قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن السوريين في مناطق تسيطر عليها المعارضة شمالي البلاد، لم يتلقوا إلّا القليل من الدعم الإنساني بعد كارثة الزلزال.
وفي تقرير أعده جاريد ماسلين من معبر باب الهوى على الحدود مع تركيا، قال إن الرضيع غيث رجب، البالغ من العمر 3 أشهر، ويعانى من جرح خطير في الجمجمة جراء الزلزال، كان ممددا في حاضنة بغرفة عناية فائقة، وكان يتنفس باستخدام جهاز تنفسي آلي، ويبرز من رأسه أنبوب تصفية. وحول الطفل في مستشفى تديره جماعة أمريكية غير ربحية، عدة أطفال تلطخهم الدماء، ومضمدين بالشاش.
وقالت الصحيفة إن الأطباء في منطقة إدلب، يكافحون للتعامل مع ما وصفوه كارثة عارمة، وعدم القدرة للحصول على الدعم الخارجي بشكل سريع وكاف.
وشوهد المواطنون وهم يبحثون بين جبال من الأنقاض. وفي المعبر الحدودي بين تركيا وسوريا، كانت هناك شاحنات صغيرة محملة بأكياس الموتى والتوابيت الخشبية للسوريين الذين ماتوا في تركيا. وقال عامل الإغاثة، مصطفى حسن “إن الوضع مثل يوم القيامة”، مشيرا إلى أنه قاد سيارته وسط البرد إلى مستشفى منطقة حارم القريبة، وهناك شاهد الجثث فوق بعضها البعض على الأرض والأسرّة. ولم تكن البنى التحتية الهشة والمدمرة بسبب سنوات الحرب قادرة على التعامل مع الكارثة الجديدة.
ولم تصل أول قافلة تابعة للأمم المتحدة إلا بعد 4 أيام، حيث وصلت الشاحنات المحملة بالبطانيات والمخدات والخيام والدعم الآخر، وقطعت المعبر باتجاه مناطق سوريا.
وقال منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث يوم الأحد: “حتى الآن، لقد تخلينا عن سكان شمال- غرب سوريا.. يشعرون وهم محقون، بالإهمال ويتطلعون لدعم دولي لم يصلهم. واجبي وواجبنا هو تصحيح الفشل بشكل سريع بالقدر الذي نستطيع، وهو ما أركز عليه الآن”.
ونظرا للقصف المتواصل على المنطقة من الطيران الروسي ومدفعية النظام السوري، ولعدم توفر معبر للخروج ومرور المساعدات الإنسانية، فقد كانت المنطقة غير مستعدة أبدا للتعامل مع صدمة بهذا الحجم، وليس لديها المصادر الكافية للرد على الكارثة.
وتواجه المستشفيات مشاكل في استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى، بعد نزوح نحو مليون شخص جديد إلى منطقة إدلب، نتيجة حملة عسكرية قبل عامين، شنّتها قوات النظام السوري بدعم روسي.
وهنا كما في تركيا، خلفت الهزة دمارا واسعا بات يظهر للعيان الآن، ففي بلدة سرمدا بإدلب، كان عمال الإغاثة يحفرون بالمناشير الكهربائية والفؤوس في بقايا بناية، وحملوا ما تبقى من ألعاب الأطفال ودفاترهم المدرسية.
وقال عبد الكريم البلشي، الذي وقف على كومة من الأنقاض: “عاشت هنا 12 عائلة… مات عشرة أشخاص، ومات ابن أخي أيضا”.
وعلى خلاف تركيا، حيث تدفق عمال الإغاثة بالعشرات ومن دول أخرى، لم يصل إلى إدلب سوى فريقين صغيرين من إسبانيا ومصر للمساعدة. وفي الوقت الذي عمل فيه عمال الإنقاذ ليلا ونهارا وسط الأنقاض لانتشال الجثث والبحث عن الناجين، نظمت الأمم المتحدة قوافل مساعدات من تركيا، ووصلت إدلب بعد أربعة أيام. وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، إن التأخير كان بسبب تعطل الطرق في تركيا.
وزادت الكارثة من حس الإهمال والتجاهل لدى أهل إدلب، وأغلقت تركيا أبوابها منذ عدة سنوات أمام اللاجئين السوريين، وذلك بعد ضغوط من أوروبا والمواقف المعادية للمهاجرين في تركيا. ونقلت الصحيفة عن رائد صالح، مدير الخوذ البيضاء: “أدار العالم ظهره لشمال سوريا منذ مدة طويلة وليس الآن. ولو لم يدر العالم ظهره، لكان لدينا الآن رد على الهزة الأرضية”.
ويقول المحللون إن حكومة الأسد في دمشق حرمت مناطق المعارضة من المساعدات الإنسانية كجزء من استراتيجية زيادة حنق الناس على المتمردين. وأدت التهديدات الروسية في مجلس الأمن لمنع تدفق المساعدات الإنسانية، وتوجيهها إلى معبر باب الهوى فقط.
ولدى الخوذ البيضاء تجربة في إنقاذ الناس من تحت الأنقاض بسبب القصف السوري والروسي. وتحولت المجموعة إلى رمز دولي عن الأمل في وجه الوحشية وبشاعة الحرب الأهلية، ولدورها البطولي في إخراج عشرات الآلاف من تحت المباني المقصوفة. وأوقفت عمليات البحث عن الناجين في يوم السبت وركزت على استخراج الجثث.
وفي مقابلة بمقر الخوذ البيضاء، كان صالح غاضبا من قلة الرد الدولي. وقال: “لقد ارتكبت الأمم المتحدة اليوم جريمة هنا ويجب محاسبتها عليها”.
وعندما بدأت الأرض تهتز من تحت أقدامهم، بدأ عامل الإغاثة مصطفى بأخذ صورة سيلفي من أولاده لتخفيف خوفهم: “أنظروا هذه هزة أرضية”. ويعود حسن إلى بلدة الطبقة في شرق سوريا، ويمارس الرسم والخط العربي في أوقات الفراغ، وتشرد أكثر من مرة منذ بداية الحرب عام 2011، وهرب من هجمات الحكومة وتنظيم الدولة الإسلامية بعد سيطرته على معظم سوريا عام 2014، وترك هو وزوجته وأولاده السبعة البيت مرة ثانية وينامون في غرفة على الأرض في بناية قريبة. وهو إيجابي في نظرته، قائلا: “لو سقطت فإنك تأخذ الآخرين معك، وشعاري: كن قويا لتنقذ الضعاف”.
“القدس العربي”