يكشف التحقيق كيف استُخدمت الأموال الأممية لمعاقبة أكثر من 300 ألف سوري وحرمانهم من المياه في ريف حلب، عبر تحكم النظام السوري بمضخات المياه، وحرمان المناطق الخارجة عن سيطرته من الماء.
يُضطر الأربعيني صالح المحمد للزج بستة من أولاده في العمل في مدينة الباب شمال شرق محافظة حلب، من أجل تأمين مصاريف الحياة ودفع ثمن المياه المرتفع، التي يشترونها من أصحاب الصهاريج، بعد انقطاع المياه عن مدينة الباب وريفها بشكل كامل، منذ حوالي سبع سنوات.
بينما تنجح خطط المحمد في تأمين ثمن المياه، بجهد جماعي من جميع أفراد العائلة، يعاني 300 ألف مواطن من سكان الباب وريفها، من صعوبة تأمينها، بسبب ارتفاع أسعار مياه الآبار وشحها، والضائقة الاقتصادية، مما يدفع بأسر كثيرة لاستخدام المياه المالحة غير النظيفة.
تقع مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وتناوبت عليها أطراف الصراع السوري، بما في ذلك فصائل المعارضة السورية في عام 2012، بعد طرد قوات النظام منها، ثم تنظيم “داعش” قبل أن تعود مؤخّراً إلى سيطرة “الجيش الوطني السوري”.
يأتي ذلك بالتوازي مع انتشار وباء الكوليرا في سوريا، التي وصلت إلى 217,512 حالة مشتبه فيها من جميع محافظات سوريا الـ 14، توفي منها 106 حالة، حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
سيطرت قوات الجيش السوري على محطة عين البيضا، التي تغذي مدينة الباب في نهاية 2015، وبعد قرابة ثلاثة أشهر، أعلن الهلال الأحمر العربي السوري أن “محطة عين البيضا في الخدمة مجدداً”، وأنها جاهزة لتوريد المياه الى مدينة الباب وريفها بعد توقف لأشهر، وذلك بعد عمليات الصيانة وإعادة التأهيل بالشراكة مع الصليب الأحمر الدولي، كما قدمت منظمة “يونيسيف” مولداً كهربائياً، وبالفعل عادت المياه إلى مدينة الباب وريفها”، حسب البيان.
ونشر الهلال الأحمر السوري مجموعة صور من داخل المحطة تظهر جاهزيتها للعمل، حيث ضخت مديرية المياه التابعة لوزارة الري السورية، المياه لعام واحد لغاية عام 2017، ثم تم قطعها منذ ذلك الوقت.
محطة عين البيضا هي محطة رئيسية ومسؤولة عن إرواء مدينة الباب، كانت مضخاتها قديمة وتم تحديثها عام 2007، فيما تبلغ طاقتها الإنتاجية في الساعة الواحدة 1200 متر مكعب من المياه المعقمة المعدة للشرب، وتحوي 4 مضخات، ثلاثة عاملة وواحدة احتياط”.
وفي الوقت الذي قُطعت فيه المياه عن مدينة الباب من محطة عين البيضا رغم تأهيلها، كانت السلطات السورية تقوم بإنشاء محطة ضخ جديدة تُدعى أم خرزة في جبل سليم، لإيصال مياه الشرب النظيفة إلى قرى مدينة الباب، التي تقع تحت سيطرة النظام السوري.
وبالمثل، دعم الاتحاد الأوروبي وشركاؤه إعادة تشغيل محطة أُخرى، هي الخفسة التي تسيطر عليها الحكومة السورية منذ آذار/ مارس 2017، وتُعد مصدر المياه لمحطة عين البيضا؛ مصدر مياه مدينة الباب، ورغم ذلك فإن المياه لم تعد إلى منزل المحمد ومئات الآلاف غيره من سكان الباب وريفها.
وفي آذار/ مارس 2017 زار وفد حكومي رفيع المستوى، يتكون من وزراء الموارد المائية والكهرباء والصحة ومحافظ حلب المحطة وتفقدها من الناحية الفنية، وصرح المهندس نبيل الحسن وزير الموارد المائية حينها للصحافة المحلية أن”مضخات المياه كافة في محطة الخفسة في ريف حلب والبالغ عددها 16 مضخة، سليمة من الناحية الفنية الأولية”، موضحاً أنه “يوجد مضختان تحتاجان إلى صيانة كاملة، فيما المضخات الأخرى جاهزة للعمل بمجرد تأمين حوامل الطاقة لها”.
وفي 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 أي بعد عامين ونصف من سيطرته عليها، أعلن النظام السوري أنه أعاد محطة الخفسة إلى الخدمة، بكلفة 4 مليار و100 مليون ليرة سورية (8.2 مليون دولار حينها)
رغم أن تأهيل محطة الخفسة جاء بدعم من بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا والصليب الأحمر الدولي و”إيكو”، لكن النظام السوري نشر فيديو الإعلان عن إعادة تأهيل المحطة، ظهر فيه رئيس الوزراء السوري السابق حسين عرنوس، داخل محطة الخفسة إلى جانب مجموعة من الضباط في الجيش السوري، معلناً بدء عمل المحطة ومتجاهلاً دور الاتحاد الأوروبي.
يكشف التحقيق، كيف أن ضعف المراقبة من قبل المنظمات الدولية المانحة، التي ساهمت بتأهيل محطتي الخفسة وعين البيضا، وانعدام الحوكمة الرشيدة من قبل حكومة النظام السوري، ساعدا الأخير في استخدام الأموال التي تُمنح لإصلاح مثل هذه المشاريع وتأهيلها، في تسييسها واستخدامها كسلاح عقاب جماعي ضد سوريين يعيشون في مناطق خارج سيطرة حكومة النظام، على ما يؤكد مسؤول سابق يعمل في الهلال الأحمر السوري – شعبة الباب سابقاً.
ويأتي ذلك في مرحلة بات الجميع يتحدث فيها عن “التعافي المبكر” وخاصة الاتحاد الأوروبي وشركائه، وذلك رغم تأكيد التكتل الأوروبي مراراً “أن مشاريع الاتحاد الأوروبي لجميع السوريين من دون تمييز، بما في ذلك في كل من المناطق الخاضعة لسيطرة حكومية وغير حكومية”.
تقع محطة الخفسة على ضفاف نهر الفرات، بالقرب من مدينة الخفسة في الريف الشرقي لمحافظة حلب، وهي المحطة الأساسية التي تزوّد محافظة حلب وريفها بالمياه الصالحة للشرب، وقد تم تأسيسها في عشرينات القرن الماضي، وخلال الحرب السورية، تناوبت معظم أطراف النزاع على السيطرة عليها لاستخدام المياه كنوع من الضغط العسكري، وكان آخرها النظام السوري الذي استعاد السيطرة عليها في الثامن من آذار/ مارس 2017.
ونظراً لدورها الأساسي في تأمين المياه الصالحة للشرب لقرابة 25 ٪ من السوريين، دعم الاتحاد الأوروبي مع شركائه في عام 2019 عمليات الصيانة، ولا يزال يتابع العمل، ويتلقى التقارير عن نشاط المحطة واحتياجاتها.
كيف تصل المياه إلى مدينة الباب؟
تُضخ المياه إلى مدينة الباب عبر عملية هندسية، تبدأ بسحبها من نهر الفرات عن طريق محطة البابيري، التي تضخها إلى محطة الخفسة، والأخيرة تقوم في المرحلة الأساسية بمعالجة المياه الواصلة إليها، ثم تعاود ضخها عبر الإسالة (قنوات مائية) إلى محطات أخرى، التي تضخها بدورها إلى السكان.
واحدة من هذه القنوات المائية تُسال إلى محطة عين البيضا، التي يتم فيها فحص كمية الكلور فيها ومعايرة نسبته، بعدها تضخ المياه إلى خزان الشيخ عقيل في مدينة الباب، ومنه لتصل إلى بيوت المستهلكين.
تأهيل البنى التحتية منقوص العدالة
بينما يكافح سكان الباب للحصول على المياه النظيفة، كان رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا دان ستانيسكو يزور المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري في حمص وحماة وحلب في الثامن من آب/أغسطس 2022، مستهلاً زيارته بتفقد محطة الخفسة الواقعة في ريف حلب الشرقي، وأكد خلالها “دعم الاتحاد الأوروبي لهذه المحطة، عبر شريكيه: إيكو واللجنة الدولية للصليب الأحمر”.
وقال ستانيسكو: “أزور محطة مياه الخفسة في حلب، وهي جزء من أكبر نظام لتزويد مياه الشرب في سوريا، وتوفر مياه الشرب لأكثر من 3.2 مليون شخص، الاتحاد الأوروبي من خلال منظمات شريكة يدعم الاستثمار في البنية التحتية السورية”.
قابلنا مسؤولاً يعمل في الهلال الأحمر السوري – شعبة الباب سابقاً، إضافة إلى مسؤول الصيانة في محطة عين البيضا والخفسة، وأكد كلاهما أنه “حتى دخول النظام إلى المحطة وسيطرته عليها، لم يكن هناك أي خلل في خطوط الإمداد التي توصل المياه إلى مدينة الباب”.
بالإضافة إلى اعتراف الهلال الأحمر العربي السوري بتأهيل محطة عين البيضا، بالشراكة مع الصليب الأحمر الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” في 2016، بأن “المحطة كانت جاهزة للضخ حينها”، يؤكد مهندس شغل منصب مسؤول الصيانة في كل من محطتي عين البيضا والخفسة خلال السنوات الماضية، ويعمل في المجلس المحلي في مدينة الباب حالياً: “عندما كنت مسؤول الصيانة في محطة عين البيضا، كنا نحرص على إصلاح أي عطل، لضمان استمرار الضخ بشكل مستمر، كانت المياه تصب في خزان جبل عقيل وسط مدينة الباب، ويتم ضخ المياه منه على مدار الـ 24 ساعة، عبر خط قطره 800 ملمتر”.
طيلة سنوات الحرب، كان المهندس يعايش تفاصيل عمل المحطة وعلى دراية بما جرى فيها، حتى أنه ساهم في إصلاح محطة عين البيضا مرات عدة، خلال سيطرة فصائل المعارضة السورية عليها، أو حتى في مرحلة لاحقة، عندما سيطر تنظيم “داعش” على المحطة، وبفضل ذلك لم ينقطع الضخ بشكل عام، لا باتجاه مدينة حلب، ولا باتجاه مدينة الباب.
يضيف المهندس: “الجميع كان متفقاً على استمرار الضخ” وكانت تتم صفقات نفعية بين النظام وتنظيم “داعش”، الذي كان يسيطر على محطة الخفسة، إضافة إلى تدخلات عشائرية لضمان استمرار الضخ وحصول الجميع على المياه، ونحن تعايشنا مع هذه الواقع ولم نتدخل إلا بالصيانة”.
عرضنا هذه الحقائق على الهلال الأحمر العربي السوري، وطرحنا عليه أسئلة عديدة عبر البريد الألكتروني، تتمحور حول سبب توقف ضخ المياه بعد تأهيل المحطة، ولكن لم نتلقَّ أي رد حتى لحظة نشر هذا التحقيق.
أكد مسؤول سابق في الهلال الأحمر السوري في مدينة الباب رفض الكشف عن اسمه أنه زار محطة الخفسة وعين البيضا بعد خروج “داعش” منها، وطالب ب”الضخ نحو محطة عين البيضا، كما في السابق، فبدأ فرع مديرية مياه حلب باختلاق الأعذار بأن خزان جبل الشيخ عقيل في مدينة الباب، لا يصلح للتخزين”، وقال: “فقمت بتصوير الخزان من الداخل والخارج وإرسال صوره لهم، ولأؤكد أن الخزان جاهز لاستقبال المياه ، ولكن بدون جدوى”.
وأضاف: “بعدها قمت بمراسلة عدد كبير من المسؤولين للضغط على مديرية مياه حلب، لإعادة الضخ باتجاه مدينة الباب، خاصة وأن الخطوط جميعها جاهزة، والمحطة الرئيسية فيها فائض من المياه، والمصاريف أيضاً مؤمنة، وفي النهاية أبلغني أحد كبار المسؤولين الأمنيين، أن الموضوع سياسي، غلا تتعب نفسك أكثر من ذلك”.
وتابع: “عند زيارة وفد الاتحاد الأوروبي سوريا، وصلني خبر أنه سيزور الخفسة وعين البيضا، ولكنه زار الخفسة فقط، ولم يكمل خطته بزيارة عين البيضا”.
من جهته، رد الصليب الأحمر الدولي على أسئلة فريق التحقيق، حول مشاركته في تأهيل محطة عين البيضا، وضمان وصول مياهها إلى المدنيين.
وجاء في الرد أنه “في العامين 2016، 2017 قامت اللجنة الدولية بإعادة تأهيل نصف محطة ضخ المياه في عين البيضا، لكن حجم الاحتياجات يفوق قدرة منظمة إنسانية واحدة على الاستجابة”، ولفت إلى أن “اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات إنسانية أخرى، تسعى إلى استكمال الأعمال في هذه المحطة، وتشمل الأعمال التي تضطلع بها اللجنة الدولية، تركيب خط تزويد مباشر بالطاقة، لضمان إمداد أكثر موثوقية بالكهرباء، بالإضافة إلى ذلك، تقدم اللجنة الدولية دعماً واسعاً لمحطة معالجة المياه في الخفسة، التي تمد محطة ضخ عين البيضا بالمياه”، وأوضح أن “هذا التدخل سيؤدي في نهاية المطاف، إلى استعادة إمدادات مياه الشرب من محطة ضخ عين البيضا إلى الباب”.
معاناة الأهالي مع غياب المياه
للعام الثامن ما يزال المدنيون في مدينة الباب من دون مياه، هذا الواقع دفع بمسؤولي المعارضة إلى إجراء اجتماعات مكثفة من أجل إيجاد حلول إسعافية، بالتزامن مع تجدد حملات إعلامية حملت اسم “الباب عطشى” بينما يصدر “المجلس المحلي في مدينة الباب” كل فترة نداءات استغاثة بسبب اقتراب جفاف الآبار، التي باتت مصدر المياه الوحيد.
في بيان آخر، طالب المجلس المحلي ب”فتح مضخة عين البيضا الخاضعة لسيطرة النظام، لأن أزمة المياه أصبحت حادة على 300 ألف مدني يعيشون في الباب، فضلاً عن أن أراضي زراعية مساحتها 4500 هكتار، أصبحت على وشك التصحر بسبب نقص المياه”.
يقول أبو طه، الذي يعمل على نقل صهاريج المياه إلى مدينة الباب: “نأتي بالمياه من غرب مدينة الباب ونقوم باستجرارها من آبار موجودة هناك”.
موضحاً أن “هذا لم يحل الأزمة تماماً، لأن الآبار غير كافية، وهناك نقص في عددها لتغطية احتياجات المدنيين”، مضيفاً: “أراضينا تعتمد على الأمطار التي أصلاً تتضاءل، والآبار لا تستطيع سد الاحتياجات، لذلك تعتمد المنطقة كاملة على أربع آبار فقط”.
وقال: “كان سعر برميل المياه الف ليرة سورية، أما الآن فهو بمعدل 10 ليرات تركية، حيث كل خمس براميل ب 50 ليرة، وكل 10 براميل بـ 80 ليرة، لذلك تضاعف سعر برميل المياه، بسبب قلة المياه وارتفاع أسعار الوقود، لو كان هناك مياه متوفرة، لكنت أنا بعتها بسعر أقل، ولكن هناك قلة مياه وصعوبة توفيرها”.
وأضاف: “بسبب الأسعار المرتفعة للمياه، هناك الكثير من الناس الذين يشترون المياه المالحة غير الصالحة للشرب لأن سعرها رخيص، والبعض يشتري كميات قليلة بعبوات متوسطة، بسبب عدم قدرته على دفع تكاليف يومية لبراميل المياه الكبيرة”، لافتاً إلى أن “بعض العائلات تتكون من 10 أشخاص، وهؤلاء يحتاجون إلى 5 براميل كل يومين، بسعر 50 ليرة تركية”.
يقول علي الزين من أهالي مدينة تادف، ويعيش في مدينة الباب: “منذ أربع سنوات أعمل في نقل صهاريج المياه، ونحن نعاني من شح المياه وجفاف الآبار، إذ لا يوجد مياه كافية، وهذه هي المشكلة الرئيسية”.
ويضيف: “إن ثمن برميل المياه يبلغ 10 ليرات تركية، رغم أن غالبية المواطنين ليس لديهم القدرة على شرائها”، مردفاً: “نعتمد على الآبار، ولكن استخراج المياه من الآبار صعب للغاية”، حيث ينتظر الزين مع صهريج يعمل عليه، لساعات طويلة، حتى يحصل على فرصة لتعبئته.
ولم ترد وزارة الموارد المائية السورية على أسئلتنا، حول سبب استمرار توقف ضخ المياه من محطة عين البيضا.
المزارعون يفكرون بالتوقف عن الزراعة
يبدو أن الضرر لا ينحصر فقط بانقطاع مياه الشرب، فقد بات المزارعون يفكرون بالتوقف عن الزراعة، بسبب قطع مياه الري واستحالة قدرتهم على سقاية الأراضي.
يقول الفلاح محمد كريز: “أنا مزارع ولديّ أرض على دوار تادف، في السابق عندما كانت المياه متوفّرة، كنا نكفي أراضينا من السقاية بشكل طبيعي، ولكننا الآن نقوم بتشغيل السقاية لمدة ساعتين، ونطفئها أربع ساعات، كنا نزرع 10 هكتارات، والآن نزرع هكتاراً واحداً فقط”.
وأوضح أنه في الوقت الحالي “يسقي الأرض لمدة ساعتين بكلفة 15 – 20 ليتراً من المازوت”، مشيراً إلى أن “ضخ المياه كان قوياً، فبمجرد تشغيل المحرك لدقائق قليلة، يتم تشغيل مضخات السقاية لسبع ساعات، وكانت المياه وفيرة، ولكن الآن لم يعد هناك ما يكفي من المياه”.
وبحسب المجلس المحلي لمدينة الباب، فإن أراضي زراعية مساحتها 4500 هكتار، أصبحت على وشك التصحر بسبب نقص المياه، وكثير منها تركها أصحابها ولم يعودوا لزراعتها.

هل تم إنفاق أموال دافعي الضرائب بعدالة؟
في توضيح نشره الاتحاد الأوروبي على “تويتر” بعد زيارة المبعوث الخاص لسوريا، أعاد التأكيد فيه أن مشاريع الاتحاد الأوروبي لجميع السوريين “منذ بداية الأزمة السورية، كان الاتحاد الأوروبي يدعم مشاريع لصالح جميع السوريين من دون تمييز، بما في ذلك في كل من المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية وغير الحكومية”.
وشدد على أن “هذا الأمر يتماشى مع سياسة الاتحاد الأوروبي المتمثلة في عدم التطبيع وعدم رفع العقوبات وعدم إعادة الإعمار، التي لن تكون ممكنة، إلا بعد أن تنخرط دمشق في عملية انتقال سياسي، والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
إلا أن ما جاء على لسان الاتحاد الأوروبي، يتناقض مع حرمان فئة من المستفيدين من المياه في سوريا، بعد ما استغل النظام السوري اصلاح المحطة، بأموال أجنبية وحرم مناطق خارج سيطرته من المياه، مما يعني انه استخدم المياه كسلاح ضد معارضيه.
حتى الآبار قد تجف!
عرضنا ما لدينا من حقائق على “يونيسيف” فتلقينا رداً من رئيس قسم المناصرة والتواصل الإقليمي في المنظمة عمار عمار، الذي قال: “إن يونيسيف قدمت مولداً كهربائياً لمحطة مياه عين البيضا في عام 2016، مما سمح بتدفق المياه إلى المناطق المجاورة ومدينة الباب لمدة عام تقريباً، ومع ذلك، لم تتمكن اليونيسف من الوصول الآمن إلى المنطقة حتى عام 2022″، موضحاً أن “تقييماً تقنياً شاملاً عن المحطة، كشف عن أضرار جسيمة فيها”.
وأضاف: “إن أعمال إعادة تأهيل المحطة بدأت بدعم من يونيسف، بعد التقييم، ومن المتوقع أن تكتمل في غضون ثلاثة أشهر، وبمجرد استعادة محطة المياه، سيبدأ إصلاح خطوط الأنابيب، وعند الانتهاء، ومع توفير الكهرباء من قبل وكالة إنسانية أخرى، ستقوم محطة عين البيضا بتزويد جميع المناطق ضمن تغطيتها، بالمياه، بما في ذلك مدينة الباب والقرى المحيطة، وفي الوقت نفسه، تم تأمين مصادر مياه بديلة لتلبية الحد الأدنى من متطلبات المياه الآمنة لسكان منطقة الباب”.
ودعمت “يونيسيف” مشروعاً طارئاً لاستجرار المياه من الآبار إلى مدينة الباب، عوضاً عن محطة عين البيضا، وبحسب بوابة reliefweb فإن “يونيسيف” قدمت الدعم التشغيلي والصيانة لـ 17 بئراً منخفضة الغلة المتاحة في المنطقة، ومع ذلك، فإنها توفر 35 لتراً فقط من الماء للشخص الواحد يومياً، كما قامت “يونيسف” بتثبيت بئر إضافية.
لكن مشروع استجرار المياه من الآبار، برغم كلفته العالية، أثبت عدم فعاليته بسبب انخفاض منسوب هذه الآبار وخروج بعضها عن الخدمة.
وبحسب المجلس المحلي لمدينة الباب، فإن مياه الآبار أصبحت منخفضة جداً عما كانت عليه سابقاً، حيث يوجد خمس آبار في مدينة الراعي، خرج منها ثلاث آبار عن الخدمة، وكانت كمية المياه في المحطة سابقاً 300 متر مكعب، لتصبح الآن 88 متراً مكعباً فقط، في حين أن محطة مياه سوسيان يوجد فيها 18 بئراً، خرج منها 11 عن الخدمة وانخفضت كمية المياه فيها من 250 متراً مكعباً إلى 42، وكذلك الحال انسحب على محطة صندي، التي انخفضت من 800 إلى 300 متر مكعب.
وفي هذا الوقت، يتابع صالح المحمد سعيه الشاق لتأمين مياه الشرب له ولعائلته المكونة من 24 فرداً، وبينما تبقى آماله معلقة على إيجاد حل بديل للمياه، يبدو أن الحل الحالي المتمثل بمياه الصهاريج باهظة الثمن، على وشك الزوال…فالآبار قد تجف قريباً.
شهادات السكان و مزيد من المعلومات في تحقيق سراج المصور: هنا
أنجز هذا التحقيق الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج ، وشارك في جمع المعلومات الباحث محمد السكاف، ونشر في موقع “درج”.
- درج