نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا لمراسلتها لويز كالاهان حول ضحايا صناعة المخدرات التي يصدرها نظام الأسد للدول العربية، وقالت إن الكثيرين منهم لا يعرفون أنهم أدمنوا عليها إلا عند احتياجهم للمساعدة، ولهذا يذهبون إلى بريطانيا.
فقبل ثلاثة أعوام تقريبا، لاحظ رامز علي، وهو معالج إدمان من مدينة بيرمنغهام، تدفقا للرسائل النصية من مرضى، عادة من أبناء الطبقة المتوسطة العليا في السعودية والكويت، يشتكون فيها من القلق والأرق. وجاءوا إلى لندن أو أرسلتهم عائلاتهم للدراسة، ولكنهم جاءوا ومعهم أسرار: كلهم يعانون من إدمان الكبتاغون الذي ينتجه النظام السوري. وهي تجارة بمليارات الدولارات وحوّلت سوريا إلى دولة مخدرات.
ورغم مصادرة حبوب الكبتاغون المخبأة في حبات الرمان وعلب الحليب من صقلية إلى دبي، وبرغم الغارات الجوية على مصانع المخدرات والاشتباكات بين المهربين والقوات الأردنية، إلا أن تجارة الكبتاغون في توسع مستمر. وقبل عام 2011، لم يكن أحد يعرف أو لاحظ أن هناك مشكلة كبتاغون. وبعد 12 عاما من الحرب السورية، فإن حجم التجارة غير المشروعة أصبح 8.1 مليارات دولار بشكل تفوق على صادرات سوريا الشرعية.
وتحول الكبتاغون لورقة مقايضة مهمة في يد الأسد، وهو يحاول إنهاء وضعه كمنبوذ. ففي دول الخليج، يتعاطى العمال الوافدون المخدرات لكي يظلوا مستيقظين أثناء ورديات العمل التي تستمر 20 ساعة، إلى جانب أبناء الأثرياء الذين يشعرون بالملل في مجمعات آبائهم السكنية. وهم من يأتون إلى بريطانيا يشتكون من الأرق ويحاولون الحصول على وصفات طبية مهدئة.
والمشكلة خطيرة إلى درجة أن رامز علي، معالج الإدمان يتعاون مع صوفيا خالق، طبيبة العائلة في حي الأطباء في هارلي ستريت بلندن، من أجل إنشاء عيادة خاصة لمعالجة المدمنين على الكبتاغون من الشرق الأوسط. ونظرا للعدد الذي يأتي والذي يقدر أن واحدا من كل ثلاثة مرضى يحولون إليه يعاني من إدمان الكبتاغون، فهو يقدر أن المشكلة أكبر في بلدانهم وربما كانت “وباء مخفيا”. وفي دول مثل السعودية والكويت حيث يمُنع الكحول، فالكبتاغون رخيص ويمكن متعاطيه الوصول إلى حالة من النشوة. وتباع الحبة بـ15 دولارا، بناء على المكان الذي تشتريها منه.
وقالت خالق في عيادتها الفسيحة: “لا ينص القرآن على أنك لا تستطيع تناول الحبوب لتعزيز أدائك” مضيفة: “هناك تبعية للجسم على هذه العقاقير التي قد تخرج عن السيطرة”.
ففي البداية، تحسن الحبوب من التركيز وتقتل الشهية وتعطي الثقة بالنفس، ويُعتقد أن طلاب المدارس يتعاطونها للدراسة في وقت الامتحانات وسائقي الشاحنات والعائلات الفقيرة في سوريا ولبنان وطلاب الجامعات. وقال عامل نيبالي عمل في الإمارات: “الحبوب رخيصة وتعطي الكثير من الطاقة.. تستطيع العمل لساعات طويلة بدون الشعور بالتعب”.
لكن بعد تناولها لوقت طويل فهي تسبب الأرق والقلق والتغيرات المزاجية بسبب اعتياد الجسد عليها. ويشعر المدمنون على الحبوب أنهم بحاجة ماسة للمساعدة، ولكنهم لا يريدون أن تعرف عائلاتهم. وقال علي: “الغالبية هم من أبناء الطبقة المتوسطة ومن الذكور المتميزين بأدائهم، ولا تعرف عائلاتهم بالموضوع، وهو أمر صعب.. يذهبون للأطباء والصيادلة بحثاعن أدوية لعلاج القلق والأرق، وعندما يبحثون عميقا يجد الأطباء أنهم يتعاطون الحبوب”.
وتقول الدكتورة نيرمين الحوطي، الباحثة في الكويت والتي عملت بشكل واسع على الموضوع، إن هناك حاجة لزيادة الوعي بشأن طريقة معالجة الإدمان على الكبتاغون. وقالت: “لا توجد مستشفيات تقدم العلاج من الإدمان، ولو تحدثنا عن العائلات، سنجد أن معظمها يتعامل مع الإدمان كعار، ولا يمكن غفرانه لأنه سبة وفضيحة”.
وتم إنتاج الكبتاغون في ألمانيا خلال العقد السادس من القرن العشرين، لمعالجة اضطراب نقص الانتباه، وتم الكشف أنه يؤدي للإدمان وجرى منعه في 1986 والحد من إنتاجه. إلا أن الكميات المتبقية تم نقلها بحسب المحللين الذين يتابعون التجارة، من مراكز الإنتاج في شرق أوروبا إلى الشرق الأوسط عبر التجار الأتراك ومنطقة البلقان.
ووجد حزب الله اللبناني في الكبتاغون فرصة، وبدأ بإنتاجه على قاعدة واسعة وركز جهوده على منطقة البقاع في لبنان. ثم جاء دور الأسد الديكتاتور اليائس الذي حول الكبتاغون لتجارة بمليارات الدولارات، فقد كان بحاجة للمال بأي وسيلة، نظرا للحرب الأهلية التي دمرت الاقتصاد وأدت لفرض عقوبات على النظام.
وبدأ عملاء النظام بإنشاء المصانع وسيطروا على التجارة. وتشير الصحيفة إلى صاحب مصنع في سوريا أخبرها في عام 2020 عن طلب النظام منه التخلي عن المصنع لأنه سيحوله إلى صناعة الكبتاغون. وأصبحت المادة مطلوبة بين مقاتلي تنظيم الدولة والمعارضين للنظام السوري، حيث أقبلوا عليها لأنها تعطيهم القدرة على السهر والقتال بشراسة أثناء المعارك.
ولم تعد حبوب الكبتاغون المصنعة حاليا تحتوي على الفينيثلين إلا نادرا، وهي مصنعة تحديدا من مزيج يحتوي على الأمفيتامين والكافيين ومواد كيماوية بما فيها كوينين، وسهلة التصنيع. ويتم إنتاج الحبوب في مصانع كبيرة أو مؤقتة داخل الشقق والبيوت.
وعمل النظام السوري مع حلفائه في حزب الله والجماعات المسلحة على إنتاج الكبتاغون، وبات شقيق الرئيس، ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة مسؤولا عن صناعة بالمليارات تنتج وتوزع حول العالم، مع أنها لم تصل بعد إلى شوارع لندن.
وأعطت تجارة الكبتاغون الأسد القوة السياسية إلى جانب القوة المالية، حيث تقدر قيمتها من بضع مليارات الدولارات إلى 50 مليار دولار.
وتقول كارولين روز، الباحثة في معهد نيولاينز للإستراتيجية والسياسة في واشنطن: “يعتبر الكبتاغون واحدا من أبرز البدائل التي تضخ الموارد للنظام السوري واللاعبين المنضوين تحت لوائه، وهي مصدر كبير لإدامة سيطرته على المناطق، وكذلك مصدر للمصداقية والقوة السياسية في المجتمعات المحلية، ولا يسهم الكبتاغون بملء جيوبهم فقط، ولكن في سيطرتهم وتأثيرهم على المنطقة”.
ومن الصعب المبالغة في تقدير حجم إنتاج المادة، ففي العام الماضي صودرت 370 مليون حبة في المنطقة، حيث تم العثور عليها في حبات برتقال بلاستيكية، وداخل فواكه حقيقية، وعلب البيض وظروف القهوة والألواح الخشبية. وتخرج معظم الشحنات من ميناء اللاذقية الذي يقع تحت سيطرة النظام. وفي عام 2020، عثرت قوات خفر السواحل الإيطالية على 14 طنا من الكبتاغون في ميناء نابولي، مخبأ في محركات، وقدرت قيمتها بمليار يورو.
وتواجه دول الشرق الأوسط مشكلة في التصدي لتدفق حبوب الكبتاغون، فرغم الكشف عن مصادرة كميات كبيرة منها، إلا أنها تهرّب برا إلى دول الخليج عبر الأردن والعراق. وقال كرم شعار من معهد نيولاينز: “تشير معظم الأدلة إلى أن غالبية الإنتاج يحدث في مناطق النظام”.
وقام الأردن هذا الشهر الذي طالما لاحق المهربين وتجار الكبتاغون، بشن غارات جوية على جنوب سوريا، وقُتل فيها مهرب وتاجر سلاح مع زوجته وأطفاله الستة.
وأعلنت دول مثل السعودية والعراق عن إجراءات لوقف تجارة الكبتاغون، إلا أنها غير قادرة على مواجهة الحجم الكبير من الإنتاج. وشنت الدول الغربية حملة لملاحقة التجارة.
وفي العام الماضي، وقّع الرئيس جو بايدن على قرار لمواجهة تجارة الكبتاغون. وفي آذار/ مارس، فرضت بريطانيا عقوبات على عدد من السوريين واللبنانيين وقادة الميليشيات وأقارب للأسد الذين زعمت أن لهم علاقة بالكبتاغون.
“القدس العربي”