لم يفلح المسجد في التهدئة من روع تلك الطفلة التي ترتجف على بابه بعد أن قذف بها الزلزال خارج بيتها. كانت تضع رأسها بين قدميها لكي تكور جسمها بطريقة تنجيه من قارس البرد.
وفي داخل المسجد تجاورت الطبقات في غرفة واقعة في القبو، فكنت ترى الريفيات بثيابهن المرزكشة والسيدات الحضريات بجلسة إحداهن التي لا تخلو من اعتداد مصطنع.
كان الأطفال جلوسًا على الأرض أو في أحضان أمهاتهن، وقد فتك بهم البرد الذي لم تفلح تدفئة المسجد الضعيفة في التخفيف من وطأته.
في حديقة المسجد صاحت السيدة العجوز من ألم الكلية الذي هيجه البرد، وصارت تناجي ربها قائلة: ما حكمتك في إبقائي حية، لماذا لم تترك الزلزال يجهز علي فيريحني؟
هرب الناس من قدر الله إلى بيت الله، ولكنهم بينما فرّوا من الموت هناك لم يجدوا هنا إلا تشبثًا يائسًا بشبه حياة.
كانت العجوز مدركة أنها تفرّ من قدره إلى بيته بوعي، فصارت تطلب منه في بيته أن يميتها غير آبهة بما ينتظرها بعد الموت التي توقن بأنه واقع.
ليست المقارنة ممكنة بين حياة تتلبسها بكل بؤسها، وبين وعيد تسمع عنه وتؤمن به، ولكنه آجل وتتضارب بشأنه الأقوال.
أثارت الكارثة بقسوتها وبعنصر المفاجأة فيها سؤالًا وجوديًا عن معنى الحياة فوق أرض تميد من تحت أقدام الناس بلا مقدمات، وعن معنى الانتقال من فوق هذه الأرض إلى جوفها، وعما يمكن أن يجري بعد هذه النقلة.
قالت لي طفلتي عندما توقفت الهزة الأولى، وهممت بالدخول إلى البيت لجلب غطاء يدفئها: ألا تخشى من الزلزال في البيت؟ ظنًا منها أنه وحش متربص في المنزل ينقضّ على من يدخله.
قلت لها: معي الله -يابنيتي- سيحميني، ولن يمنعني من جلب ما يحميك من البرد فهو -بلا شك- لا يقصد إيذاءك.
قالت لي بعد يومين وبعد أن علمت بموت أطفال من أقاربها:
ألم تقل لي إنه لا يقصد إيذائي، فكيف تفسر مقتل صديقاتي وقريباتي؟
لم يكن ممكنًا لأي شرح في مستوى عقلها أن يكون مقنعًا، فلم أحر جوابًا وفضلت الصمت.
ولكنني دعوتها وشقيقها إلى الصلاة معي في جماعة كما اعتدنا أن نفعل قبل الزلزال. استجاب كلاهما للدعوة، ولكنهما أديا الطقس بدون حماسهما المعتاد، وبدون أن يرفعا عقيرتهما بالتكبير كما كانا يفعلان سابقًا.