أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن نجاح الصين في التوسط بين السعودية وإيران، لإعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين الخصمين منذ عام 2016، يعتبر اختراقا دبلوماسيا لبكين في الشرق الأوسط. وشددت على أنه أكثر الأدلة الملموسة حتى الآن على أن بكين “مستعدة للاستفادة من نفوذها العالمي، للمساعدة في حل النزاعات الخارجية، والتي قد تكون من بينها الحرب الروسية الأوكرانية”.
وأشارت إلى أن الصين استضافت جلسة تفاوض غير معلنة استمرت أربعة أيام بين الخصمين في بكين، أسفرت عن الاتفاق، أمس الجمعة، على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.
في حين أن أمريكا لا تزال القوة العسكرية بلا منازع ومزود المساعدات والنفوذ السياسي في جميع أنحاء المنطقة، فإن الصين هي أكبر شريك تجاري في الشرق الأوسط، مع دور سريع التوسع
وتضمن الاتفاق تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واتفقا أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
واتفق الطرفان على تفعيل “اتفاقية التعاون الأمني” الموقعة بينهما في عام 2001، و”الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب”، الموقعة في عام 1998.
ونوهت “وول ستريت جورنال” إلى أنه “على الرغم من الدور التاريخي للولايات المتحدة والبصمة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، فإن الصين تعد قوة اقتصادية ودبلوماسية صاعدة هناك”.
وقالت إنه بينما شاركت بكين في المحادثات الدولية السابقة، مثل الجهود المبذولة لإجبار كل من إيران وكوريا الشمالية على وقف برامج أسلحتهما النووية، أضافت الصفقة الأخيرة نموذجاً جديداً لإدارة العلاقات الدولية.
وشددت الصحيفة على أن الصين اقتربت من الشرق الأوسط الغني بالنفط، حيث برزت كأول مستورد للطاقة في العالم، لكن دورها الآن أكبر بكثير.
وقالت إنه في حين أن الولايات المتحدة لا تزال القوة العسكرية بلا منازع ومزود المساعدات والنفوذ السياسي في جميع أنحاء المنطقة، فإن الصين هي أكبر شريك تجاري في الشرق الأوسط، مع دور سريع التوسع في الاستثمار وبناء البنية التحتية.
وتنقل عن توفيا غيرنغ، وهي باحثة في المجلس الأطلسي والتي كتبت على نطاق واسع عن الدور الإقليمي المتنامي لبكين قولها: “كان الأمر أن الولايات المتحدة كانت القوة التي لا غنى عنها.. والآن الصين قوة لا غنى عنها في الشرق الأوسط – هذه حقيقة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن شي جين بينغ، الذي حصل على فترة ولاية ثالثة كرئيس للصين الجمعة، دفع إلى بناء علاقات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران والسعودية.
وزار شي البلدين والتقى بكل من قادتهما في الأشهر الأخيرة، ورحب بهما في الحوارات الإقليمية والأمنية التي أسستها الصين، ووقف إلى جانبهما في مواجهة الانتقادات الغربية، بينما أيد الاستثمارات الكبيرة في تشييد البنية التحتية.
ونوهت الصحيفة إلى أنه ومنذ وصوله إلى السلطة قبل عقد من الزمان حاول شي صياغة دور للصين كقوة عالمية تتصرف بشكل مختلف عن الولايات المتحدة، وتقدم بديلاً في الجغرافيا السياسية.
بعد وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، أطلق شي حملة دبلوماسية جديدة، أطلق عليها “مبادرة الأمن العالمي”، دعت إلى “الأمن غير القابل للتجزئة” وهي محاولة، كما قال متخصصون في الشؤون الخارجية، لتمييز الصين عن الآخرين.
وبحسب الصحيفة لفتت إحدى المبادئ البارزة في مبادرة شي الأمنية، إلى أن الصين عازمة على “حل الخلافات والنزاعات بين الدول سلميًا من خلال الحوار والتشاور، ودعم جميع الجهود التي تفضي إلى التسوية السلمية للأزمات”.
كما أثارت بكين الترقب في الأوساط الدبلوماسية أواخر الشهر الماضي من خلال تعزيز جهد جديد نحو إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، عبر وثيقة من 12 بندا.
وتنقل الصحيفة عن تشاس فريمان السفير الأمريكي المتقاعد الذي شغل مناصب عليا في كل من الصين والسعودية قوله: “من بين أمور أخرى، هذا يشير إلى أنه من الخطأ استبعاد الصين كصانعة سلام محتملة في أوكرانيا”.
وتلفت الصحيفة إلى أن إيران والسعودية تمثل جانبين من الانقسام العنيف في كثير من الأحيان بين المسلمين الشيعة والسنة، وهي عداوة يتردد صداها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وتشير إلى أنه مثل الصين، فإن السعودية وإيران تشتركان في كونهما أنظمة استبدادية تتمتع بعلاقات متوترة مع الولايات المتحدة، وهي الروابط التي أبرزتها بكين في كثير من الأحيان من خلال التأكيد على أن علامتها التجارية الدبلوماسية لا تتطلب ديمقراطية على النمط الغربي.
وفي واحدة من أولى زيارات شي بعد جائحة كورونا خارج الصين، ذهب إلى السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تلاه استقبال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في بكين لمدة يومين الشهر الماضي، وهي واحدة من أولى الزيارات الرسمية التي استضافها هذا العام.
بدا وانغ وكأنه ينتقد واشنطن بالقول إن الصفقة السعودية الإيرانية أظهرت كيف أن البلدين يتخلصان من التدخل الخارجي، ويأخذان حقًا مستقبل ومصير الشرق الأوسط بأيديهما
وبحسب الصحيفة فمن جانبها، وصفت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) المحادثات التي اختتمت الجمعة بأنها “حوار بكين”، وقالت إنها “فتحت صفحة جديدة في العلاقات السعودية الإيرانية”.
ونقلت عن كبير المبعوثين الدوليين لشي وانغ يي قوله إن “الوساطة الصينية بين السعودية وإيران تشكل نموذجًا لحل النزاعات والخلافات بين الدول من خلال الحوار والتشاور”.
واعتبرت أن دفء العلاقات الصينية تجاه إيران والسعودية جعلها تبدو وكأنها تهدف إلى تقويض القوة الأمريكية، وكذلك علاقته الدائمة مع روسيا، وهي مورد آخر للطاقة.
والجمعة، بدا وانغ وكأنه ينتقد الولايات المتحدة بالقول إن الصفقة السعودية الإيرانية أظهرت كيف أن البلدين “يتخلصان من التدخل الخارجي، ويأخذان حقًا مستقبل ومصير الشرق الأوسط بأيديهما”، على الرغم من أنه لم يذكر الولايات المتحدة على وجه التحديد.
وبحسب “وول ستريت جورنال” فرغم إعلان البيت الأبيض أن أمريكا بقيت على اطلاع بمحادثات بكين بين السعودية وإيران، وتأكيده أن هذا الاتفاق يعمل في جانب آخر على إنهاء الحرب في اليمن، وتشكيك البيت الأبيض في تنفيذ إيران للاتفاق، إلا أن هذا لا يخفي ضيق أمريكا من تزايد اهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط، مستغلة قيام أمريكا ومنذ رئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالابتعاد عن المنطقة التي كانت واشنطن سببا في حروبها الأخيرة.
وبحسب الصحيفة تعمل الصين على زيادة نفوذها في الشرق الأوسط بشكل كبير، ليس فقط من خلال التجارة والاقتصاد كما جرت العادة بين الصين وهذه المنطقة وأفريقيا عموما، لكن أيضا بأن تكون فاعلة في مجريات السياسة.
وتختم بالقول إنه لن يكون الاتفاق بين إيران والسعودية سوى خطوة ضمن خطة صينية لأداء دور فاعل ومؤثر فيما يبدو أنه آخذ في الازدياد.
“القدس العربي”