نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرا أعده مراسله في الخرطوم محمد أمين، حول جهود تلميع صورة الرجل الثاني في النظام السوداني، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) في الداخل والخارج.
فعندما اختارت اللجنة السودانية لحقوق الإنسان، حميدتي “رجل العام” المدافع عن حقوق الإنسان، عبّر الكثيرون عن دهشتهم من هذا الاختيار الغريب. وجزء من الدهشة، نابع من أن حميدتي هو قائد قوات الدعم السريع التي وُلدت من جماعات الجنجويد المعروفة بسمعتها السيئة في نزاع دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وتحت قيادته، لعبت قوات الدعم السريع دورا مهما في قمع المعتصمين أمام القيادة العام للجيش السوداني في حزيران/ يونيو 2021، وما تبع ذلك من قمع تظاهرات الداعمين للديمقراطية.
ولم تكن المفارقة خافية عن الكثيرين. لكن النقاد يعتقدون أن الجائزة هي المحاولة الأخيرة لتلميع صورة حميدتي وسمعته هذا العام، وهو يقوم بالإنفاق على هذا أموالا كبيرة. ولم تكن كل جهوده كافية لكسب قلوب وعقول الناس في الداخل والخارج، أو تسير حسب الخطة. ففي أثناء مباريات كأس العالم التي نُظمت في قطر، قام حميدتي، بفتح عدد من الأندية الكروية أمام الناس بشكل سمح لأبناء الأحياء المحرومة بمتابعة المباريات مجانا.
إلا أن تلك الأماكن ظلت فارغة، بعدما طالبت الجماعات الداعمة للديمقراطية بمقاطعة محاولات حميدتي التي جاءت لكسب الناس، وحذرت الحكومة من التدخل في الرياضة. كما فشلت المبادرات الأخرى فشلا ذريعا. ولو كان عام 2022 هو عام الحصول على الشرعية، فهناك الكثير يجب عمله في 2023.
وأضاف كاتب التقرير، أن مخيمات المشردين في دارفور، ضحايا النزاع المتهم حميدتي بلعب دور هام فيه، استقبلت اختيار زعيم الميليشيا السابق بعدم التصديق. وشجب المتحدث باسم مخيمات المشردين قرار اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان. وقال آدم ريغال: “هذا غش واضح وتزوير، كيف يمكن أن يتحول المنتهك لمدافع؟ هذه الجائزة مؤلمة لنا ولضحايا الحرب، فلا يزال الناس في المخيمات، أو يحاولون البحث عن ملجأ حول العالم”، ولا “تزال قوات الدعم قائمة، وهناك أربعة ملايين في المخيمات، وتقوم الميليشيات بمهاجمة المدنيين في المنطقة كل يوم، والوضع يزداد سوءا… ما فعلته اللجنة هو خيانة”.
ولاحظ مسعد محمد علي، الناشط البارز في حقوق الإنسان، ومدير المركز الأفريقي لأبحاث العدالة والسلام، أن المدافعين عن حقوق الإنسان بناء على القانون الدولي “هم الأفراد والجماعات الذين يقومون بدعم ويحاولون حماية وتحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية عبر الطرق السلمية”. و”بناء على هذا التعريف، فلا يمكن لحميدتي أن يكون مدافعا عن حقوق الإنسان، ببساطة لأنه رئيس دولة تنتهك حقوق الإنسان وشعبها بشكل يومي. وكرئيس للدولة وزعيم لقوات الدعم السريع، فقد شارك في جرائم منظمة ضد حقوق الإنسان، مثل القتل خارج القانون والتعذيب والاعتقال التعسفي للمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين”.
وقال محمد علي إن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ليست مستقلة ولا تتوفر فيها المعايير الدولية، “بعبارة واحدة: تفتقد اللجنة المصداقية”. وقال إن “مبادرة دقلو لمتابعة مباريات كأس العالم” قد فشلت. ففي الأحياء المحرومة حول الخرطوم ومناطق أخرى، فتحت قوات الدعم السريع نواديها البالغ عددها 200 تقريبا، ولديها خدمات تلفازية لمن يريد متابعة مباريات كرة القدم. ودعمت الحكومات المحلية ذات العلاقة القوية مع قوات الدعم السريع، والاتحاد الوطني السوداني لكرة القدم هذه المبادرة.
وقال المحلل الرياضي حسن فاروق، إن الكثيرين رأوا في حملة حميدتي “تدخلا في النشاطات الرياضية”، وهو أمر قد يؤدي إلى عقوبات من الفيفا. وأضاف: “نرى أن حميدتي يحاول استهداف الشباب وكسبهم إلى جانبه من خلال الأشياء الرخيصة. ولكن لن ينجح هذا، وقد يقود إلى عقوبات من الفيفا، لأنه يخرق استقلالية الكرة السودانية”. ويقول الموقع البريطاني، إن مبادرة الكرة هي واحدة من المبادرات التي قامت قوات الدعم السريع بتنفيذها، فقد افتتحت الميليشيا مدارس وعيادات في المناطق النائية، ودعمت مبادرات لتوفير المياه الصالحة للشرب، ووفرت الإمدادات الطبية والمعدات للمجتمعات التي عانت من الفيضان واللقاحات ضد كوفيد-19 ومعدات أخرى، ورعت مصالحات بين القبائل.
وفي الوقت الذي قدمت بعض المبادرات إغاثة للمحتاجين، إلا أن الصحافيين وقادة القبائل تحدثوا للموقع أنه عُرض عليهم مبالغ طائلة لدعم وترويج مبادرات قوات الدعم السريع، وقالوا إنهم رفضوا العروض. وعلى المستوى الخارجي، حاول حميدتي تلميع صورته من خلال دعم الجهود الأوروبية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وأقام قاعدة “شيفروليه” في الصحراء بين ليبيا والسودان لملاحقة من يريدون المرور إلى أوروبا. وحثّ حميدتي، الدول الأوروبية على الاعتراف بجهوده لمنع الهجرة غير الشرعية.
ومن خلال عملية الخرطوم بين الدول الأوروبية والدول الأفريقيةن حصل السودان على أموال لتمويل بناء القدرات لمواجهة الهجرة، ومن الملاحظ أن الاتحاد الأوروبي أجبر على أن تكون أمواله قد وصلت إلى قوات الدعم السريع. ويشير الموقع إلى أن محاولات حميدتي للحصول على ميزات في الداخل والخارج بدأت في عام 2019، ومنها شركة كندية اسمها “ديكنز أند مادسين” والتي يملكها الجاسوس الإسرائيلي السابق آري بن ميناحي، وتلقى 6 ملايين دولار للقيام بجهود نيابة عن زعيم الميليشيا. وقال مصدر مقرب من حميدتي، إنه حصل على دعم من ضباط في المخابرات الإماراتية واستعان بعدد من المستشارين السياسيين.
وفي الوقت نفسه، نشر حساب على فيسبوك، محتوى استهدف منافسي حميدتي المدنيين وتم إغلاقه. ولم تكشف “ميتا” عن اسم الشركة الروسية، إلا أن المنظمات مرتبطة بمجموعة فاغنر والتي تقيم علاقات مع قوات الدعم السريع، متهمة باستخدام نفس الأساليب. وكصاحب شركة التنقيب عن الذهب “الجنيد” والتي تعمل في منطقة النيل ودارفور وجنوب كردفان وبقية الولايات السودانية، فلدى حميدتي الكثير من المال لكي ينفقه. وتدعم شركة فاغنر المقربة من الكرملين، الجيش السوداني ويعتقد أنها تدفع مبالغ ضخمة لكي يكون لها منفذ على مناجم الذهب السوداني.
“القدس العربي”