نقلت قصاصة إخبارية، خبر إقدام الفنان المسرحي أحمد جواد، على إضرام النار في جسده، أمام وزارة الشباب والثقافة والتواصل، حيث سبق أن هدد بالانتحار في عام 2001، كما سبق أن تجرد من ملابسه أمام مقر البرلمان. إذن الحرق، والتهديد بالانتحار، والتعري العلني، كلها حسب القصاصة التي اعتمدت في خبرها هذا على مصدر مطلع، هو فعل «ابتزاز» من الفنان للوزارة الوصية على كل الفنون، قصد «شراء عروضه» المسرحية «البسيطة والكثيرة» وهذا ما تسنى له، تحت تهديد الشكلين الاحتجاجيين اللذين بدأ بهما، التهديد بالانتحار والتجرد من ملابسه. مع العلم أن الفنان كان موظفا بسيطا في مسرح محمد الخامس، قبل أن «يُحال» على التقاعد في عام 2001، الذي بدأ فيه تهديداته واحتجاجاته.
رفقة الخبر تناقلت وسائل الإعلام الأخرى صورة الفنان، وقد أكلت النيران جلّ أجزاء جسده، هي صورة مفزعة وتقشعر لها الأبدان، فأيا يكن، ومن أي مستوى أو طبقة فهو إنسان، اشتعلت النيران، والتهمت جسده، لكن بطعم المرارة والهزيمة للدولة الاجتماعية ولحقوق الانسان، رائحة احتراقه خرجت من الصورة لتغمر قلوب المتأسفين بألم عابر أو موقظ لكرامة الأنقياء. فكيف انهار الفن في لحظة من نفس فنان هج عن المأساة وأبو الفنون في يومه العالمي الذي يصادف 27 مارس/آذار من كل عام، أم أن في هذه الذكرى، سقط قناع الانتقال إلى حياة أخرى من أمام مؤسسة هي المسؤولة عن كل فنون الدولة؟
مبررات «الابتزاز- شراء عروضه – موظف بسيط – أعمال بسيطة وكثيرة- يُحال على التقاعد».. فهل هدف القصاصات التي تناقلت الخبر الصورة تبشيرنا أن دور البوعزيزي البائع المتجول في تونس، قد فشل في تقمصه الفنان المسرحي في المغرب؟
بعد انتشار خبر وصورة الفنان المخيفة، والأنكى وجود شهود متفرجين التقطتهم الصورة خلف ركعة الفنان المحترق، كأنه يقول فشل تهديدي ووعيدي، ولست مبتزا ولا موظفا متقاعدا بسيطا، ولا مسرحيا بسيطا، أنا فقط أقف أمام بيروقراطية الإدارة التي ترفض عروضي المسرحية الكثيرة، فأنا منتج غزير، ولا بد لإنتاجي أن ينتشر كما مواقع التواصل الاجتماعي.. أنا لست مهتما أن ينشر خبري في القنوات الرسمية، ولا أن تتضامن معي نقابة المسرحيين.. وكأنه يقول إذا كانت كتب ابن رشد أحرقت، وروما أحرقها نيرون، والحلاج صلب وأحرق جثمانه، فأنا أحرق نفسي، وإن كان توفيق الحكيم ليس راضيا، ولا سعد الله ونوس، ولا بيتر بروك أو هاملت شكسبير، ولا أي فنان أبي الروح.. فلست في زمن الثورة؟ ولا أريد ثورة، و لا أنا عصابي في رأي سيغموند فرويد، قادم من عالم منعزل متخيل، لأجرب نكهة الحرق، والخيط الفاصل بين الوجود واللاوجود، إنما أردت أن أتصور كيف سأكون حديث الإنسانية في «زمن الإهانة» كما وصفه الراحل المهدي المنجرة.
كاتب من المغرب