حين يوقّع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على قانون مكافحة تجارة المخدرات الخاصة بالنظام السوري، نستطيع أن نقول إن “قانون قيصر” جديداً، أبصر النور. وإن مفاعيل مشابهة لـ “قيصر”، ستنعكس على النظام، وعلى السوريين، في آن. وإن كانت شدة تلك المفاعيل، ستتوقف على إرادة صانعي القرار بالبيت الأبيض.
فالقانون الذي مُرر قبل أيام، من جانب الكونغرس الأمريكي، ضمن موازنة دفاع العام 2023، أرسى أساساً تشريعياً مُلزماً للإدارات الأمريكية، يقضي بالتضييق على نظام الأسد. لكن العِبرة تبقى في التنفيذ. وكما أن “قيصر”، خفت وطأته، مع وصول بايدن إلى السلطة في واشنطن، فإن درجة الضغط المتولدة عن القانون الجديد، سترتبط أيضاً، باعتبارات سياسية خاضعة لإرادة السلطة التنفيذية بالعاصمة الأمريكية.
ما سبق، لا ينفي أن النظام السوري يواجه تهديداً جدياً لأبرز مصدر دخل له. ونحن هنا، نتحدث عن عوائد تجاوزت الـ 5 مليارات دولار، خلال العام الفائت. لكن في الوقت نفسه، من المبالغة القول إن القانون الأمريكي الجديد قد يؤسس لتفكيك بنية النظام. فالأخير سيبحث عن سبل للتكيّف. إحداها، تغيير الواجهات والأدوات. كما حدث مع تغيير واجهات قطاع الأعمال، خلال العقد الفائت، بعد أن طالتهم العقوبات. وقد تكون الأنباء المتداولة مؤخراً عن اعتقال مرعي الرمثان، أبرز مهربي المخدرات من الجنوب السوري إلى الأردن -إن صحّت-، نموذجاً لإحدى استراتيجيات التكيّف التي سيعتمدها النظام في الفترة القادمة، بغية إقناع دول متضررة من مخدراته، أنه يعمل على لجم تجارتها.
وسنحتاج إلى ستة أشهر، لتقييم المسارات التي سيتخذها صراع النظام من أجل البقاء، حالما تتضح معالم الاستراتيجية التنفيذية للقانون الأمريكي الجديد. ففي حال ركزت تلك الاستراتيجية على تعزيز إجراءات رقابة الحدود مع الأردن والعراق، كما هو متوقع، فإن ذلك يعني أن على “دولة المخدرات” التابعة للنظام، أن تزيد كميات الإنتاج غير المُكلف، ومحاولات التهريب. هذا التضييق، لن يؤدي إلى توقف إنتاج المخدرات في سوريا، أو انهيار نشاط التهريب النابع من أراضيها. لكنه سينعكس تراجعاً في الموارد المالية المتأتية من هذا النشاط. وهو ما سينعكس بدوره، على إيرادات رموز النظام وواجهاتهم، وفي الوقت نفسه، سينعكس على قطاعات من الاقتصاد السوري.
وكما عكَس النظام، بصورة مقصودة في حالات، أو غير مقصودة في حالات أخرى، جانباً كبيراً من عبء “قانون قيصر” -الذي استهدف رموزه وواجهاته- على السوريين، من المتوقع أن يحدث المثل، مع دخول القانون الجديد حيز التنفيذ. ومن أول الانعكاسات، المزيد من شح القطع الأجنبي. إذ من المعلوم، أن تجارة المخدرات في سوريا، من أبرز مصادر العملة الصعبة. هذا القطع الأجنبي، رغم أنه في معظمه، يتحول لصالح رموز النظام وواجهاته، إلا أن جانباً منه يُضخ في الاقتصاد السوري، على شكل استثمارات، أو إنفاق. أي أن جانباً من تلك العملة الصعبة، يتحول إلى ليرة سورية. هذه الكمية ستتقلص، مما سينعكس على سعر صرف الليرة، نحو المزيد من الانهيار.
لكن آثار القانون قد تذهب إلى أبعد من ذلك. إذ قد تزداد قائمة المحظور استيراده من المواد الأولية اللازمة في الصناعات الدوائية السورية، نظراً لتداخلها مع صناعة أصناف من المخدرات. مما سينعكس سلباً على هذه الصناعة، التي تحاول النهوض من ركام آثار الحرب في العشرية الفائتة، بصعوبة. وسينعكس التغلغل الإيراني في هذا القطاع الصناعي، بالتحديد، على نظرة المحللين الأمريكيين الذين سيضعون استراتيجيات تنفيذ القانون الجديد. وذلك رغم أن المواد الأولية لصناعة الكبتاغون في سوريا، لا تأتي استيراداً ضمن قوائم المستوردات ذات الغرض الطبي. بل تأتي أساساً من إيران، عبر العراق، وتدخل الأراضي السورية من معبر البوكمال، أو من معابر غير شرعية تديرها الميليشيات الإيرانية، على الحدود العراقية.
وهناك ضرر أخطر، قد يطاول الاقتصاد السوري. إذ قد يذهب الأمريكيون باتجاه التضييق أكثر على حركة نقل البضائع من وإلى الموانئ السورية. فتلك الموانئ -وتحديداً، ميناء اللاذقية، الذي تديره الفرقة الرابعة- هي المصدر الأبرز لشحنات المخدرات “السورية”. ونذكر في هذا السياق، شحنة الكبتاغون الضخمة التي ضُبطت في اليونان، عام 2018، على سفينة “سورية”، قادمة من ميناء اللاذقية. وذلك قبل أن تضبط السلطات الإيطالية أكبر كمية كبتاغون في التاريخ، عام 2020، في ميناءٍ قرب نابولي، على متن ثلاث سفن شحن قادمة من سوريا. وكنتيجة لرفع درجة التضييق على حركة الشحن، من وإلى الموانئ السورية، سيزداد شِح السلع الأساسية بالأسواق السورية، مما سيزيد من تدهور الوضع المعيشي، أكثر وأكثر.
وهكذا نجد أن معظم المسارات المرتقبة لتنفيذ القانون الأمريكي الجديد، ستنعكس سلباً على السوريين الرهائن تحت سيطرة نظام الأسد، رغم أن غرض القانون الأساسي هو النيل من مصالح رموز النظام. ذلك لأن تجارة المخدرات، خيار استراتيجي لنظام الأسد. وقد أصاب معهد “نيو لاينز” الأمريكي، في نيسان/أبريل الفائت، حينما وصّف الأمر، بأنه وسيلة بقاء سياسية واقتصادية، للنظام، بعد انعدام مصادر الدخل الأخرى خلال العشرية الفائتة. لذا، لا خيار آخر للنظام، سوى البحث عن سبل للتحايل والالتفاف على آليات تنفيذ القانون الجديد، كما فعل على مدى عقود، حيال العقوبات الغربية ضده.
“المدن”