كشفت صحيفة “الغارديان” أن شركة رصد المواقف العامة المعروفة باسم إيدلمان، التي تقيس “باروميتر الثقة”، أنها كانت تتلقى أموالا من زبائنها في الإمارات العربية المتحدة والسعودية والصين وسنغافورة. فرغم أن شركة العلاقات العامة قدمت نتائج أشارت إلى أن المواطنين في دول شمولية واستبدادية يميلون للثقة بحكوماتهم أكثر من الدول الديمقراطية، إلا أنها لم تكشف عن العلاقات المالية مع هذه الدول.
وفي تقرير أعده أدم لويستين من واشنطن قال فيه إن شركة إيدلمان تعمل مع زبون سيكون المركز عندما يتدفق قادة العالم على أراضيه للمشاركة في قمة المناخ أو كوب 28، بالإشارة إلى أبوظبي. وحللت صحيفة “الغارديان” والمنظمة غير الربحية “أريا” باروميتر الثقة الذي تقوم به إيدلمان وكذا قانون التسجيل للعملاء الأجانب المعروف بفارا والسجلات المقدمة لوزارة العدل الأمريكية والتي تعود إلى عام 2001، عندما أصدرت إيدلمان أول دراسة مسحية للثقة لها.
ويتطلب القانون من الشركات نشر معلومات معينة حول عمليات اللوبي والعمل نيابة عن الحكومات الأجنبية. وعملت إيدلمان والشركات التابعة لها على الترويج للحكومات المستبدة وروايتها وصورتها التي ترغب بنشرها. ويقول الخبراء إن الإستطلاعات التي تقوم بها المؤسسات المتخصصة عادة ما تفرط في التأكيد على الملامح المحبذة للأنظمة المستبدة لأن المشاركين في الاستطلاعات عادة ما يخافون من الانتقام لو قدموا إجابات غير مرضية.
ولم يمنع ذلك هذه الحكومات من استخدام نتائج إيدلمان لتعزيز صورتها وتمسكها بالسلطة. وتقول أليسون تيلور، الأستاذة في كلية التجارة بجامعة نيويورك، إن باوميتر الثقة لإيدلمان تمت الإشارة إليه على أنه شيء موثوق وبحث موضوعي من مركز باحث مع أن هناك أرضية تجارية وأداة تسويق. و”في الحد الأدنى، كان على الشركة أن تكشف عن هذه العلاقات المالية وكجزء من الدراسة، لكنها لم تفعل هذا”.
وجاء في بيان من المتحدث باسم إيدلمان للغارديان “كشركة عالمية، من المهم العمل مع الزبائن وفي الأسواق حول العالم والتي تتحول اقتصاديا وسياسيا واحتماعيا وبيئيا وثقافيا”. و”نعتقد أن وجودنا في الشرق الأوسط يمكن أن يساعد على النصيحة من خلال تقديم المشورة للمنظمات المؤثرة وبشأن التوقعات للتجارة والماركات اليوم وبناء علاقات مساهمة”.
وأصبحت حكومة الإمارات أهم زبون لإيدلمان في 2007، وعلى مدى العامين التاليين، كما تقول منظمة “ديزموغ” غير الربحية التي تحقق في التضليل البيئي، حصلت إيدلمان على 6 ملايين من دولار لعملها في تحسين سمعة الإمارات وشركة النفط الوطنية (أدنوك) واستدامتها، وهو ما قاد إلى اختيار الإمارات لاستضافة مؤتمر المناخ.
وفي عام 2010، وقعت إيلدمان وشركة تابعة لها على عقدين آخرين للعمل نيابة عن الحكومة الإماراتية بما فيها إنتاج “بيلتووي باروميتر”، وهي المنطقة التي تعمل فيها وزارات الحكومة الأمريكية من أجل قياس الرأي العام، “بين صناع السياسية والمؤثرين في واشنطن العاصمة”. وظهرت الإمارات في العام التالي ولأول مرة على باروميتر الثقة لإيدلمان.
ولم ترد الشركة على أسئلة الصحيفة حول سبب ضم الإمارات في الباروميتر وإن كانت الشركة تعرض على الزبائن فرصة لكي تشمل في الباروميتر.
ومنذ ظهور الإمارات عام 2011، أكد الباروميتر أن سكان الإمارات يثقون بقوة في حكومتهم وهو أمر كانت الحكومة وإيدلمان سعيدتين بالمصادقة عليه. وغرد حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد المكتوم، رئيس الوزراء ونائب الرئيس في 2014، قائلا “بحسب إيلدمان، شركة مقرها في نيويورك، فإن خطط واستراتيجيات الإمارات العربية المتحدة أسهمت في الثقة بأدائها الذي حصلت عليه على مدى العام”. وأضاف أن “ثقة الشعب بالحكومة هو نتيجة للعلاقة الوثيقة معهم وتوفير احتياجاتهم ومطالبهم”.
واستخدم توم دونهاوسر، الذي كان مدير لعملية إيدلمان في الإمارات، نفس اللغة عام 2018 وعلى مدونة الشركة “هذا العام، اقترح باروميتر الثقة لإيلدمان أن جهود الحكومة لحماية الرأي العام من الأخبار الزائفة أثمر ثماره”. وبعد ثلاثة أشهر من مديح دونهاوسر الإمارات لمواجهة الأخبار المزيفة وتوحيد البلاد خلف هدف واحد ورفع مستويات الثقة، حكمت محكمة إماراتية على الناشط أحمد منصور بالسجن لمدة 10 أعوام بتهم “نشر المعلومات الخاطئة والشائعات والأكاذيب عن الإمارات العربية المتحدة” على تويتر وفسبوك بحيث “تضر بالانسجام الاجتماعي والوحدة في الإمارات”.
واعتقل منصور في العام السابق لنشر الطائفية والكراهية على الإنترنت، وهو سجين حتى الآن. ولم يرد دونهاوسر الذي لم يعد يعمل مع إيلدمان للتعليق.
وفي شباط/فبراير سئل مدير إيدلمان، ريتشارد إيلدمان عن السبب الذي يجعل الأنظمة الشمولية تحصل على نتائج محبذة أكثر في باروميتر الثقة، وذلك بنقاش بالمجلس الأطلنطي قال “هناك فرضية واحدة تقول إن الخلافات بين المعلومات التي تنشرها الحكومات في هذه الدول وما ينشر في الإعلام صغير، أما هنا، فكما تعرف فالإعلام يقوم بوظيفته”. وأضاف “أنا لست معجبا بالأنظمة الشمولية ولكنني نشأت في ديمقراطيات، ولكن النظام يعمل في إطار الثقة وهذا كل ما أستطيع قوله”. وفي أثناء حديثه أمام المجلس الأطلنطي كانت الشركة على علاقة بأربعة عقود مع الإمارات والسعودية، ووافقت على القيام بعمل إضافي لهما. وكان ريتشارد إيلدمان عندما تحدث مسجلا لدى الحكومة الأمريكية كي يمثل مصالح وزارة الثقافة السعودية.
ووصفت بوليتكو قراره للتسجيل كعميل أجنبي بأنه تحرك نادر لمدير شركة ضخمة. وقال المتحدث باسم الشركة “لدينا أكثر من ألفي عميل حول العالم وتغطي القطاع الصناعي العام والخاص”. ونمت تجارة إيلدمان في السنوات الأخيرة بشكل كبير بالشرق الأوسط بعدما نمت علاقاتها مع السعودية.
وتشمل دراسات الثقة التي تقوم بها على أعمال ميدانية ومقابلات هاتفية والتي تستنج منها نتائجها. وألغت الشركة دولا من باروميتر الثقة بسبب الظروف الجيوسياسية مثل روسيا التي ظلت علاقتها قائمة ما بين 2007- 2022، ولكنها قررت في 2023 ضم الدولة التي غزتها روسيا، أوكرانيا. وطالما استخدم الإعلام السعودي نتائج إيلدمان التي تقول إنها مجرد “بيانات وليس رأيا”.
“القدس العربي”