وجاء في مقدمة المترجم: نشأ اهتمامي بترجمة “الكراسات الثماني” أثناء ترجمتي لكتاب ف. ج. زيبالد “دوار. أحاسيس” الذي يتخذ من قصة “الصياد غراكوس” لكافكا موتيفة أساسية تمرق بتفصيلات متنوعة عبر فصول الكتاب الأربعة، مع تخصيص فصل خاص عن كافكا وأزمته الحياتية وتسليط الضوء على هذه القصة ذات المغزى المهم في أعمال كافكا. ومن هنا بدأ بحثي عن “الكراسات الثماني” التي دوّن فيها كافكا هذه القصة بصياغات عديدة. وقد شرعتُ بالفعل في ترجمة “الكراسات” وفقًا لنسخة مجانية متاحة على منصة مكتبة “غوتنبرع” الإلكترونية، ولكن سرعان ما اكتشفت أنني أعمل على الطبعة التي نشرها ماكس برود عام 1931 بترتيب مختلف عن المخطوطات الأصلية وحجمها لا يتعدى الثمانين صفحة. أراد ماكس برود أن يقدم للقارئ نصوصًا متماسكة وذات مغزى، وبالتالي تخلص من الكثير من النصوص غير المكتملة، وغيّر ترتيب الكراسات أو نقل بعض النصوص مثل “لدى بناء سور الصين” إلى مجلدات أخرى، أو قام حتى بدمج محاولات مختلفة لكتابة أحد النصوص في نص واحد ومثال على ذلك قصة “الصياد غراكوس” وأيضا “تقرير إلى أكاديمية”. أما الشذرات التي كتبها كافكا في الكراستين الأخيرتين، ثم أعاد تدوينها مرقمة على قصاصات خارجية، فقد نشرها برود أيضا عام 1931 في طبعة خاصة بعنوان “تأملات حول الخطيئة والأمل والمعاناة والطريق الحقيقي”، محاولًا بهذا العنوان إضفاء صبغة دينية إيجابية عليها. وهو ما يناقض تمامًا أفكار كافكا الذي قال لبرود في حوار بينهما: “نحن أفكار عدمية وانتحارية تخطر ببال الله…عالمنا ليس سوى اعتلال في المزاج الإلهي، ليس سوى يوم رديء من أيامه… نعم هناك ما يكفي من الأمل، بل ما لانهاية له من الأمل، لكنه ليس لنا.” (من مقال “فرانز كافكا، في الذكرى العاشرة لرحيله” لفالتر بنيامين، ترجمة هيثم الورداني).
شذرات
1
يمر الطريق الحقيقي فوق حبل غير مشدود على ارتفاع عالٍ، ولكن فوق الأرض بقليل. يبدو أنه مصنوع من أجل التعثر فيه أكثر من السير عليه.
2
كل الأخطاء الإنسانية هي عدم صبر، إنهاء مبكر لما هو منهجي، ترسيخ ظاهري للشيء الظاهري.
3
ثمة خطيئتان إنسانيتان أساسيتان، تنبثق منهما كل الخطايا الأخرى: عدم الصبر والإهمال. بسبب عدم الصبر طردا من الجنة، وبسبب الإهمال لا يعودان إليها. وربما توجد خطيئة أساسية واحدة: عدم الصبر. بسبب عدم الصبر طردا من الجنة وبسبب عدم الصبر لا يعودان إليها.*
4
تنشغل ظلال كثيرة للراحلين فقط بلعق فيضانات نهر الموت، لأنه ينبع منا ولا يزال يحتفظ بالطعم المالح لبحارنا. ينتفض النهر متقززا، ويعود بتياره للوراء ويطفو بالموتى عائدًا بهم إلى الحياة. لكنهم سعداء، ينشدون أغاني الامتنان ويربتون على الغاضب.
5
عند نقطة معينة ليس ثمة تراجع. الوصول لهذه النقطة ممكن.
6
اللحظة الحاسمة للتطور الإنساني مستمرة. لذلك تكون الحركات الفكرية الثورية التي تعلن بطلان كل ما هو سابق على حق، فلم يحدث شيء بعد.
8/9
كلبة نتنة الرائحة، كثيرة الولادات، وقد أصاب العطن أجزاًء من جسمها، لكنها كانت تمثل لي في طفولتي كل شيء، في وفاء كانت تتبعني على الدوام، لم تمكنني نفسي من ضربها، وأمامها كنت أتراجع خطوات للوراء، متقززًا من أنفاسها، وكانت هي التي ستدفعني، إن لم أتخذ قرارًا آخر، إلى زوايا الجدار المرئية، لكي تتحلل هناك تمامًا، فوقي ومعي، حتى النهاية، هل يشرفني ذلك؟- الصديد ولحم الدود في لسانها على يدي.
10
أ متكبر جدا، ويظن أنه متقدم جدا في الخير، لأنه يشعر أنه كموضوع جذاب دائما ما يكون عرضة على نحو متزايد للإغواءات القادمة من اتجاهات مجهولة له تمامًا حتى الآن. لكن التفسير الصحيح هو أن شيطانًا كبيرًا قد اتخذ مكانًا داخله والعدد الذي لا يحصى من الشياطين الصغيرة يهرع لخدمة الكبير.
11/12
اختلاف الرؤى، الذي يمكن للمرء أن يناله من تفاحة مثلًا. رؤية الصبي الصغير الذي يتحتم عليه مد عنقه لكي يتمكن بالكاد من رؤية التفاحة على لوح المائدة ورؤية سيد البيت الذي يأخذ التفاحة ويعطيها بتلقائية لرفيق المائدة.
“المدن”