كشف رائد الصالح مدير منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) معلومات صادمة عن حجم سرقة نظام بشار الأسد للمساعدات التي تدفقت عليه بسبب كارثة زلزال السادس من شباط/فبراير الذي ضرب تركيا وسوريا.
وقال في لقاء استضافته دار الأتاسي في إسطنبول بحضور نخبة من رجال الأعمال والصحافيين وناشطي المجتمع المدني إنه: “دخلت إلى مناطق النظام 119 طائرة هبطت في مطار دمشق، والعدد في ازدياد، عدا أموال التبرعات التي تدفقت عليه بحجة إعادة إعمار المناطق التي تضررت من الزلزال. الإمارات لوحدها أنشأت جسراً جوياً بين دبي ودمشق وأرسلت 34 طائرة… لكن بالطبع لم يصل شيء إلى المتضررين، فكلنا رأينا كيف تسرق وتباع هذه المساعدات على الأرصفة في دمشق وطرطوس وغيرها.. وللنظام تاريخ حافل في السرقة والاستهانة بمعاناة السوريين”.
استغلال للكارثة
وقال رائد الصالح إن نظام الأسد سعى لاستغلال للكارثة منذ اليوم الأول، من أجل إعادة تعويمه سياسياً، مشيرا إلى أن هناك دولا عربية تساعده في ذلك.
وحول المساعدات التي دخلت إلى الشمال السوري الذي تسيطر عليه المعارضة قال: “دخلت 60 شاحنة من الأمم المتحدة إلى الشمال السوري فقط، أي ما يعادل 2% فقط من المساعدات التي تدفقت على نظام الأسد، أما المساعدات الأكبر فجاءت من عشائر دير الزور والمنطقة الشرقية ومن إقليم كردستان العراق.. كما أن السعودية وقطر أدخلت مساعدات بشكل مباشر إلى مناطق الشمال، وتم توزيعها مباشرة على المتضررين”
وحول الدمار الهائل الذي شهدته حلب، قال رائد الصالح إن حلب الشرقية هي الأكثر تضرراً بسبب تعرضها لقصف النظام وروسيا على مدى السنوات الماضية ما جعل الأبنية هناك قابلة للسقوط جراء أي هزة صغيرة، فما بالك بزلزال بهذا الحجم، بينما بدا الضرر في حلب الغربية أقل بما لا يقاس.. كما تضررت – بشكل أقل من حلب – كل من اللاذقية وجبلة وحمص وحماه.. لكن فعليا أسوأ إدارة للأزمة يمكن أن تراها كان في حلب، وهناك إلى الآن أناس تحت الأنقاض، لم يكترث أحد بهم”.
وكشف مدير منظمة الخوذ البيضاء أنه التقى وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، وبلغه رسالة مفادها “أننا مستعدون لإرسال فريق من 100 عنصر من عناصر الدفاع المدني إلى حلب الخاضعة لسيطرة الميليشيات الإيرانية الحليفة للنظام، إذا كان يتعهد بضمان سلامتهم، ولكن لم تكن هناك استجابة”.
وحسب الأرقام التي نشرتها سلطات نظام الأسد فإن عدد قتلى الزلزال في مناطق سيطرته تجاوز الثلاثة آلاف وخمسمائة، وعدد المصابين والجرحى أكثر من خمسة عشر ألفاً، لكن المصادر تؤكد أن هناك الكثير من الضحايا الذين مازالوا تحت الأنقاض، في ظل الإدارة السيئة واللامسؤولة للكارثة. وعن عمل المنظمة في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة، والذي شهد دماراً كبيراً بسبب الزلزال، حيث كان مسرح تواجدها الأكبر، قال رائد الصالح: “استطعنا إنقاذ 2953 وهم على قيد الحياة، كما استطعنا انتشال 2037 جثة. والمرحلة الأولى وهي الأصعب قطعناها، وأنجزنا عملية البحث والإنقاذ. ولكن أبزر الصعوبات التي واجهتنا كانت نقص المعدات الثقيلة، حيث كنا نحتاج إلى تراكسات وجرافات بقيمة ثلاثة عشر مليون دولار.. ونسعى حالياً لتأمينها من خلال دعم بعض الدول… أما أكثر ما أثر بنا إلى جانب المشاهد المرعبة للدمار وكثرة الضحايا، أن بعض الضحايا الذين كانوا عالقين تحت الأنقاض كانوا يتلون علينا وصاياهم، ويحملوننا رسائلهم إلى أحبائهم.. ولولا تكاتف وتعاون السوريين الرائع في الشمال السوري لما استطعنا إنجاز مهمتنا وإنقاذ ما تمكنا من إنقاذه”.
وفقدت منظمة الخوذ البيضاء أربعة من عناصرها الذين كانوا من ضحايا الزلزال، أما العناصر الذين تولوا عمليات البحث والإنقاذ، فلم يصب أحد منهم بأذى، موضحاً أنهم تلقوا تدريباً جيداً على ذلك، ناهيك عن الملابس الواقية التي يرتدونها، فاللباس: “كلفته 800 دولار، والخوذ التي يرتديها كل واحد منهم، يمكن أن تقاوم سقوط كتلة فوق الرأس تصل زنتها إلى ما يقرب من ألف كيلو غرام، أما القفازات فهي واقية من صدمات الكهرباء وليس من الخدوش الناتجة عن الحفر في أنقاض المباني وحسب”.
مساعدة السوريين في تركيا
ورغم كون منظمة الخوذ البيضاء مرخصة في تركيا، ولديها مكاتب في غازي عينتاب والريحانية واسطنبول، وكانت هناك خطة لتدريب فريق من عناصر الخوذ البيضاء مع إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) ليكون مرخصاً لهم العمل في تركيا مع إدارة الكوارث، لكن وقوع الزلزال أجل المشروع إلى أجل غير مسمى.. وهذا ما دفع بالحكومة التركية لرفض مساعدة الخوذ البيضاء في عمليات الإنقاذ في الجنوب التركي، بعد إتمام عملهم في الشمال السوري، وحول ذلك يقول رائد الصالح:
“فقدت 20 شخصاً من أهلي تحت الأنقاض في أنطاكيا. لقد رفضت الحكومة التركية مساهمتنا في عملية الانقاذ بحجة الخوف من استغلال المعارضة لذلك. أعتقد أن هناك وضعا إنسانياً، وهذا الكلام لا يقال وقت الكوارث.. علما أننا مستعدون للمساعدة في كل ما يطلب منا، وقد أدخلت إلى تركيا بطلب من الأتراك ألف قطعة من الأكياس التي توضع بها الجثث، كانوا في حاجة إليها في الجنوب التركي”.
ولفت الصالح إلى أن السوريين في تركيا يحتاجون لكل أنواع المساعدة، بسبب ثقل حجم الكارثة على الدولة التركية وانصرافها إلى إغاثة مواطنيها وإيوائهم، وبسبب حجم الدمار الهائل الذي يتطلب إعادة إعمار مدن بأكملها، آملا أن يجد السوريون المتضررون في تركيا، من إخوتهم السوريين وخصوصاً التجار ورجال الأعمال والنخب الاقتصادية، التكافل الاجتماعي نفسه الذي وجده السوريون في الشمال المحرر، رغم فقر الناس هناك وقلة الموارد والإمكانات.
“القدس العربي”