لم تتعرض كارثة طبيعية للتوظيف السياسي مثلما تعرض ويتعرض له الزلزال المدمر الذي ضرب مؤخراً كلاً من الجنوب الغربِي من تركيا والشمال الغربِي من سورية. وفي مقدمة الدول العربية التي دخلت من بوابة الزلزال لخدمة أهدافها السياسية بشكلٍ واضح، النظام السوري الذي نظر إلى الزلزال وكأنه الهدية التي هبطت عليه من السماء لفك عزلته الدولية والإقليمية. ولقد تلقّفت مناسبة الزلزال بسرعة الدول العربية التي تعمل منذ أكثر من عامين لتعويم النظام والتطبيع معه، مثل الإمارات ومصر وعُمان والأردن والجزائر، فدخلت هذه الدول على خط عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية من بوابة المساعدات الإنسانية فشرعت في إرسالها إلى دمشق ومنطقة سيطرة النظام، وشرعت في هجمة دبلوماسية بإرسال الوفود إلى دمشق لتقديم التعازي والمواساة. وتمت زيارة الأسد إلى عُمان والإمارات، وتوجه إلى دمشق وزيرا خارجية كل من الأردن ومصر، ورؤساء وفود البرلمانات العربية قادمة من مؤتمرها الذي عقد في بغداد.
يبدو هنا بشكل واضح وجليّ، أننا أمام ظاهرة أو بالأحرى فزعة عربية لم نشهدها حينما كانت تقصف سورية بمدنها وبلداتها وقراها بشتى أنواع الأسلحة المدمرة. في الواقع، نلمح في الأفق مزاجاً وموقفاً عربياً جديداً بالنسبة إلى الملف السوري وتطبيع العلاقات مع نظام الأسد. وجاء تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل الفرحان في مؤتمر ميونيخ للأمن ليؤكد ذلك، الذي أشار فيه إلى : “ضرورة عدم بقاء الوضع السوري على حاله الراهن” الذي يمكن إذا ما طال استمراره أن يشكل خطراً على الأمن القومي العربي” وكذلك تكلم الفرحان “أن الحوار ممكن مع النظام السوري”. ويبدو أن قطر لاتزال إلى الآن على موقفها ضد التطبيع معه قبل إيجاد حل للمسألة السورية. مع ذلك يبقى تصريح وزير الخارجية السعودي حمال أوجه وأغلب الإعلاميين والمحللين السياسيين السعوديين والخليجيين عموماً يتكلمون حول مبادرة عربية للحل في سورية تتضمن شروطاً لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وحضوره مؤتمر القمة الذي سيعقد في الرياض في آذار الجاري. والزمن ليس بعيداً ليتبين الدخان الأبيض من الأسود.
هذا الموقف العربي المستجد من النظام السوري ليس مفاجئاً وإنما تباشيره قد بدأت منذ حوالي السنتين حينما دعا الملك الأردني إلى “ضرورة إعادة العلاقات مع الشقيقة سورية”، وكان الملك آنذاك قد قام بزيارتين لكلٍ من الولايات المتحدة وروسيا. إن الجديد فيه هو التغيير الذي طرأ على الموقف السعوي. ويبدو أن خلفية هذا الموقف هو هاجس الخطر الإيراني على المملكة. فمن الجنوب المستنقع اليمني والحرب الدائرة هناك التي على ما يبدو قد تحولت إلى حرب استنزاف ولا نتائج تبشّر بالخلاص من هذا المستنقع حتى الآن. وكذلك الخطر الذي يطلّ عليها من الشمال الذي يتراكم على الحدود الأردنية السورية في محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، إثر التكثف العسكري لقوى الحرس الثوري وحزب الله اللبناني وباقي الميليشيات الإيرانية وحرب المخدرات والكبتاغون. ويبدو أنه قد تبلور تصوّر لدى دول الخليج ومصر والأردن أن كسر شوكة النفوذ الإيراني في المنطقة يتطلب مد الجسور إلى النظام السوري ويمكن أن يضعف الإيرانيين في كل من اليمن ولبنان، ويدفعهم إلى التفاوض السياسي والبحث عن الحلول الوسط عبر الدبلوماسية. وتحاول هذه الدول أن تحافظ على علاقات طيبة مع روسيا مراهنة على التناقضات الروسية-الإيرانية في سورية، ناسية أن بوتين منهمك في حربه مع أوكرانيا ومتحالف مع إيران ويشتري منها المسيرات والصواريخ ويبيعها منظومات (S400). لقد جرب السعوديون الحوار والدبلوماسية مع الإيرانيين بوساطة العراق في زمن حكومة الكاظمي ولم تأتِ أُكلها حتى الآن، وكذلك تجربتهم وشروطهم مع الحكومة اللبنانية للتخلّص من سيطرة حزب الله لم يحصلوا على أية نتائج منها حتى الآن وفق هذا التصور وهذه المراهنة.
إن رهان ما سمي بالمبادرة العربية لحل الأزمة المستعصية في سورية لن يكون مفروشاً بالورود. وهذا الرهان لا ينتمي للواقعية السياسية بقدر ما ينتمي للتجريبية السياسية. فالوضع السوري معقد جداً وهو يخضع لخمسة احتلالات أجنبية، ولا يستطيع النظام أن يزحزح الإيرانيين عن سورية. إن المسألة السورية باتت مسألة دولية وأممية وحلها يتطلب من المعارضة التمسك بالقرارات الدولية ودعمها وبمطالب ومصالح الشعب السوري وهذا يستلزم وجود معارضة موحدة غير تابعة، قادرة على التعامل باستقلالية مع العوامل الخارجية، ووحدتها التي تقوم عليها للخلاص الوطني، هي المشتركات الوطنية والمواطنية وليس إيديولوجيات أطرافها.
كاتب سوري