تشهد منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وجوارها حالة استنفار واشتباكات بين قوات النظام وحلفائه، وغرفة عمليات «الفتح المبين» شملت خطوط التماس في ريف حماة الغربي وريف حلب الغربي.
أطلق جهاز الأمن العام التابع لهيئة «تحرير الشام» ليل الخميس الفائت، سراح 11 عنصراً من مقاتلي «فيلق الشام» أحد مكونات الجيش الوطني، والعامل في صفوف الجبهة الوطنية للتحرير، بعد اعتقالهم على يد الجهاز نفسه، الأربعاء. ويعتبر فيلق الشام الذراع العسكري لـ «جماعة الإخوان المسلمين» السورية.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، باستقدام هيئة «تحرير الشام» مساء الأربعاء الماضي عشر سيارات إلى بلدة البارة في منطقة جبل الزاوية جنوب محافظة إدلب، وشنت حملة دهم واعتقال طالت مواقع ونقاط رباط يتمركز فيها مقاتلو «فيلق الشام» وأضاف المرصد أن الرتل الأمني التابع للهيئة المذكورة اعتقل عددا من مقاتلي الفيلق واقتادهم إلى مكانٍ مجهول، وسيطر على نقاطهم.
وقال نشطاء محليون لـ «القدس العربي» إن حملة «تحرير الشام» الأمنية ضد الفيلق بدأت الخميس 6 نيسان (أبريل) الجاري باعتقالات طالت مقاتلين وأمنيين تابعين لـ «فيلق الشام» على حواجز «طيارة» وبلغت ذروتها الأربعاء الماضي، باقتحام الفرقتين 106 و107 الأمنيتين التابعتين لجهاز الأمن العام بلدة البارة بجبل الزاوية، واعتقال 13 مقاتلاً من الفيلق بينهم خمسة أمنيين.
بدوره، قال «فيلق الشام» عبر بيانٍ أصدره على خلفية اعتقال «تحرير الشام» عدداً من مقاتليه «إننا في فيلق الشام نستنكر ما أقدمت عليه هيئة تحرير الشام، ونربأ بالمجاهدين أن تحيد بنادقهم عن الوجهة التي تريد إفناءنا جميعاً (النظام السوري) وتتحول إلى صدور إخوانهم ورفاق دربهم الذين ضحوا معهم طيلة سنوات الثورة».
وأضاف البيان أن فيلق الشام تفاجأ باقتحام الهيئة لعدد من نقاط رباطه «نفاجأ باقتحام هيئة تحرير الشام لعدد من نقاط رباطنا في محور البارة بريف إدلب، وإخراج مقاتلينا بقوة السلاح والسيطرة على تلك النقاط».
لترد «تحرير الشام» على بيان الفيلق ببيانٍ مقابل، عللت من خلاله اعتقالها مقاتلي «الفيلق» بأنه استجابة لشكاوى أهالي البارة من إساءات متكررة لعناصر الفيلق من ضمنها إهمالهم لنقاط رباطهم المنتشرة بالبلدة وعلى خط تماس مع قوات النظام، وتعاملاتهم غير الأخلاقية مع الأهالي.
وجاء في بيان «تحرير الشام» الصادر عن «مؤسسة أمجاد الإعلامية» التابعة للجناح العسكري في «الهيئة» أنه بعد تكرار الشكاوى من أهالي بلدة البارة في جبل الزاوية بحق عناصر يتبعون لفيلق الشام بسبب ممارساتهم التي لا تمت للثورة بصلة، وتعاملهم غير الأخلاقي مع الأهالي وإيذائهم لهم وإهمالهم لرباطهم بالإضافة لأمور -سيتم ذكرها لاحقاً- قامت هيئة تحرير الشام بالاستجابة لتلك الشكاوى وعليه قامت باعتقال بعض العناصر المسيئين.
وأشار بيان «أمجاد» إلى استغراب «تحرير الشام» من طريقة تعامل «الفيلق» مع الأحداث الأخيرة، حيث جاء فيه «بدلاً من استيضاح قيادة فيلق الشام عن الحادثة أصولاً، وتحملها تصرفات عناصرها، لجأت لنسج بيان إعلامي غير مسؤول لا يحل المشكلة ولا يواجه الحقيقة». وطالب البيان فيلق الشام «بحل الإشكاليات وضبط سلوك عناصره وتحمل مسؤولياتهم في الواقع الحقيقي لا الافتراضي».
التوترات بين الطرفين بدأت حسب ما ورد عن المرصد السوري لحقوق الإنسان على خلفية اعتقال «فيلق الشام» عنصراً أمنياً تابعاً لهيئة «تحرير الشام» في مدينة اعزاز الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني، وقال المرصد أن العنصر الأمني التابع للهيئة يحمل «هوية المجلس المحلي في اعزاز». الأمر الذي دفع بالهيئة للرد بحملة اعتقالات طالت عدداً من مقاتلي وأمنيي «الفيلق» من ضمنهم نائب مدير الإدارة الأمنية التابعة للفيلق.
وفي سياقٍ متصل، قال مصدر أمني تابع لفيلق الشام لـ «لقدس العربي» إن هيئة «تحرير الشام» شنت جملة من الاعتقالات على معبري دير بلوط والغزاوية بين منطقتي سيطرة الجيش الوطني ومناطق سيطرة الهيئة، كما فعلت الأمر نفسه في مناطق عدة في إدلب.
وأضاف المصدر الأمني الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن من بين المعتقلين لدى «تحرير الشام» نائب مدير الإدارة الأمنية في فيلق الشام أبو عبيدة على حاجز بابسقا بالقرب من معبر باب الهوى الحدودي، والشيخ عبد المعطي الأسعد أمير قاطع حماة في «فيلق الشام» ونجله أسعد على مداخل مدينة إدلب، ورئيس المكتب الأمني في فيلق الشام أبو عبد الرحمن سرمدا والأمني بشار كحيل من منزله في كفرتخاريم.
وأجاب المصدر عند سؤاله عن سبب الاعتقالات التي تشنها «تحرير الشام»: «اعتقلت أمنية فيلق الشام على معبر الغزاوية بين إدلب ومنطقة عفرين خلية تابعة لداعش مكونة من شخصين، أحدهما يحمل هوية مجلس اعزاز المحلي، ورفضت الأمنية إخلاء سبيلهما بعد مطالبات من القيادي في الهيئة أبو مارية القحطاني، لترد تحرير الشام باعتقال قيادات أمنية وعناصر تابعين لفيلق الشام».
وقال المصدر إن اجتماعاً بين قيادات من فيلق الشام وهيئة تحرير الشام انتهى مساء الجمعة 7 نيسان (أبريل) بإطلاق سراح جميع المعتقلين التابعين للفيلق، مقابل تسليم الفيلق العنصرين التابعين لتنظيم «داعش».
بالمقابل قالت مصادر مطلعة «للقدس العربي» إن التوترات بين الجانبين في بلدة البارة تختلف أسبابها عن التوترات التي بدأت قبل أسبوع، والمتعلقة باعتقال عنصر تابع للهيئة في اعزاز، وقالت المصادر، «داهمت تحرير الشام مقار ونقاط رباط الفيلق بسبب خلاف مالي بين الطرفين، وعدم سداد قيادة الفيلق المبالغ المترتبة عليها مقابل أعمال التدشيم والتحصين التي تنفذها آليات هيئة تحرير الشام في كامل جبل الزاوية».
بالتوازي مع ذلك، تشهد منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب وجوارها منذ أسبوع تقريبا حالة استنفار واشتباكات متفرقة بين قوات النظام وحلفائه من جهة، وغرفة عمليات «الفتح المبين» من الجهة المقابلة، وشملت الاشتباكات خطوط التماس في ريف حماة الغربي وريف حلب الغربي في كل من الاتارب وأورم الكبرى، وريف اللاذقية.
وتمكن مقاتلون تابعون لغرفة «الفتح المبين» من تنفيذ عملية تسلل إلى أحدى نقاط قوات النظام على محور السرمانية بريف حماة الغربي، أسفرت عن مقتل ثلاثة عناصر من قوات النظام حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، كما استهدفت قوات النظام بقذائف المدفعية والهاون محيط بلدتي معارة النعسان بريف إدلب الشرقي، وأورم الصغرى بريف حلب الغربي، كما أفاد المرصد بمقتل عنصر من قوات النظام برصاص قناصة «الفتح المبين» على محور جبل التركمان، ووثق المرصد مقتل 175 شخصا ما بين عسكري ومدني في منطقة «خفض التصعيد» منذ مطلع العام الحالي جراء الاشتباكات المتقطعة بين الطرفين، كما أحصى المرصد 91 عملية عسكرية للطرفين منذ مطلع 2023 تنوعت بين عمليات قنص واستهداف واشتباكات مباشرة، أسفرت عن إصابة 99 مقاتلاً من الطرفين، و26 مدنياً.
الجدير بالذكر، أن غرفة عمليات «الفتح المبين» هي الجهة المسؤولة عن إدارة العمليات العسكرية على محاور الاشتباك والتماس مع قوات النظام، وتضم «هيئة تحرير الشام وفصائل الجبهة الوطنية للتحرير وجيش العزة».
وأُنشأت الغرفة منتصف 2020 بعد أن أعلنت «هيئة تحرير الشام» أنها الجهة المسؤولة الوحيدة عن إدارة العمل العسكري في المناطق المحررة، وحذرت حينها أي فصيل عسكري من تشكيل أي غرفة عمليات أو تنفيذ أي عمل عسكري خارج إطار «الفتح المبين» وجاء ذلك على خلفية مواجهات بين «تحرير الشام» وغرفة عمليات «فاثبتوا» التي كانت تضم عددا من الفصائل الجهادية السلفية من أبرزها تنظيم «حراس الدين» و«تنسيقية الجهاد» و«أنصار الدين» و«أنصار الإسلام».
“القدس العربي”