لم تعد للحرب الشاملة.
وترافقت مع الهدنة سلسلة من الخطوات الواعدة، فقد أعلنت الأمم المتحدة عن ثلاثة إجراءات لبناء الجسور نحو المرحلة المقبلة من المفاوضات، فمن جهتها ستقوم الحكومة بتخفيف القيود على الملاحة في ميناء الحديدة والرحلات التجارية الجوية من صنعاء. ومن جانبهم، على الحوثيين تخفيف الحصار على تعز، ثالث أكبر المدن اليمنية والمركز التجاري، الذي يربط شمال اليمن بجنوبه.
وبعد الإعلان عن الهدنة قرر هادي الذي نُظر إليه كعقبة للمفاوضات عن تسليمه السلطة لمجلس رئاسي (ربما وافق بناء على طلب سعودي)، ومضت هذه الجهود خطوات لوضع أساس ما يمكن أن يكون عملية سلام معقولة.
ويرى الكاتبان أن الدبلوماسية الأمريكية لم تكن سببا في هدنة الربيع بل جاءت نتيجة لحالة الانسداد في أفق الحرب. وعلينا في الوقت نفسه ألا نستبعد الدور الأمريكي في المساعدة عليه، فقد قضت الولايات المتحدة سنوات طويلة وهي ترسل إشارات تظهر انفصامها عن شركائها الخليجيين في موضوع اليمن. ففي عام 2018 ضغطت الولايات المتحدة على الرياض وأبوظبي لوقف عملية عسكرية ضد الحوثيين في ميناء الحديدة ما أثار إحباطهم وأغضبهم الرد الصامت على ضربات أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها واستهدفت المنشآت النفطية السعودية في إبقيق عام 2019.
وأدى قرار بايدن وقف الدعم في أنواع من الأسلحة للتأثير على قدرة التحالف وخطط عملياته. ونظرا للقلق مما رأه البلدان حول الدعم الأمريكي، بدءا في منتصف عام 2021 بفتح قنوات سرية مع طهران والبحث عن طرق لوقف الحرب.
وتوجت دبلوماسية إدارة بايدن التي تقوم على تواجد في الميدان بتطورات الربيع الماضي التي لم تكن لتحدث بدون الدعم الامريكي القوي، ورغم الدور الذي لعبته دول في المنطقة إلا أن المشاركة الأمريكية كانت مهمة لهدنة الربيع. ولسوء الحظ، فالتقدم الذي تحقق في الربيع والصيف توقف في الأشهر الماضية، فرغم ما قامت به السعودية من تقدم- عطلته- من ناحية تخفيف القيود على حركة الملاحة البحرية في الحديدة ومطار صنعاء إلا أن الحوثيين رفضوا تقديم تنازلات واعتبروا الهدنة تنازلا في حد ذاتها. والأهم من كل هذا فقد فشلوا برفع الحصار عن تعز. وزاد الحوثيون من مطالبهم عندما أكدوا على ضرورة دفع الحكومة رواتب المقاتلين الحوثيين من موارد النفط، وهو مطلب غريب قد يكون الهدف منه وقف التفاوض أو إهانة الحكومة والتحالف السعودي.
ورغم كل هذا فقد واصل الطرفان تبادل المقترحات من خلال الوسطاء وتجنبا تصعيد الحرب. إلا أن وتيرة المواجهات زادت من الحوثيين ضد البنى التحتية ولو تصاعدت الحرب وتوسعت، فلا أحد يعرف ما يمكن لدول المنطقة فعله للرد عليهم. وبالتأكيد فلن يكون لواشنطن النفوذ الكبير، وبدت الفجوة في استراتيجية الإدارة تجاه اليمن عام 2021 بغياب التأثير على الحوثيين الذين باتوا يعرقلون التقدم. وهناك من يقترح إعادة تصنيف الحوثيين كحركة إرهابية ثم استخدامه كورقة ضغط للحصول على تنازلات من أجل شطبه، مع أن الكثير من الخبراء قللوا من أثره. ومرة أخرى فإعادة التصنيف سيزيد من الضغوط على المنظمات الإنسانية ووصول المساعدات للمحتاجين. وهناك من يقترح قيام الكونغرس والبيت الأبيض بالحد من مبيعات السلاح للسعوديين. ورغم استخدام الولايات المتحدة تأثيرها على الرياض وأبوظبي بشكل جيد، إلا أن قوتها في تراجع، لأنها حدت من الأسلحة التي يمكن أن تستخدم في الحملة الجوية السعودية. وعلى أية حال فالرياض وأبوظبي مستعدتان لأي سيناريو يعود فيه الحوثيون لضرب مأرب أو شبوه ومواصلة القتال بعيدا عما تقوله أو لا تقوله واشنطن.
ويجب أن لا يكون التحالف السعودي والحوثيون هم أصحاب الكلمة الأخيرة في التسوية السياسية، فهناك قوى أخرى لديها مصلحة بالحل، كما أن المجلس الرئاسي يمثل قوى وإن كانت هشة ضد الحوثيين، وكل لديه مصالحه الخاصة ورؤيته حول كيفية إنهاء النزاع، وأكثر من هذا فلا بد من شمل الجماعات الضعيفة وغير الممثلة مثل منظمات المرأة والمجتمع المدني التي تقوم بالتوسط مع السلطات المحلية. وبدون هذا، وحتى لو قرر السعوديون والإماراتيون التخلي عن الحل السياسي والعسكري، سيواجه الحوثيون مقاومة شرسة من عدة قوى تريد الدفاع عن مناطق سيطرتها.
على واشنطن التعلم من مغامرتها الفاشلة في اليمن، فإلى جانب إطالة أمد الحرب وزيادة معاناة السكان بسبب دعمها للتحالف، زادت من تعميق علاقة الحوثيين مع إيران وتطورت قدراتهم العسكرية
بالطبع لن تجبر الدبلوماسية الأمريكية القوى المتباينة في اليمن على التوافق، لكن دورها مهم، والأمم المتحدة التي تعمل في اليمن بحاجة للدور الأمريكي كي تحث وتدفع القوى المتعددة للتفاوض وكذا حشد القوى الدولية التي لها مصلحة بالحرب لكي تستطيع، يوما ما، التوصل إلى إطار شامل للحل. وعلى الولايات المتحدة التعلم من مغامرتها الفاشلة في اليمن، فإلى جانب إطالة أمد الحرب وزيادة معاناة السكان بسبب دعمها للتحالف، فقد زادت من تعميق علاقة الحوثيين مع إيران وتطورت قدراتهم العسكرية وأصبحوا قادرين على ضرب دول الجوار.
وهناك نقطة مهمة تتعلق بالجانب القانوني للحرب وعلاقة الجانب التشريعي والتنفيذي، إذ أصبح الجانب التنفيذي مسؤولا ولعقود عن شن الحروب بدون مصادقة من الجانب التشريعي، وهو الكونغرس. فقانون سلطات الحرب لعام 1973 والذي مرر بعد حرب فيتنام وكان المقصود منه عكس هذه الميول لم يعد مناسبا. ولا بد من إعادة دور الكونغرس الدستوري من خلال قانون متقدم وبقيود كيفية ومتى يشرع فيها الكونغرس الحرب أو يعيد المصادقة على مشاركة الولايات المتحدة في نزاعات أجنبية.
“القدس العربي”