قدّم وزير الخارجية المصري سامح شكري مزاودة صادمة على تعليق وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني بشأن استحالة السلام بوجود «حماس» فطالب بمحاسبة من عزز وموّل الحركة، وقدّم المبرّرات لذلك بالقول إن الحركة «كانت من خارج الأغلبية المقبولة للشعب الفلسطيني» وأنها رفضت التسوية بعدم اعترافها بإسرائيل!
المفارقة الأولى هي أن يجري التصريح الآنف في الوقت الذي يتعرّض له الفلسطينيون، في غزة، لأشكال من الإبادة الجماعية، وهو أمر طالبت محكمة العدل الدولية تل أبيب باتخاذ إجراءات لمنعه، وتقوم القاهرة نفسها، التي يرأس شكري جهازها الدبلوماسي، بتقديم مرافعة ضد إسرائيل في المحكمة نفسها، ويصل عدد الشهداء الفلسطينيين لقرابة 29 ألفا، وتتجهّز الدولة العبرية لمهاجمة رفح، التي تكتظ بقرابة مليون ونصف المليون فلسطيني، وتستعد مصر لاحتمال لجوء عشرات الآلاف منهم إلى سيناء.
المفارقة الثانية هي حصول هجوم شكري على «حماس» باعتبارها ترفض التسوية، في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة الإسرائيلية، رفض التسوية مع الفلسطينيين جميعهم، بمن فيهم من يسميهم شكري بـ«الأغلبية المقبولة للشعب الفلسطيني» والذين ذكر ضمنهم السلطة الفلسطينية، ومن اعترفوا بإسرائيل، و«تنازلوا عن العنف». فوق ذلك، فإن رفض التسوية لم يقتصر على حكومة العنصريين المتطرفين، بل ضمّت أيضا المعارضة الإسرائيلية، على لسان زعيمها يائير لبيد، بل أن وزير الطاقة، إيلي كوهين (الذي كان وزير خارجية قبلها) وسّع الرفض ليضمّ الدول العربية المطبّعة (وبينها مصر طبعا) في حال أصرّت على «الدولة الفلسطينية»!
المفارقة الثالثة هي أن تجيء هذه التصريحات من وزير خارجية مصر، الدولة العربية الوحيدة التي لها حدود مع القطاع، وهي المورد الرئيسي لكل شيء في غزة، وكانت تسيطر عليه حتى عام 1967، وفي الوقت الذي تنكبُّ دول غير عربية مثل جنوب افريقيا، وبوليفيا، والبرازيل، وتركيا، وحتى دول أوروبية، بالدفاع عن الفلسطينيين وإدانة إسرائيل، ويؤكد منسق الإغاثة في الأمم المتحدة أن المنظمة الدولية لا تعتبر «حماس» حركة إرهابية.
كلام شكري فيه تضليل كبير، وهو يتجاهل وقائع تاريخية شديدة الأهمية. حديث شكري عن أن «حماس» هي خارج الإجماع الفلسطيني يفنده فوز الحركة عام 2006 بـ76 من 132 مقعدا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وقام زعيم الحركة إسماعيل هنية حينها بأداء اليمين الدستورية رئيسا للوزراء أمام رئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس، ولكن المواقف الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية، الرافضة حينها، أدّت للانقلاب على النتائج الديمقراطية (كما هو الحال في أكثر من بلد عربي) وفرض إسرائيل حصارا خانقا على قطاع غزة، برا وبحرا وجوا، وشنّت عليه ثلاث حروب، وهي المقدمات التي أدت إلى الانفجار الكبير في 7 تشرين أول/أكتوبر الماضي.
تطايرت شظايا هذه التصريحات البائسة واستشاطت غضبا عربيا كبيرا يمكن التمثيل على مداه في أقوال على وسائل التواصل الاجتماعي، قال أحدها: «فضحتونا أمام الأمم»!