- قليلون في العالم كانوا يتصورون أن يتمكن ممثل كوميدي صار رئيسا لأوكرانيا من الصمود في وجه الوحش الروسي الذي استخدم كل ما لديه من صواريخ وراجمات لإخضاع أوكرانيا وضمّ جزء من أراضيها.
من غيّر العالم في سنة واحدة؟ فلاديمير بوتين أم فولوديمير زيلينسكي؟
يصعب تعداد التغييرات التي شهدها العالم منذ قرر فلاديمير بوتين قيل سنة، يوم 24 شباط – فبراير 2022، اجتياح أوكرانيا. ربح بوتين الحرب قبل أن تبدأ عندما حشد قواته على طول الحدود الأوكرانيّة. كان يستطيع الحصول على ما يريده من أوكرانيا ومن الغرب عموما، خصوصا لجهة امتناع أوكرانيا عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). لكنّ الرئيس الروسي عمل بدل ذلك، كلّ ما يمكن عمله، من أجل خسارة الحرب بمجرّد تجاوز جيشه الحدود الأوكرانيّة وتوجهه إلى كييف. سقط فلاديمير بوتين عند أسوار كييف التي كان جنرالاته يعتقدون أنه من السهل الاستيلاء عليها وأنّ المواطنين فيها في انتظارهم لإقامة عرض عسكري ضخم في شوارعها..
في ضوء افتعاله الحرب الأوكرانيّة، كان فلاديمير بوتين وراء تغيير العالم معتمدا حججا من النوع الذي سبق لأدولف هتلر استخدامه في مرحلة ما قبل اندلاع الحرب العالميّة الثانية في العام 1939. في السنة التي سبقت تلك الحرب، كانت عين هتلر على ضمّ مناطق في تشيكوسلوفاكيا بحجة أن سكان تلك المناطق ألمان. سعى الأوروبيون، بمن في ذلك رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشمبرلين، إلى استرضائه. تبيّن أن استرضاء هتلر يعني فتح شهيته على التوسّع في كلّ الاتجاهات، خصوصا بولندا.. وعلى خوض حرب لم تنته سوى بهزيمته في العام 1945.
استرضى الغرب فلاديمير بوتين طويلا، أكان ذلك عند دخول جيشه شبه جزيرة القرم التي كانت جزءا من أوكرانيا في العام 2014… أو عندما تدخل عسكريا في سوريا، في حرب على شعبها يشنّها النظام الأقلّوي وإيران، في خريف العام 2015.
◙ الحرب الأوكرانيّة كشفت السلاح الروسي ومدى تخلّفه وكشفت حقيقة “الجيش الأحمر” الذي يستعين حاليا بمرتزقة مجموعة “فاغنر” كي يتمكن من البقاء في الأراضي الأوكرانيّة
لكنّ الأمر مع أوكرانيا نفسها ومع محاولة وضع اليد على كييف كان مختلفا. لم يدرك بوتين أنّه دخل حربا مع أوروبا كلّها. ما لم يدركه أنّ أميركا لن تسمح بانتصار روسي في أوروبا. استخفّ بإدارة جو بايدن حيث يلعب مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة وليم كيسي دورا أساسيا في مجال رسم السياسة الخارجيّة. كان كيسي سفيرا في موسكو، وهو يعرف تفاصيل التفاصيل عن روسيا وعن شخص رئيسها. تكمن إحدى مشاكل فلاديمير بوتين في أنّه لا يعرف الآخرين، ولا يعرف العالم، ولا يعرف أنّ هناك آخرين يعرفون الكثير عنه وعن القدرات الحقيقية لروسيا.
نعم، غيّر فلاديمير بوتين العالم مستندا إلى حسابات خاطئة. سيرتكب الكثير من الأخطاء في السنة الثانية من الحرب بعدما صار في الحضن الإيراني وبعدما طرأ تحوّل على الموقف الصيني. الأكيد أن الرئيس الروسي بات يعتقد أنّ هذا التغيّر في الموقف الصيني يمكن أن يصبّ في مصلحته بعدما اتجهت الصين إلى تزويد روسيا بطائرات مسيّرة على غرار ما تفعل “الجمهوريّة الإسلاميّة”. لن يكون التغيّر الصيني سوى عامل جديد سيؤدي إلى إطالة حرب قرّر الغرب خوضها إلى النهاية.
جعل بوتين الغرب، أوروبا تحديدا، يشعر أنّ أوكرانيا مسألة حياة أو موت بالنسبة إليه. وبغض النظر عمّا سيتكبّده الغرب من خسائر، ليس مسموحا بانتصار روسي في أوكرانيا التي تبيّن أنّها لا يمكن أن تكون لقمة سائغة أمام بوتين وأوهامه.
ما مكّن الغرب من اتخاذ هذا الموقف شجاعة رجل اسمه فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، الذي اتصل به الرئيس الأميركي جو بايدن بعيد اجتياح القوات الروسيّة لأوكرانيا ليعرض عليه الخروج من كييف. أجابه زيلينسكي بكلّ بساطة “أريد ذخائر وليس تاكسي (سيارة أجرة).
قليلون في العالم كانوا يتصورون أن يتمكن ممثل كوميدي صار رئيسا لأوكرانيا من الصمود في وجه الوحش الروسي الذي استخدم كلّ ما لديه من صواريخ وراجمات لإخضاع أوكرانيا وضمّ جزء من أراضيها.
كانت صلابة هذا الشاب اليهودي الذي يقف على رأس دولة، معظم سكانها من الأرثوذكس، سببا كي يتغيّر العالم ولكن ليس في مصلحة روسيا. استطاع زيلينسكي أيضا تغيير العالم. زار واشنطن وجال في أوروبا. حضر إلى كييف أخيرا الرئيس الأميركي. استطاع الرئيس الأوكراني كشف فلاديمير بوتين على حقيقته كونه يعرف روسيا جيّدا.. في حين لا يعرف الرئيس الروسي شيئا عن أوكرانيا والتحولات الداخلية فيها منذ انفصلت عن الاتحاد السوفياتي في العام 1992.
◙ في ضوء افتعاله الحرب الأوكرانيّة، كان فلاديمير بوتين وراء تغيير العالم معتمدا حججا من النوع الذي سبق لأدولف هتلر استخدامه في مرحلة ما قبل اندلاع الحرب العالميّة الثانية في العام 1939
يتمثّل الدرس الأول الذي يمكن استنتاجه من الحرب الأوكرانية، بعد سنة من اندلاعها، أنّ روسيا عاجزة عن خوض حرب من هذا النوع بعدما قرّرت أوكرانيا الوقوف في وجهها. يبقى الدرس الثاني، وهو الأهمّ أن السلاح النووي الذي تمتلكه روسيا لا يصلح لابتزاز العالم.
نسي بوتين ومساعدوه، وفي مقدمّهم ديمتري ميدفيديف، أن دولا أخرى تمتلك سلاحا نوويا وأنّ هذا السلاح بمثابة سيف ذي حدين. لا يصنع السلاح النووي من روسيا قوّة عظمى فيما اقتصادها، على الرغم من كلّ ما تمتلكه من ثروات طبيعيّة، لا يتجاوز في حجمه الاقتصاد الإيطالي.
كشفت الحرب الأوكرانيّة السلاح الروسي ومدى تخلّفه وكشفت حقيقة “الجيش الأحمر” الذي يستعين حاليا بمرتزقة مجموعة “فاغنر” كي يتمكن من البقاء في الأراضي الأوكرانيّة.. وكي يتحدث بوتين عن تحقيق تقدّم بين حين وآخر.
غيّر فولوديمير زيلينسكي العالم. كشف عمق العلاقة بين روسيا و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. لا خيار أمام أوكرانيا غير خيار الصمود بدعم أوروبي وأميركي. لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه مع دخول الحرب الأوكرانيّة سنتها الثانية: إلى أيّ حدّ ستذهب الصين في دعم روسيا؟
قد يكون الجواب في المصالح التجاريّة التي تربط الصين بالولايات المتحدة والعالم والتي تجعل مصلحتها العليا في عدم الذهاب بعيدا في دعم فلاديمير بوتين. ستدعم الصين الرئيس الروسي بما يكفي كي تحول دون إلحاق هزيمة كبيرة بروسيا. سيعني ذلك إطالة للحرب ومزيدا من الخسائر والدمار في وقت لا توجد على الطاولة اقتراحات تضمن التوصل إلى صيغة تحفظ السلم العالمي عبر منع روسيا من الاستيلاء على أراض أوكرانية!
“صحيفة العرب”