أشعل الصوت الكردي في تركيا جدلا واسعا في خضم الصراع السابق للانتخابات المنتظر تنظيمها في 14 من ايار/مايو الجاري، حيث سعت المعارضة إلى ضمان صوت الأكراد من خلال عقد تفاهمات مع حزب الشعوب الديمقراطي الممثل لهم سياسيا والذي توجه له الحكومة التركية اتهامات بتورطه في دعم حزب العمال الكردستاني المنصف إرهابي أيضا في تركيا.
الأحزاب الممثلة للأكراد وفي وقت متأخر وقبل تسليم القوائم وأسماء المرشحين للمجلس الأعلى للانتخابات لم تختر مرشحا للرئاسة التركية والتزمت بعدها الصمت لفترة زمنية رغم الشبهات بعزمها دعم مرشح حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو والذي يعتبر أقوى وأكبر منافس لاردوغان، حتى أعلنت عن ذلك رسميا في 28 نيسان/ابريل الماضي محدثة بذلك الإعلان جدلا واسعا.
دخلت الأحزاب الكردية لانتخابات تركيا باسم حزب اليسار الأخضر لتتفادى عددا من القضايا المرفوعة ضدها والتي قد تقف حائلا دون أن يكون لها تمثيل في البرلمان المقبل.
ولأن الممثلين في البرلمان من الكرد عادة ما يكونون أقل بكثير من الممثلين من تحالف الجمهور وتحالف الشعب اختارت الأحزاب الكردية أن تتحالف مع المعارضة هذه المرة لتحقق آمالها في وضع تعديلات وإصلاحات دستورية تتناسب مع وضع مدنها، حيث يطالب البعض من الأكراد بالحكم الذاتي منذ زمن، إلا أن التحالف الحاكم يرى بأن الحكم الذاتي يعني انفصالا وانقساما وهو ما رفضه وما زال يرفضه حتى وقفتنا.
ورغم أن انضمام الأحزاب الكردية إلى جناح المعارضة كان ورقة تحسب لها، إلا أن هذه الورقة أضرتها وأفادتها من جوانب متعددة، حيث بدأ عدد كبير من قادة الأحزاب الكردية في نشر تصريحات تتعلق بوعود قدمت لهم من طرف المعارضة بإطلاق سراح مسجونيهم الذين ألقى الرئيس التركي القبض عليهم في وقت سابق بتهم التعاون مع الإرهاب وعلى رأسهم صلاح الدين ديمرتاش وعثمان كفالا وعبد الله أوجلان.
حيث قال النائب عن حزب الشعوب سري ساكيك، في تجمّع جماهيري بولاية أرض روم قبل أيام: «سنفتح أبواب السجون، أنتم تطالبون بالحرية لصلاح الدين دميرطاش (زعيم الحزب السابق) سنكون في الميادين بالطبع، سنكسر السجون في جزيرة أمرلي (مكان اعتقال أوجلان) وسنجلب الحرية لأصدقائنا وللآلاف من أصدقائنا».
وعود المعارضة
ولم تتوقف وعود المعارضة التي تحدث عنها أعضاء في حزب اليسار الأخضر عند هذا الحد حيث تحدث بعضهم عن حصولهم على وعود تتعلق بالوقوف معهم في جانب طلب الإصلاح الدستوري والحكم الذاتي والذي يسعى الأكراد من خلاله إلى إعلان مناطق منفصلة تحت امرتهم بين تركيا وسوريا.
وتدريجيا بدأت ورقة وقوف الأكراد في صف المعارضة تضغط عليها، حيث أن الحصول على رضى فئة الأكراد تطلب من المعارضة تقديم تنازلات كبيرة وضعتها في موقف حرج أمام عدد كبير من الناس، حيث لم تتوقف الانشقاقات من صفوف الأحزاب الستة التابعة لتحالف الأمة لهذا السبب فكان أبرز سبب تحدث عنه المنشقون هو دعم التحالف لحزب العمال الكردستاني.
ويُقدّر عدد الناخبين الأكراد في تركيا ما بين 12-14 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين، البالغ عددهم قرابة 65 مليونا. ويتوزع الأكراد في مناطق جنوب شرق البلاد وفي أحياء داخل المدن الكبرى.
إلا أن وقوف الأحزاب الكردية إلى جانب المعارضة لا يعني انحياز كافة الأكراد للمعارضة، حيث رفض عدد كبير منهم اتجاه أحزابهم من التنظيمات الإرهابية وتوجههم السياسي من خلال مقاطع فيديو نشروها تحدثو فيها عن التغيير الذي أحدثه اردوغان منذ مجيئه، حيث انتشرت إلى حد كبير حوادث الاعتداء على الأكراد قديما في تركيا إلا أن الحزب الحاكم منحهم حقوقهم كاملة وأصبحو يستخدمون لغتهم بشكل طبيعي دون خوف كالماضي، بل وافتتح لهم قناة كردية ضمن شبكة التلفزيون التركي.
أعضاء في حزب اليسار الأخضر هددوا بشكل واضح وصريح تحالف الأمة الممثل للمعارض من الفترة اللاحقة للانتخابات حال فوزهم، وأطلقو تهديدات مفادها أننا سنحاسبهم إذا لم يقوموا بالوفاء بوعودهم لنا الأمر الذي واجه رفضا واستنكارا من الشارع أيضا متسائلين عن ماهية الوعود، ومؤكدين أن الحديث السابق عن التفاهمات بين الأكراد والمعارضة صحيح.
نائب مرشح تحالف الأمة منصور يافاش تحدث في لقاء صحافي عن تحالفهم مع الأحزاب الكردية مبررا ذلك بأنهم قد يلقوا السلاح وقد يساهموا في اقناع حزب العمال الكردستاني بالتوجه نحو السلم، الأمر الذي أثار انتقادات أخرى أيضا.
تجنيد الأطفال الأكراد
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حاول خلال اليومين الماضيين أن يوجه رسائل متعددة إلى الأكراد آخرها الخميس تعهد فيها بجعل تركيا أكثر حرية وأمانًا وازدهارًا لجميع مواطنيها، وسيبنى «قرن تركيا» بدعم أشقائها الأكراد.
وأشاد اردوغان، في تغريدة عبر تويتر، بالجهود الحثيثة التي بذلها حزب العدالة والتنمية لمنح الأكراد حقوقهم التي يستحقونها، منذ توليه السلطة عام 2022 وأكد أن الأشقاء الأكراد هم أقرب الشاهدين على الجهود الصادقة المبذولة حتى اليوم والتحديات التي تجاوزتها تركيا والمكائد التي حيكت ضدها في هذا الصدد.
وقال: «حتمًا كانت لدينا بعض النواقص وأمور أردنا القيام بها ولكننا لم نتمكن من ذلك إلا أن المكتسبات التي قدمناها لتركيا بمجال الحقوق والحريات واضحة» وشدّد الرئيس التركي على أن حكومته لن تسمح بتقويض هذه المكتسبات، وستتصدى لمحاولات إعادة إحياء تركيا القديمة التي كانت خاضعة لخطر الإرهاب.
كما تعهد اردوغان بالتصدي لكل من يحاول تجنيد الأطفال الأكراد المساكين، ويجبرهم على استهداف قوات الجيش والشرطة والمواطنين في عموم البلاد، وتابع «كل من يحاول استهداف سلامة شعبنا لصالح القوى الإمبريالية سيجدنا أمامه، ومن يحاول التعدي على حقوقكم سيجد أمامه طيب اردوغان وتحالف الشعب».
وأوضح أن حكومته ستواصل العمل حتى تصبح تركيا أكثر حرية وأمانًا وازدهارًا لجميع مواطنيها الـ85 مليونًا، وستبني «قرن تركيا» بدعم أشقائها الأكراد، و«قرن تركيا» رؤية أعلنها الرئيس رجب طيب اردوغان في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، وتتضمن البرامج وأهداف الجمهورية في المئوية الجديدة.
التحالف الحاكم حاول أن يبني علاقات سياسية هو الآخر مع الكرد حيث قام بالتحالف مع حزب الهدى الكردي الإسلامي، وهو متهم بأنه امتداد لـ«حزب الله» وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه يمتلك بين 1-2 في المئة من الأصوات فقط. وحسب رئيس الحزب زكريا يابجي أوغلو، فإن الحزب سيصل في هذه الانتخابات إلى ما بين 3-4 في المئة من الأصوات، ما يعني أن التحالف الكردي مع المعارضة أقوى وأشرس.
وتتصاعد التساؤلات حتى يومنا هذا من تأثير الأكراد على نتائج الانتخابات بشكل عام، وتتصاعد المخاوف من سيناريو مع بعد الانتخابات خاصة في حال انتصرت المعارضة فعليا والتي دخلت لأول مرة في تاريخها بهذه القوة في الانتخابات.
“القدس العربي”