خرج العشرات من أهالي مدينة السويداء جنوب سوريا،أمس الاثنين، في وقفة احتجاجية في ساحة السير وسط المدينة، للتأكيد على استمرارية حراكهم ضد النظام السوري والواقع المتردي أمنياً واقتصادياً في المدينة والمدن السورية عمومًا، مطالبين بتطبيق القرار الأممي 2254، الذي يدعو إلى الحل السياسي، مؤكدين على ضرورة التغيير السياسي، وإطلاق سراح المعتقلين، حيث وجه المحتجون دعوات لاستئناف الاعتصامات السلمية، والتأكيد على وحدة الشعب السوري.
ومنذ مطلع الشهر الجاري، تشهد مدينة السويداء حراكًا احتجاجيًا، يتزامن مع التدهور الحاد للأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث بدأ الحراك بمظاهرة في الرابع من كانون الأول/ديسمبر، تطورت لأحداث عنف واقتحام لمبنى المحافظة، وردت قوى الأمن بالرصاص مما أدى لسقوط ضحايا. ولم يثن الردّ القمعي الأهالي المستائين عن الاستمرار بالاحتجاج، بل كان دافعاً لتنظيم الحراك، والتمسك بسلميته.
«هنا السويداء.. هنا سوريا»
وقال المتحدث باسم شبكة أخبار “السويداء 24” الإخبارية المحلية، ريان معروف لـ “القدس العربي” إن العشرات من أهالي المدينة نظموا اعتصاماً تحت شعار “هنا السويداء.. هنا سوريا”، في ساحة السير “الكرامة” وسط المدينة، رافعين شعارات طالبوا خلالها بتطبيق القرار الأممي 2254، وإطلاق سراح المعتقلين، مؤكدين على وحدة الشعب السوري. وقال معروف “يرفع المحتجون شعارات تطالب بحل سياسي على مستوى سوريا، يبدأ بالتغيير السياسي الذي يعتقد المحتجون أنه الخيار الوحيد الذي يمكن أن يكون الطريق في اتجاه تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد”.
وحول مساعي التهدئة لاستيعاب التوتر في المحافظة، قال معروف “لا توجد مفاوضات مباشرة مع النظام السوري، فالحراك ليس محدوداً بمطالب ضيقة تخص السويداء” لافتاً إلى وجود سلسلة من اللقاءات الرامية للتهدئة “بين ممثلين عن الاحتجاجات وممثلين عن النظام، مثل أعضاء مجلس الشعب أو أعضاء مجلس المحافظة، لكن هذه الاجتماعات لا تأخذ شكل مفاوضات” وفق المتحدث.
وحملت اللافتات شعارات طالبت بالتغيير السياسي وإطلاق سراح المعتقلين، كان أبرزها “أنا أمثل الشعب الفقير” و”انقذوا أطفالنا من الجوع والمخدرات” و”هنا السويداء.. هنا سوريا” و”الاستقلال حق مقدس” و”نطالب بخروج كل الاحتلالات”.
ووفقاً للمصدر، فإن المحتجين استأنفوا اعتصامهم في ساحة الكرامة، وسط دعوات من قبل ناشطي المحافظة، لتكرار الاعتصامات كل أسبوع، حتى تحقيق مطالبهم بالتغيير السياسي، وحل الأزمات الأمنية والاقتصادية والخدمية، وذلك للتأكيد على مشروعية هذه المطالب.
ونقل المتحدث عن أحد منظمي الحراك قوله، قوله إن الوقفة الاحتجاجية ستكون محددة الزمان والمكان، مع التأكيد على الحفاظ على طابعها الحضاري والسلمي، لإيصال معاناة السوريين عموما وأبناء السويداء خصوصا إلى العالم كلّه، لافتا إلى أن “الدعوة مستمرة ومفتوحة لكل أطياف المجتمع وقواه وهيئاته”.
وفي الرابع من الشهر الجاري، اقتحم المئات من المتظاهرين الغاضبين والناقمين على النظام السوري، مبنى محافظة السويداء، وأحرقوه بالكامل من الداخل ومزقوا صور بشار الأسد وأحرقوا سيارة للشرطة، كما اشتبكوا مع الشرطة، مرددين هتافات تطالب بإسقاط نظام بشار الأسد في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور الوضع المعيشي.
ويتهم المحتجون أجهزة النظام الأمنية “بدعم الإرهاب” في المحافظة، وتقديم التسهيلات لتنظيم الدولة للتوغل في المحافظة، متقدمين بجملة من المطالب وعلى رأسها، تحسين الواقع المعيشي وتأمين الوقود والكهرباء، وإلقاء القبض على من وصفوا بـ “الفاسدين”.
وشهد الأسبوع الفائت، خروج أهالي بلدة ملح في ريف السويداء الشرقي، في وقفة احتجاجية، رافعين شعارات تندد بتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، حيث طالب الأهالي بتأمين الحياة الكريمة.
الأسباب والتداعيات
واشتعلت موجة الاحتجاجات في مدينة السويداء، تعبيراً عن الغضب والسخط على سياسة النظام السوري الأمنية والاقتصادية، وتطورت من التظاهر إلى قطع الطرق الرئيسية لاسيما الذي يصل مركز المحافظة مع العاصمة دمشق. وحدد مركز جسور للدراسات الاستراتيجية جملة من الأسباب غير المباشرة التي ساهمت سابقا – وما تزال – في استمرار الاحتجاجات الشعبية في السويداء وعلى رأسها:
• تردِّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتراجُع مستوى الخدمات التي يُقدِّمها النظام، الذي ما يزال يتمسّك بأولوية فَرْض الأمن على حساب تقديم الخدمات وتحسين الظروف الاقتصادية.
• استمرار ضغوط روسيا والنظام لفَرْض التجنيد الإجباريّ على أبناء المحافظة؛ الذين يمتنع الآلاف منهم عن الالتحاق بقوات النظام؛ خوفاً من الزجّ بهم في مواجهة مع باقي مكوّنات الشعب. وآخِر تلك الضغوط محاولة تشكيل قوة عسكرية كبيرة من أبناء المحافظة المتخلِّفين عن الخدمة الإلزامية بقيادة نجل العميد عصام زهر الدين الذي قُتل في دير الزور سابقاً، رغم أنّ نطاق نشاطها هو في الجنوب السوري فقط.
• رفض محاولات روسيا وإيران المستمرة لتوسيع نفوذهما وحضورهما في السويداء.
ووفقاً للمصدر فإن استمرار أو توقُّف موجات الاحتجاجات يبدو مرتبطاً بعدد من العوامل من أبرزها استخدام الحلّ الأمني، على غرار موجة الاحتجاجات التي شهدتها السويداء منتصف عام 2020، حيث أدّت حملات الاعتقال والاحتجاز للمتظاهرين مع تقديم الوُعود بالاستجابة للمطالب لإنهائها.
“القدس العربي”