بعد ساعات من ترجيح وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يؤآف غالانت أن تستأنف حركة الجهاد الإسلامي قصفها الصاروخيّ المكثّف وصلت صواريخ المقاومة مدينة تل أبيب حيث أصابت بناية في مستوطنة “رحوفوت” والتي نتج عنها مقتل مستوطن إسرائيلي، وبعد ساعات على ذلك، وتحديدا في فترة ما بعد ظهر الجمعة، وصلت الصواريخ إلى مشارف مدينة القدس المحتلة.
وكانت إذاعة جيش الاحتلال قد نقلت عن يؤآف غالانت قوله في ختام اجتماع مع رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس جهاز الشاباك، رونين بار: “لقد أصدرت تعليمات لجميع القوات الأمنية باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة، والتحضير لسلسلة من العمليات الإضافية، والحفاظ على مستوى عالٍ من الجاهزية واليقظة لاحتمال توسيع الجهاد لدائرة إطلاق الصواريخ”.
ودوّت، ظهر الجمعة، صافرات الإنذار في محيط مدينة القدس المحتلة، ومستوطنات بيت شيمش (جنوب غرب القدس) وكفار عصيون (جنوب غرب بيت لحم) بالضفة الغربية وهو أمر أنعش الجماهير الفلسطينية وعزز من زرع الرعب في صفوف المستوطنين وحمل الإشارات إلى أن الأمور ذاهبة إلى تصعيد وليس على تهدئة.
وبحسب مراقبين فإن وصول الصواريخ لمشارف القدس (على بعد 15 كيلومترا) جاء خلال الاجتماع الأمني الذي عقده بنيامين نتنياهو مع المجلس الأمني المصغر.
وسمع دوّي انفجار بالقرب من مدينة بيت لحم، وبحسب ما قالت مصادر الاحتلال، فإن صاروخا سقط بالقرب من مستوطنة “بيت عين”، ضمن تجمع مستوطنات غوش عتسيون جنوب بيت لحم، دون أن يتسبب بإصابات.
وأضافت المصادر، بأن منظومة الدفاع “مقلاع داوود” قد تصدت لأحد الصواريخ بينما تصدت منظومة “القبة الحديدية”، لصاروخ ثان، أطلقا باتجاه مدينة القدس ومحيطها. فيما أعلنت بلدية “بيت شيمش”، عن فتح الملاجئ العامة بعد أن أصبحت هدفا لصواريخ المقاومة.
وأظهرت تسجيلات مختلفة نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حالة من الهلع والخوف الشديد التي انتابت المستوطنين في القدس ومحيط بيت لحم، وقد أظهرت الفيديوهات التي تداولها فلسطينيون أعدادا كبيرة من المستوطنين يهرعون من الحافلات والسيارات باتجاه الملاجئ، فيما آخرون تركوا سياراتهم وافترشوا الأرض في مشهد يعكس حالة الهلع التي انتابتهم، بعد سماع دوي صفارات الإنذار للمرة الأولى في هذه الجولة من المواجهة.
ولأول مرة منذ بدء العدوان على غزة منذ 4 أيام، تطلق صافرات الإنذار في القدس ومحيطها وهو أمر حمل رسالة مهمة من المقاومة الفلسطينية.
وبحسب بيان فصائل المقاومة الفلسطينية فإنها وجهت ضربة “صاروخية مركزة على مرحلتين تجاه القدس المحتلة و”تل أبيب” ومدن ومغتصبات العدو ردًا على الاغتيالات واستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني”.
ومن المتوقع أن يكون مدى وصول الصواريخ وصل 75 كيلومترا.
وبحسب بيان حركة الجهاد الإسلامي فإن القصف هو رسالة بأن “ما يجري هناك ليس بمعزل عن غزة”.
وبحسب المختص في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر فإن الصواريخ التي وصلت القدس تعني أن “غزة تعانق عاصمتنا الأبدية”.
وتابع أنه وعلى بعد ما يقرب من 100 كم عن قطاع غزة استقبلت مدينة القدس المحتلة الصواريخ، فيما المستوطنون المحتلون هربوا خوفا وهلعا، حيث تجاوزت نتائجها ذلك وصولا إلى أنها دفعت الاحتلال للانسحاب من مباحثات وقف إطلاق النار في القاهرة.
وبرأيه فإن نتنياهو ظهر “حردانا”، لكون المقاومة حرمته صورة الانتصار الذي يسعى لتسويقها داخل جمهوره المذعور.
ووصف صواريخ القدس بأنها “ضربة معلم”، وفي الصميم.
وأضاف: “هي مهمة من ثلاثة أبعاد: أولا البعد الأمني والاستخباري ومفاده إفشال جاهزية القبة الحريرية في عدم التصدي لها، واستنفار مقلاع داوود المخصص للصواريخ الباليستية، ثانيا، من بعد عسكري عملياتي وهو يتمثل بعنصر المفاجأة، أي بعد مرور 12 ساعة على إطلاق آخر صاروخ من غزة، وثالثها والأهم، سياسي بحت وهو يتعلق بمسيرة الأعلام الخميس المقبل، ولعل الرسالة وصلت للاحتلال”.
وفي ذات السياق طالب الباحث المقدسي زياد ابحيص بقراءة توقيت العدوان الصهيوني على غزة في سياق المعركة على القدس.
وأضاف: “بما أن القدس شكلت عنواناً مركزياً في المواجهة والتهدئة في معركة سيف القدس 2021 ومعركة الاعتكاف 2023 وفي محطات أخرى؛ فإنه ومن المؤكد أن المحتل اختار وقت العدوان ليكون قبل تسعة أيام من مسيرة الأعلام المقررة في القدس يوم 18-5”.
وتابع: قد يعني ذلك أن الاحتلال يحاول تفويت فرصة الرد المشترك على عدوانه في القدس، وكذلك يسعى إلى الاستباق لتهيئة الميدان بما يناسبه، وبما يسمح له أن يحقق مشهد نصر في اقتحام الأقصى ثم في مسيرة الأعلام الخميس المقبل.
وشدد على أن الرد يجب أن يكون بإعلان يوم 18-5 يوماً للعلم الفلسطيني في القدس وفي كل فلسطين وعبر العالم، والتعبئة للتصدي الشعبي له في القدس وربما تتهيأ مساحة أكبر للمبادرة ومواصلة فرض التراجعات على المحتل في إطار ذلك.
الهدنة قادمة
وفي سياق المواجهة الحالية شدد المحلل السياسي هاني المصري أن ما يجري في الميدان يؤكد أن الهدنة قادمة اليوم أو غدا وعلى الأكثر بعد غد حيث سيتم التوصل إلى هدنة على أساس هدوء مقابل هدوء، بغض النظر عن الديباجة التي سيتم فيها إعلان هذا الاتفاق، فسواء التزمت حكومة الاحتلال أو لم تلتزم (وعلى الأغلب لن تلتزم) بشروط المقاومة، فهي لن تفي كعادتها بالتزامها.
وأضاف أن ما يجعل هذا السيناريو (الاتفاق على هدنة) مرجحا أن الطرفين لا يريدان حربا مفتوحة، لأنها مكلفة ولا تستطيع أن تحسم المواجهة بشكل حاسم لصالح طرف، واستمرارها يفتح الباب لتوسيع المشاركين فيها مثل حماس أو جبهات أخرى، وأن كلا منهما أصبح يستطيع الآن أن يقدم نفسه منتصرا، فالاحتلال يستخدم لإظهار انتصاره ما قام به من اغتيالات وضربات كبيرة واستفراد للجهاد الإسلامي وترميم الحكومة الإسرائيلية وبشكل محدود الردع الإسرائيلي ووقوف المعارضة وراء الحكومة وتجميد مظاهراتها وتشديد الحصار والعقوبات الجماعية على قطاع غزة.
أما المقاومة وتحديدا الجهاد الذي تحمل العبء الرئيسي يستطيع أن يظهر انتصاره بما حصل عليه من غطاء سياسي من فصائل المقاومة عبر التوافق على التصدي والغرفة المشتركة والمساعدة اللوجستية التي قدمتها الفصائل وخصوصا حماس ومشاركة بعض الأجنحة العسكرية مع سرايا القدس خصوصا كتائب أبو علي مصطفى، وما قام به من بسالة رغم الاختلال الفادح في موازين القوى عبر التصدي وإطلاق صواريخ حتى اللحظة الأخيرة ووصولها إلى تل أبيب ما أصاب بشبه شلل مساحات واسعة من إسرائيل والحق دمارا وقتلا وجرحى.
“القدس العربي”