ملخص
تنصب اهتمامات النظام الإيراني على رفع مستوى المشاركة الشعبية خلال الانتخابات المقبلة، وأن تتجاوز نسبة 60 في المئة بما يخدم إعادة ترميم مشروعيته.
حسم إصلاحيو إيران أمرهم واتخذوا قراراً بإجماع أعضاء الجمعية العمومية لجبهة الإصلاحات بإعلان مشاركتهم في السباق الانتخابي لملء الفراغ في قيادة السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي في حادثة سقوط المروحية التي كانت تقله مع الوفد المرافق.
قرار المشاركة الإصلاحية جاء بعد سلسلة من الاجتماعات الماراثونية بهدف حسم الموقف، إما بالمشاركة أو عدمها، على عكس الانتخابات السابقة التي جاءت برئيسي عام 2012 عندما أعلنت المقاطعة لكنها تركت في الوقت نفسه الحرية لأحزاب الجبهة وقواعدها الشعبية باتخاذ القرار الذي يناسبها.
الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي يعتبر “الأب الروحي” للتيار الإصلاحي، وأبدى باكراً ميلاً كبيراً لعودة الخطاب الاصلاحي ليكون فاعلاً على الساحة والمشهد السياسي الإيراني في هذه المرحلة، ولذلك انشغل بالبحث عن مرشح واضح يحمل هذا الخطاب، وعندما لم تنجح مساعيه في إقناع عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام ومساعد وزير الخارجية الأسبق محمد الصدر بإعلان ترشحه، ذهب إلى رفع السقف وأصدر بيانه الذي تضمن شروطه على النظام للمشاركة في هذه الانتخابات، أو الذهاب نحو تكرار موقف المقاطعة الذي اعتمده في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت مطلع مارس (آذار) الماضي.
موقف خاتمي جاء انطلاقاً من إدراكه حجم التحدي الذي تمر به إيران خلال هذه المرحلة على المستويين الداخلي والخارجي، إضافة إلى إدراكه حجم الأزمة التي يواجهها النظام والنواة الصلبة للسلطة، أي الدولة العميقة، للاستمرار على المسار نفسه الذي كان قائماً مع رئيسي وفريقه، وما أدى إليه من عجز واضح في التعامل مع المهمة التي جاء من أجلها لمعالجة الأزمات الاقتصادية الداخلية من ناحية، وشكّل الخلل الذي أصاب مسارات الحوار السياسية والإستراتيجية مع المجتمع الدولي، وتحديداً مع الولايات المتحدة، نتيجة غياب الأداة المنفذة لتوجهات النظام بعد مقتل وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، حافزاً مشجعاً أيضاً لخاتمي من ناحية أخرى ليعلن هذه الرغبة، بخاصة أن مهمة السياسيات الخارجية لم تكن مدرجة على جدول الأعمال المطلوبة من رئيس الجمهورية، بل تقع في دائرة اختصاص وصلاحيات المرشد الأعلى والدولة العميقة التي كلف بتنفيذها عبداللهيان.
البيان الذي أصدره نحو 150 ناشطاً وفاعلاً سياسياً واجتماعياً وصحافياً واقتصادياً، والذي دعا إلى ضرورة المشاركة في الانتخابات وطالب النظام والنواة الصلبة للسلطة بفتح الأجواء لمشاركة جميع الأطياف السياسية في السباق الرئاسي الذي يعمل على تعزيز موقع النظام ويساعد في ترميم الهوة الحاصلة بين النظام والشعب، يمكن وصفه بأحد المحركات التي دفعت جبهة الإصلاحات، وبرعاية من خاتمي، إلى التحرك وحسم الجدل داخل صفوفها، وإعلان موقف واضح من المشاركة في السباق الرئاسي من خلال تبني ترشيح ثلاث شخصيات، وهي نائب الرئيس الأسبق حسن روحاني، إسحاق جهانغيري، وعضو اللجنة المركزية لحزب كوادر البناء المحسوب على الرئيس الراحل هاشمي رفنسجاني، إلى جانب النائب مسعود بزشكيان، وعباس أخوندي كممثلين عن هذه الجبهة.
والخطوة التي قامت بها القوى الإصلاحية وقرار الدخول والمشاركة وتبني مرشحين يمثلونها في السباق الرئاسي جاء لمنع المسار الذي بدأ يتشكل انطلاقاً من بيان الفاعلين والناشطين للعبور من هذه الجبهة، وسحب المبادرة منها في التعبير عن الموقف الإصلاحي والمعتدل، بخاصة أن هذا البيان جاء بعد ساعات من الموقف الواضح للرئيس خاتمي الذي ألمح فيه لإمكان المقاطعة.
وشكّلت شروط خاتمي الخلفية التي بنت عليها جبهة الإصلاحات موقفها، وإن تنازل النظام وفتح الباب أمام مشاركة القوى السياسية “غير الموالية” له، مما يساعد في عدم دفع هذه القوى إلى اتخاذ موقف راديكالي بالدعوة إلى المقاطعة الواضحة، وهي خطوة ستشكل في حال تم اللجوء إليها سابقة في تاريخ النظام الإسلامي، بأن تتم مقاطعته من شريحة سياسية لا تزال تعلن التزامها بمبادئ النظام ونصوصه.
وعلى رغم الآليات والشروط التي وضعتها هذه الجبهة على قرار المشاركة، وأن ينسحب مرشحان لمصلحة المرشح الأكثر تمثيلاً، فإن هذه الخطوة تمثل الجهد الأخير لهذه القوى للبقاء داخل المشهد السياسي، من خلال فرض المشاركة على النظام ومنظومة السلطة، ومن باب المصلحة الوطنية والإستراتيجية لمستقبل إيران، وأيضاً رسمت مسار الموقف التصعيدي الذي ستلجأ إليه في حال رفض أو إسقاط أهلية مرشحيها وإقصائهم من خلال تأكيد قرار عدم دعم أي من المرشحين الذين عبروا سدّ مجلس صيانة الدستور، وأدرجت أسماؤهم على اللائحة النهائية لمرشحي السباق الانتخابي.
وعلى رغم هذه الجهود التي يبذلها الإصلاحيون لإجراء انتخابات تعددية إلا أنه يبدو أن النظام لا يعير هذه الأصوات أذناً صاغية، بل إن دوائره لم تبد أي مؤشر على إمكان تقديم أي تنازل على المستوى الداخلي أمام الإصلاحيين، وهي ترى أن هذه الحال التي تعيشها هذه القوى وسعيها إلى العودة للحياة السياسية تشكلان الفرصة الأثمن للتخلص منها وتشتيتها، إذ يصبح من الصعب عليها إعادة ترميم قدراتها وأوضاعها، وأن إقصاء هذه الجماعات بعد التنازل الذي قدمته في موقفها بالعودة للمشاركة ستكون بمثابة رصاصة الرحمة على طموحاتها السياسية، وبالتالي فالسلطة لا ترى نفسها محرجة أو بحاجة وضرورة إلى تقديم أي تنازل أو إبداء أية ليونة.
ولعل الكلام الصادر عن إمام صلاة الجمعة في طهران كاظم صديقي الذي أثيرت حوله خلال الأشهر الأخيرة ملفات فساد عدة، يكشف عن اتجاهات النظام وموقفه من الانتخابات المرتقبة عندما دعا وطالب بانتخاب رئيس يكمل طريق ومسيرة الرئيس الراحل، ويبقي “المحافظين” والوزراء في مواقعهم، بخاصة أن الموقف الذي يعلن من على منبر صلاة الجمعة يجب أن يكون متسقاً مع مكتب المرشد، ويراعي مصالح النظام ومنظومة السلطة ويصب في خدمة مشروعهما، مما يعني أن النظام لا يتطلع إلى أي تغيير جدي في تركيبة السلطة التنفيذية، وكل اهتماماته تنصب على رفع مستوى المشاركة الشعبية وأن تتجاوز نسبة 60 في المئة، بما يخدم إعادة ترميم مشروعيته الشعبية والتمثيلية التي تراجعت بصورة واضحة خلال آخر ثلاث انتخابات رئاسية وبرلمانية.
- إندبندنت