لندن – دمشق : وصل رئيس النظام السوري بشار الأسد برفقة زوجته على رأس وفد دبلوماسي واقتصادي رفيع المستوى، أمس الخميس، إلى الصين في أوّل زيارة رسمية له، منذ عام 2004، تلبية لدعوة من الرئيس شي جينبينغ. وعرض تلفزيون “سي سي تي في” الرسمي في الصين بثاً مباشراً لوصول الأسد إلى خانجو، حيث سيشارك في افتتاح الألعاب الآسيوية، في دورتها الـ19، السبت، مع نظيره الصيني شي جين بينغ.
وأفادت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، الخميس، أن الرئيس الصيني أرسل طائرة رئاسية خاصة لتقل بشار الأسد وزوجته والوفد المرافق، إلى مدينة تقع أقصى شرق الصين في مقاطعة شيشانغ. ومن المقرر أن يعقد الرئيسان لقاء قمة وجلسة مباحثات بحضور الوفد السوري المرافق، ثم سينتقل الرئيس السوري إلى العاصمة بكين، للقاء كبار المسؤولين الصينيين والبحث في آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث من المرجح أن يتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية.
ويرافق بشار الأسد وفد رسمي يضم وزراء ومستشارين. وتأتي زيارة بشار الأسد إلى الصين واللقاءات التي سيجريها وما سينتج عنها من اتفاقيات، في وقت تتحضر فيه بكين لاستضافة مؤتمر الحزام والطريق الذي سينطلق الشهر المقبل وبحضور ممثلين من أكثر من 110 دول حيث تولي الصين أهمية كبيرة لاستكمال مشروعها في تعزيز تنمية العلاقات التجارية بين هذه الدول ومساعدتها في تطوير بنيتها التحتية. وانضمت سوريا رسمياً لمبادرة «الحزام والطريق» في كانون الثاني من عام 2022 واعتبر بشار الأسد في تصريحات سابقة له أن المبادرة شكلت تحولاً استراتيجياً على مستوى العلاقات الدولية في العالم، حيث تعتمد على الشراكة والمصالح المشتركة عوضاً عن محاولات الهيمنة التي يتبعها الغرب.
في غضون ذلك استكملت مدينة خانجو استعداداتها لاستضافة دورة ألعاب آسيا حيث سيحضر حفل الافتتاح عدد من ملوك ورؤساء آسيا، وكبار المسؤولين فيها. من جهتها، أكدت وزارة الخارجية الصينية، أن الزيارة التي بدأها رئيس النظام السوري إلى الصين، تشكّل فرصة لدفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد. وقالت ماو نينغ في مؤتمر صحافي، الخميس: “نرى أن زيارة الرئيس بشار الأسد ستعمّق الثقة السياسية المتبادلة والتعاون في مجالات مختلفة بين البلدين، بما يدفع العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد”، حسب ما نقلت وكالة الأنباء السورية (سانا). وعلقت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لمراسلتيها رجا عبد الرحيم وتيفاني مي على زيارة الأسد إلى الصين، وقالتا إن الهدف منها هو البحث عن تمويل لإعادة إعمار سوريا التي دمرتها الحرب وكسر العزلة الدولية.
انتهاكات النظام
وتتهم حكومة الأسد باستخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين وتعذيب آلاف المعارضين في شبكة سرية من السجون ومحاصرة المدن والبلدات في النزاع الذي خلّف نصف مليون قتيل. وفي وضع دخلت فيه الحرب حالة من الجمود، يتطلع الأسد للاستثمارات من أجل إعادة بناء البلاد، ولم يتم التقدم في هذا المجال بسبب العقوبات الغربية المفروضة على النظام السوري. وترفض الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية تمويل عمليات إعادة الإعمار بدون تسوية سياسية كما نص عليها قرار الأمم المتحدة.
ومن غير المتوقع أن تضع الصين شروطاً سياسية مقابل المساهمة في إعادة إعمار سوريا، فقد دعمت موقف الأسد إلى جانب روسيا واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن، وكانت آخر مرة في 2020 لمنع قرارات تتعلق بسوريا. واستطاع الأسد بدعم من روسيا وإيران استعادة معظم المناطق التي خرجت عن سيطرته في الحرب، لكنه يقود اليوم بلداً فقيراً يواجه أزمة اقتصادية واحتجاجات جديدة بسبب ظروف المعيشة.
وأعلن الأسد في 2022 عن خطط للمشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وأثنى على الدور الصيني في التوسط بالمصالحة بين السعودية وإيران. وفي أيار/مايو دعي للمشاركة في قمة الجامعة العربية، مع أن عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع بعض الدول توقف. وكانت طائرة الأسد قد هبطت في مطار غوانزهو وسيحضر دورة الألعاب الآسيوية التي ستبدأ يوم السبت، وجاء إلى الصين عاقداً الآمال الكبيرة إن لم تكن توقعات ضخمة، بشأن ما يمكن لبكين تقديمه لبلده، حسبما يقول المحللون. وترى جوليا غيرول- هيلر الباحثة في دراسات ما بعد الدكتوراه بجامعة فرايبورغ الألمانية “الأمل هو إمكانية استخدام الصين دورها كوسيط بين سوريا، تركيا، إيران وروسيا وتساعد على استعادة حكومة الأسد على البلد”.
مكان استراتيجي
وعلى المدى البعيد ترى الصين في ميناء اللاذقية مكاناً استراتيجياً مهماً في طموحاتها لأن يكون لها موطئ قدم في الشرق الأوسط كما تقول غيرول – هيلر، ولكن الصين كانت حذرة وظلت تحاول ممارسة حضور متواضع في سوريا. وما يهم في زيارة الأسد، أنها فرصة لبكين لاستعراض قوتها الدبلوماسية في وقت تواجه فيه الصين منافسة قوية من الولايات المتحدة للتأثير الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط. وعندما زار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس بكين في شهر حزيران/يونيو عرض عليه التوسط في محادثات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن المتوقع عرض نفس الأمر على بنيامين نتنياهو الذي سيزور الصين في وقت لاحق من هذا العام.
ويرى جوناثان فولتون من المجلس الأطلنطي بواشنطن أن قدرة الصين على التوسط بين دول متنازعة في المنطقة محدودة بسبب قلة الخبرة والمعرفة. و”الجزء الأكبر هو وصول زعيم بلد آخر ليقول: سننضم إلى هذه المبادرات وندعم رؤية بكين حول كيفية عمل السياسة الدولية” حسب الصحيفة نفسها.
“القدس العربي”