نشرت صحيفة “إندبندنت” افتتاحية حول اليوم التاريخي لتوجيه اتهامات للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، واصفة إياه بأنه لحظة مخجلة له واستفافة لأمريكا، وأضافت أن القضية القانونية ضد الرئيس السابق مهما كانت نتيجها، النجاح أم الفشل، فهي تثبت أن أحدا في أمريكا ليس فوق القانون.
فعلى مدى السنوات الماضية، تعوّد العالم على عادات ترامب المنحرفة، فهو الرئيس الوحيد الذي تمت محاكمته مرتين في الكونغرس، والرئيس الوحيد الذي ناقش إصدار قرار بالعفو عن نفسه، والأخطر من هذا، فهو الرجل الذي أثار تمردا ضد برلمان الولايات المتحدة الأمريكية.
صحيح أن ظهوره أمام محكمة في منهاتن يوم الثلاثاء كان محلا لاهتمام الإعلام، فحقيقة اعتقال الرئيس السابق وتوجيه 34 تهمة له، بدت وكأنها فكرة خطرت بالبال لاحقا. ورغم ما بدا منه بعد الجلسة من صورة الجريح المثير للشفقة، خاصة خطابه في مار- إي- لاغو، الذي يعتبر في حد ذاته مشهدا لجريمة رئاسية أخرى، إلا أن أحدا لم يندهش من أن ترامب هو المسؤول عما حدث له، وأوقع نفسه في المشاكل.
ولا أحد يعتقد أن كل القضية والتحقيقات الأخرى الجارية الآن هي نتاج نظرية مؤامرة من تنظيم “الديمقراطيين المتشددين الذين يريدون تدمير الأمة”. ومع تأثرنا بهذه الفضيحة، من تجاوز الدستور واللجوء المستمر إلى نظريات المؤامرة، إلا أن اعتقال وتوجيه اتهامات لترامب هو مهين ليس له فقط بل لبلاده أيضا. وهي لحظة تتحدث بوضوح عن أزمة الثقافة السياسية في أمريكا المنقسمة بتساوٍ على نفسها، وتبدو أنها تسير باتجاه حرب أهلية.
وكان ترامب نتاجا، وفي جزء آخر سببا في ضعف التماسك الوطني، لأنه تسبب أكثر من أسلاف له مثل وارين هاردينغ، وريتشارد نيكسون ورونالد ريغان وبيل كلينتون بتآكل نظام الحكم في أمريكا.
فقد تحدى ترامب شرعية نظام التصويت واستقلالية القضاء، وحرض الشعب ضد ممثليه في الكونغرس، ولهذا السبب كان هدفا لعدة تحقيقات بسبب سلوكه، وكان أول رئيس أمريكي توجه إليه هذه الاتهامات. والمفارقة المؤلمة عند سماعه يتذمر ويزعم قائلا: “لم يستطيعوا هزيمتنا عبر صندوق الاقتراع، ولهذا يحاولون هزيمتنا عبر القانون”.
والرئيس السابق مخطئ في كلامه. فقد كان الرجل الذي لم يستطع هزيمة جو بايدن في صناديق الاقتراع، وهو نفسه الذي قام بسلسلة من القضايا القانونية لتحدي نتائج الانتخابات من أجل أن يعود بالخداع مرة أخرى إلى البيت الأبيض. وفشلت كل الدعاوى، وظهر محاميه روديو جولياني كأحمق في مؤتمر صحافي. ومع ذلك، ظل ترامب مصرا على روايته الخيالية عن التلاعب بالانتخابات، وأنه هو الرئيس الشرعي المفترض للولايات المتحدة.
وبعيدا عن كل هذا، فمدعي عام منطقة مانهاتن ربما بالغ في تقديم 34 جنحة ضد ترامب، فالتهم هي أكثر خطورة من مجرد جنح، وتحمل حكما بالسجن. وتبدو انتقامية أكثر مما هو ضروري، ومن الصعب إدانة ترامب في نيويورك المعادية له. ويبدو أن قرار توسيع خطورة القضية الجنائية المتعلقة بتزوير السجلات المالية، جاء على ما يبدو لأن الجريمة تتعلق بخرق القانون الانتخابي المرتبط بالأموال التي دفعها لشراء صمت الممثلة الإباحية السابقة ستورمي دانيالز، وإخفاء “معلومات مضرة عن النائب العام أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2016”.
وتعتقد الصحيفة أن العملية القانونية طويلة، ويمكن أن تتقاطع مع الاتهامات الموجهة لترامب في ولاية جورجيا، وسوء تعامله مع الأوراق السرية التي عُثر عليها في مقر إقامته بفلوريدا.
وسننتظر ونرى إن كان الرئيس الـ45 سيعتقل أم لا. ولكن ما لا يجادل فيه أحد، هي صورة ترامب وهو جالس في قاعة المحكمة بمانهاتن وينظر بمزيج من الحيرة والسخط، حيث تظل لحظة مخجلة. ولعل أهم لحظة في كل ما حدث، هي أن حكم القانون في أمريكا ينطبق على الجميع، رغم جهود ترامب لعكس هذا الأمر.
“القدس العربي”