جيني جاكوبي* – (تقرير واشنطن حول شؤون الشرق الأوسط) 2023/8/12
تعكف إسرائيل على مهمة أن تصبح “قوة عظمى” للذكاء الاصطناعي، كما قال اللواء الإسرائيلي المتقاعد إيال زامير في وقت سابق من هذا العام. ومن المرجح أن يواجه الفلسطينيون، الذين يخضعون مُسبقًا للمراقبة الجماعية الإسرائيلية وتقنيات التعرف على الوجه، مخاطر أكبر مع نمو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما قال المتحدثون في ندوة عبر الإنترنت نظمها “المركز العربي في واشنطن العاصمة” في 15 حزيران (يونيو) بعنوان “الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: قضية المراقبة الإسرائيلية للفلسطينيين”.
وأشارت منى اشتية، الزميلة غير المقيمة في “معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط”، إلى حالة الواقع في فلسطين على أنها “بانوبتيكون”(1). وقالت: “إنك مراقب، يتم التجسس عليك، وتتم مراقبتك كل الوقت -إذا كنت تمشي في الشوارع، وإذا كنت في ساحة عامة، وإذا كنت على الإنترنت”.
ويخلف هذا الواقع حصيلته فعليًا على واقع العلاقات الشخصية للفلسطينيين. وأشارت اشتية إلى أن الناس يجدون حلولاً بديلة، مثل تحويل المحادثات الهاتفية، لكن “العلاقات تنهار” بسبب الشك المستمر، كما تحدثت اشتية عن نقص الثقة المتزايد، “ليس بين الناس والحكومة فحسب، ولكن أيضًا بين الناس أنفسهم داخل المجتمع نفسه”.
أحد العوامل الرئيسية لدور إسرائيل الرائد في قطاع الذكاء الاصطناعي هو “العلاقات الوثيقة التي تم تطويرها والحفاظ عليها بين الجيش وصناعة التكنولوجيا الإسرائيلية”، كما تلاحظ صوفيا غودفند، طالبة الدكتوراه في جامعة ديوك. وأوضحت غودفند أن وحدات الاستخبارات الإسرائيلية نمت بشكل كبير من 2002-2010، بحيث أصبح هناك اليوم عدد من الجنود في وحدات الاستخبارات الإسرائيلية أكبر من عدد أولئك الذين يخدمون في القوات البحرية. وتجدر ملاحظة أن العديد من شركات الذكاء الاصطناعي الخاصة يقودها عسكريون سابقون، مما يغذي الحلقة غير المنفصلة التي تربط بين الصناعات العسكرية والتكنولوجية في إسرائيل.
قبل بضعة أشهر، وفي تقرير لها بعنوان “الفصل العنصري الآلي”، كشفت منظمة العفو الدولية عن الكيفية التي تديم بها تقنيات الذكاء الاصطناعي حالة الفصل العنصري في فلسطين. وذكر التقرير أن الذكاء الاصطناعي كان حاسمًا في تقييد الحركة وتعزيز الفصل بين الفلسطينيين من خلال قواعد البيانات وتكنولوجيا التعرف على الوجه والبنية التحتية المادية. وفي القدس الشرقية، تراقب “مابات 2000″، وهي شبكة مراقبة تضم آلاف الكاميرات، تحركات الفلسطينيين اليومية وتحدد هوية المتظاهرين بشكل خاص. وفي الخليل، يتم جمع البيانات البيومترية بشكل غير توافقي مع “الذئب الأحمر”، وهي أحدث التقنيات التي تضيف إلى أنظمة “الذئب الأزرق” و”قطيع الذئاب” المستخدمة مسبقًا.
وأشارت اشتية أيضًا إلى تطوير نظام “مطلِق النار الذكي”، وهو بندقية آلية مثبة في المناطق الفلسطينية قادرة على نشر الغاز المسيل للدموع والرصاص الإسفنجي والمطاطي. وقالت: “نحن نتحدث عن مختبر مفتوح حيث يقومون أولاً بتطوير ثم اختبار مثل هذه الأنواع من التقنيات على الفلسطينيين قبل البدء في بيعها في مختلف أنحاء العالم”.
منظمة العفو الدولية هي واحدة من الأصوات الرائدة في الحملة ضد تكنولوجيا التعرف على الوجه، وما تزال كذلك منذ العام 2020. وقالت رشا عبد الرحيم، مديرة برنامج التكنولوجيا في منظمة العفو الدولية: “إننا نعتبر تقنيات التعرف على الوجه لتحديد الهوية أداة للمراقبة الجماعية، وهو ما لا يشكل أبدًا تدخلاً متناسبًا مع الحق في الخصوصية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، والتجمع السلمي”.
ليست الخصوصية حقًا مطلقًا، كما أشار روهان تالبوت، مدير المناصرة وتنظيم الحملات في “منظمة العون الطبي للفلسطينيين”. ومع ذلك، وضع القانون الدولي لحقوق الإنسان اختبارًا من أربعة أجزاء لتبرير التدخلات في الخصوصية، بما في ذلك أنها يجب أن تكون على أساس قوانين واضحة ودقيقة ولمصلحة مسائل خطيرة مثل الأمن أو الصحة. وقال تالبوت: “لا يمكن أن تكون هذه المتطلبات صحيحة أبدًا بالنسبة لتقنية المراقبة الجماعية المعممة التي تعالج البيانات البيومترية لجميع الأشخاص الذين يعبرون مسار شبكة الكاميرات. يجب أن يتم التدخل في الخصوصية على أساس كل حالة على حدة، وألا يكون شاملاً بطبيعته كما يبدو أنه واقع الحال في الضفة الغربية”.
*جيني جاكوبي Jenny Jacoby: مؤلفة ومحررة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Destructive Impact of Israel’s Artificial Intelligence Industry
هامش المترجم:
(1) البانوبتيكون panopticon: هو تصميم لمبنى مؤسسي مع نظام سيطرة وتحكم مدمج، ابتكره الفيلسوف الإنجليزي والمنظر الاجتماعي جيريمي بنثام في القرن الثامن عشر. المفهوم هو السماح لجميع سجناء مؤسسة ما أن يراقبهم حارس أمن واحد، من دون أن يعرف النزلاء ما إذا كانوا يخضعون للمراقبة أم لا. على الرغم من أنه من المستحيل فيزيائيًا على حارس مفرد أن يراقب جميع زنازين النزلاء في وقت واحد، فإن حقيقة أن النزلاء لا يستطيعون معرفة متى تتم مراقبتهم يحفزهم على التصرف كما لو أنهم جميعًا مراقبون في جميع الأوقات. وهم يُجبرون فعليًا على الانضباط. تتكون العمارة من قاعة مستديرة مع دار مراقبة في وسطها. من المركز، يمكن للمدير أو الموظفين مشاهدة النزلاء. وتصور بنثام الخطة الأساسية على أنها قابلة للتطبيق بالمقدار نفسه في المستشفيات والمدارس والمصحات. وكرس معظم جهوده لتطوير تصميم لسجن البانوبتيكون، لذلك يشير المصطلح الآن إلى ذلك عادةً.
(2) “قطيع الذئاب” Wolf Pack: هي قاعدة بيانات واسعة تحتوي على جميع المعلومات المتاحة عن الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مكان إقامتهم، ومن هم أفراد عائلاتهم، وما إذا كانوا مطلوبين لاستجوابهم من قبل السلطات الإسرائيلية. و”الذئب الأزرق” Blue Wolf هو تطبيق يمكن للقوات الإسرائيلية الوصول إليه عبر الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ويمكنه على الفور سحب المعلومات المخزنة في قاعدة بيانات “قطيع الذئاب”. وعندما يمر فلسطيني عبر نقطة تفتيش حيث يعمل “الذئب الأحمر” Red Wolf، يتم مسح وجهه من دون علمه أو موافقته، ومقارنته بإدخالات المقاييس الحيوية في قواعد البيانات التي تحتوي حصريًا على معلومات عن الفلسطينيين. ويستخدم “الذئب الأحمر” هذه البيانات لتحديد ما إذا كان يمكن للفرد اجتياز نقطة تفتيش، ويقوم تلقائيًا بتسجيل أي وجه جديد يقوم بمسحه ضوئيًا.
“الغد”