راح ضحية المعارك أكثر من 500 قتيل و5 آلاف جريح من المدنيين، ويقدر عدد الفارين من القتال بنحو 330 ألف نازح وأكثر من 100 ألف لاجئ.
الخرطوم ـ «القدس العربي»: بعد ثلاثة أسابيع من المعارك العنيفة، بدأ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أمس السبت، مفاوضات غير مباشرة، تستضيفها مدينة جدة، بمبادرة أمريكية سعودية، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع القتال بين الجانبين.
وراح ضحية المعارك، التي تتخذ من شوارع العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى، ساحة لها، منذ منتصف نيسان/ابريل الماضي، أكثر من 500 قتيل و5 آلاف جريح من المدنيين، وفق الإحصاءات الأولية لوزارة الصحة السودانية، بينما لحقت أضرار فادحة بالبنية التحتية للعاصمة ومنشآتها الرئيسية، ويقدر عدد الفارين من القتال بنحو 330 ألف نازح وأكثر من 100 ألف لاجئ حسب مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وقال الجيش السوداني أن وفده المفاوض وصل الجمعة إلى جدة في إطار المبادرة السعودية الأمريكية التي تم طرحها منذ بداية الأزمة، لافتا إلى أن الغرض من المفاوضات ذات الطابع غير المباشر، مناقشة التفاصيل الخاصة بالهدنة التي يجري تجديدها، بغرض تأمين وتهيئة الظروف المناسبة للتعامل مع الجوانب الإنسانية لمواطنينا في ظل الأوضاع الراهنة.
ووفق تصريحات لمبعوث رئيس مجلس السيادة السوداني، السفير دفع الله الحاج، ستقتصر المفاوضات على مناقشة الشأن الإنساني، مشددا على عدم قبول الجيش أي مقترحاتٍ للتسوية مع قوات الدعم السريع، وأن أولوية الجيش هي حسم المعركة.
فيما أكد الدعم السريع، التزامه بوقف إطلاق النار وتمديد الهدنة المعلنة بين الجانبين لمدة 72 ساعة إضافية، استجابة لوساطة أمريكية سعودية، من أجل فتح الممرات الإنسانية وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين وتمكينهم من قضاء احتياجاتهم والوصول إلى مناطق آمنة.
ويمثل الجيش في المفاوضات ثلاثة عسكريين ودبلوماسي، مقابل ثلاثة من قادة قوات الدعم السريع ومختص في الشأن الإنساني.
وفي بيان مشترك، رحبت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ببدء المحادثات الأولية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في مدينة جدة، داعية كلا الطرفين إلى استشعار مسؤولياتهما تجاه الشعب السوداني والانخراط الجاد في هذه المحادثات.
وتهدف المفاوضات، إلى رسم خريطة طريق لوقف العمليات العسكرية والتأكيد على إنهاء الصراع وتجنيب الشعب التعرض للمزيد من المعاناة وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة.
ونوهت واشنطن والرياض إلى جهود العديد من الدول والمنظمات التي أبدت تأييدها لعقد هذه المباحثات بما في ذلك مجموعة دول الوساطة الرباعية وجامعة الدول العربية والآلية الدولية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد.
وحثت على استمرار بذل الجهود الدولية المنسقة لمفاوضات واسعة تشارك فيها كل الأحزاب السودانية.
وفي سياق متصل، قالت وكالة الأنباء السعودية أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، تلقى الجمعة اتصالاً هاتفياً من نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، بحثا خلاله الأحداث في السودان. فيما أكد الجانبان على أهمية وقف التصعيد العسكري في السودان.
واستعرض الوزيران مستجدات المبادرة السعودية الأمريكية الخاصة باستضافة ممثلين عن الطرفين في جدة، والتي تهدف لتهيئة الأرضية اللازمة للحوار لخفض مستوى التوترات بين الجانبين بما يضمن أمن واستقرار السودان.
واعتبرت القوى المدنية السودانية الموقعة على الاتفاق الإطاري، مباحثات جدة خطوة أولى لوقف الانهيار المتسارع الذي شهدته البلاد منذ اندلاع الحرب في 15 نيسان/ابريل الماضي، داعية قيادة الجيش والدعم السريع إلى اتخاذ قرارات شجاعة تنتصر لصوت الحكمة وتوقف القتال وتنهي المعاناة التي يعيشها الشعب جراء هذه الحرب.
ورحبت في بيان أمس السبت بشروع الجانبين في مباحثات ضمن المبادرة الأمريكية السعودية، مؤملة أن تقود لوقف القتال ومعالجة الأوضاع الإنسانية بما يمهد الطريق لحل سلمي سياسي مستدام.
وأكدت أنها ستعمل على المساعدة في إنجاح ما وصفته بالمسار السلمي لحل الأزمة، بالتواصل المستمر مع القوى المدنية المناهضة للحرب، ومع قيادة الجيش والدعم السريع والمجتمع الإقليمي والدولي.
وفي كانون الأول/ديسمبرالماضي، بناء على عملية سياسية بوساطة دولية، وقعت مجموعة من القوى المدنية أبرزها مكونات الحرية والتغيير وبعض الحركات المسلحة اتفاقا إطاريا مع القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع شبه العسكرية محمد حمدان دقلو «حميدتي» كان من المنتظر أن يفضي إلى اتفاق نهائي يبتعد العسكر بموجبه من السلطة وتتشكل حكومة انتقالية مدنية، إلا أن المعارك التي اندلعت بين القادة العسكريين عرقلت المسار السياسي لحل الأزمة في البلاد.
ودعا المتحدث باسم العملية السياسية في السودان خالد عمر، في بيان أمس إلى تنسيق واسع بين المجهودات الإقليمية والدولية للمساعدة في وقف الحرب ومعالجة الأزمة الانسانية في السودان.
وأبدى أمله بأن تتوصل هذه المباحثات لوقف كامل لإطلاق النار يمهد لحل سياسي شامل ينهي معاناة الشعب ويحافظ على وحدة الدولة ومؤسساتها ويحقق السلام والحرية والعدالة والعيش الكريم لكل أبناء وبنات السودان.
وأضاف: «الحرب ذميمة وهي ليست حلاً لقضايا البلاد الرئيسية» لافتا إلى تزايد كلفتها يوماً بعد يوم، وإنها حال استمرت ستشهد تدخلات ذات أبعاد خارجية وداخلية قد تجعل من الصعب وقتها انهائها بأيدي السودانيين.
وأشار إلى أن الطريق الأمثل للحفاظ على وحدة السودان وسيادته، هي الوصول لجيش واحد قومي ينأى عن السياسة، والتأسيس لتحول مدني ديمقراطي مستدام، وتنمية عادلة ومتوازنة، معتبرا أن الحل السياسي السلمي التفاوضي، هو الأمثل للوضع الراهن في البلاد وأنهم يتمسكون بهذا الخيار مهما تعالت «أصوات التهييج التي تؤجج حريق البلاد» على حد قوله.
وأضاف: هذا هو طريقنا الذي لن نحيد عنه أبداً.
وتأتي مباحثات جدة، بعد يومين، من إصدار الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمراً تنفيذياً يسمح بفرض عقوبات على الأشخاص الذين يزعزعون استقرار السودان في استجابة للعنف الدائر في البلاد.
ورأى المحلل السياسي عبد الله رزق في حديثه لـ«القدس العربي» أن مباحثات جدة ستدور تحت ضغط واشنطن؛ سلام السودان مقابل الأمر التنفيذي الرئاسي.
وقال إن تقدير المخابرات الأمريكية باحتمال استطالة أمد الحرب واحتمال لجوء المتحاربين للاستقواء بأطراف خارجية، ليس من بينها الولايات المتحدة مثل داعش أو فاغنر، والذي يمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي في المنطقة، كان عاملا حاسما في تحريك واشنطن إلى مربع التأثير الفاعل في الأزمة السودانية.
“القدس العربي”