تتفاقم المأساة الإنسانية وتتسع فجوة الاحتياجات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، شمال غربي سوريا مع دخول المنطقة أزمة إنسانية غير مسبوقة، وصفت بأنها “أسوأ كارثة من صنع الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية” لاسيما في ظل استمرار قوات النظامين السوري والروسي، في تهديد مقومات الأمن الغذائي ومصادر عيش السوريين وملاحقتهم حتى في ملاذهم الأخير ضمن مخيمات النزوح، وتحويلهما ملف المساعدات الإنسانية لورقة مساومة على حياة السوريين، خاصة أن آلية التفويض الخاصة بإدخال هذه المساعدات عبر الحدود ستنتهي وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2642 /2022 بعد أقل من شهر، وذلك في ذروة الاحتياجات الإنسانية للنازحين.
وفي محاولة من النظام السوري، لتحميل المجتمع الدولي مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية، وجه وزير خارجية النظام فيصل المقداد، رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيسة مجلس الأمن لشهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، الهندية روشيرا كامبوج، أعلن فيهما رفض النظام تمديد قرار مجلس الأمن 2642 الخاص بإدخال المساعدات عبر الحدود.
النظام: إجراءات غير الشرعية
وبحسب وسائل إعلام النظام الرسمية، فإن النظام السوري اعتبر قرار مجلس الأمن يصب في إطار “الانتهاكات والإجراءات غير الشرعية التي تحدّ من فعالية أي جهود تهدف إلى تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية”. وتعيش البلاد نزاعاً مسلحا منذ 11 عاماً، إذ خلًفت الحرب التي يشنها النظام السوري ضد شعبه، 13,4 مليون من السوريين المحتاجين، 12,4 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي، 6,7 مليون مصنفون بأنهم نازحون داخلياً و5,6 مليون من اللاجئين.
وبعد عقد من هذه المعاناة، لا يزال استمرار إدخال المساعدات عبر الحدود بتنسيق الأمم المتحدة إلى سوريا يمثل شريان حياة حيوياً لا غنى عنه ولا يمكن الاستعاضة عنه للسكان في شمال غربي سوريا.
وفي هذا الإطار اعتبر مدير منظمة “منسقو استجابة سوريا” د.محمد حلاج لـ”القدس العربي” أن إيقاف دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود سيحد من قدرة المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة على التعامل مع الوضع الإنساني الحالي، ويفتح المجال أمام احتمالات ومآلات كثيرة قد تواجه المنطقة، وخاصةً مع الإصرار الروسي على إيقاف الآلية الحالية المعمول بها منذ عام 2014.
وأشار حلاج إلى بيان رسمي صدر عن “منظمة منسقو استجابة سوريا” الجمعة، قارن بين المساعدات الإنسانية الواردة عبر الحدود، والمساعدات القادمة عبر خطوط التماس، حيث اعتبر البيان أنه لا يمكن “مقارنة دخول المساعدات الإنسانية عبر الطرق المعتمدة وفق قرار مجلس الأمن الدولي، بل يمكن مقارنة حجم المساعدات بين الطرفين وفق الآتي:
– عدد الشاحنات الإغاثية الواردة عبر خطوط التماس منذ بداية القرار هو 64 شاحنة وفق أربع دفعات تتجاوز المدة الزمنية بين كل دفعة واخرى أكثر من شهر.
– عدد الشاحنات الإغاثية الواردة عبر الحدود منذ بداية القرار هو 8,275 شاحنة حتى الآن.
– تشكل نسبة المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس 0.77 % من إجمالي المساعدات في حين تبلغ نسبتها عبر الحدود 99.23%.
* طبيعة المساعدات الإنسانية الواردة عبر طرفي القرار: يمكن أن تقارن أيضاً وفق المعطيات الموجودة:
– المساعدات الواردة عبر الخطوط هي مساعدات غذائية بالمجمل وبعض المساعدات الاخرى بشكل محدود.
– المساعدات الواردة عبر الحدود تضم بحسب الشاحنات 73% من المساعدات الغذائية إضافة إلى 2.5% مساعدات طبية و12% مساعدات خاصة بالمخيمات و 5 % مساعدات تخص النظافة و 3.5% تخص مشاريع المياه والإصحاح و 4% لباقي المشاريع المعمول بها في المنطقة”.
وأكدت المنظمة في بيانها، أن المنطقة غير قادرة على تحمل أعباء توقف دخول المساعدات أكثر من شهرين، بعد توقف مفعول القرار الأممي الحالي وتحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون انقطاع أو تعطيل من قبل روسيا.
ملف إنساني حساس
وعلى الرغم من أن الاستجابة الإنسانية في المنطقة مقارنة بحجم الاحتياجات الشاملة لا تقارن بنسبة 33 % من إجمالي المساعدات الواردة الا أن المساعدات الإنسانية عبر الحدود كفيلة وفق المصدر، بمنع روسيا من التحكم بالملف الإنساني السوري، وتحويله إلى قضية سياسية يتم التفاوض عليها، كما تمنع آلية التفويض من تحكم النظام السوري بالمساعدات الإنسانية وطرق إيصالها إلى المنطقة، فضلا عن منع آلية التفويض مليات السرقات والنهب التي تقوم بها قوات النظام السوري وباقي مؤسساته والمنظمات العاملة معه (الهلال الأحمر السوري، منظمات محلية..) وفق المصدر.
واعتبرت المنظمة في بيانها، أن آلية التفويض تمنع النظام السوري من سحب أجزاء كبيرة من المساعدات لبيعها في السوق المحلية والاستفادة منها مادياً، إضافة إلى سحب جزء من تلك المساعدات لتمويل وامداد قوات النظام السوري على محاور التماس، كما أنها تحد من حدوث انهيار اقتصادي في شمال غرب سوريا، وتساهم إلى حد كبير في انتشار المجاعة في المنطقة.
وخلال عقد من المعاناة، وثقت هيئات الأمم المتحدة كيف أعاق النظام السوري وحلفاؤه على مدار النزاع بشكل ممنهج وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين المحتاجين، وغالباً ما استخدموها كجزء من تكتيكات “حرب الحصار” ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وللتربح منها بلا رحمة.
جهود لإنهاء الابتزاز الروسي
عضو مجلس إدارة المنتدى السوري المحامي ياسر تبارة، تحدث عن دارسة حديثة وجهود مكثفة من قبل حقوقيين وخبراء سوريين صدرت عن مركز “التحالف الإغاثي الأمريكي من أجل سورية ARCS” توصلت إلى أن آلية توصيل المساعدات عبر الحدود من خلال الأمم المتحدة، لا تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن وإنما يجب أن يكون مسموحاً بها دون مرجعية للمجلس”.
وقال تبارة في تصريح لـ “القدس العربي”: نحن كجهات سورية، تعمل في الشأن الإنساني السوري، قررنا أن نأخذ هذا الأمر على عاتقنا ونجيب على الأسئلة القانونية بشكل جازم، لنعري النقاش السياسي في مجلس الأمن، مضيفاً أن “الجهود التي وضعت حول الدراسة هي جهود سورية وبتمويل سوري” لافتاً إلى أن الدراسة لن تحل الإشكالية الدولية التي تهدد بإيقاف هذه الآلية، وهي مواجهة احتمالية الفيتو الروسي في مجلس الأمن على قرار تمديد آلية المساعدات ولكن على الأقل “أردنا وضعها أمام الدول والأطراف التي تضغط في الأمم المتحدة باتجاه استمرار المساعدات، من أجل استخدامها كأداة في سبيل إنهاء الابتزاز الروسي ضمن هذه العملية”. ووصف المحامي السوري، الأسابيع المقبلة، بأنها أسابيع حاسمة، ولا بد من “تكثيف جهودنا كسوريين ومستثمرين في الحملة المناصرة الكبيرة للضغط قدر الإمكان على الأطراف المعنية للوصول إلى السماح بتمديد قرار مجلس الأمن في آلية الأمم المتحدة لتمرير المساعدات عبر الحدود في سوريا، أو للإقرار بشكل رسمي أننا لا نحتاج كمجتمع دولي لقرار مجلس الأمن، أو بدونه، وعملياً هذا ينهي الابتزاز الروسي المتواصل منذ مدة طويلة”.
واعتبرت الدراسة أن إعاقة النظام السوري وصول المساعدات الإنسانية، أدت إلى اتخاذ مجلس الأمن الدولي في 14 تموز/ يوليو 2014 خطوات لتعزيز الأساس القانوني لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا وذلك بتبني القرار 2165 (2014) بالإجماع، والذي سمح بإيصال المساعدات عبر الحدود من خلال أربعة معابر حدودية: اثنان على الحدود التركية (باب السلام وباب الهوى)، وواحد على الحدود مع العراق (اليعربية) وواحد على الحدود مع الأردن (الرمثا).
“القدس العربي”