لندن – “القدس العربي”:
نشرت مجلة “نيوستيسمان” مقال رأي لوزير شؤون الشرق بوزارة الخارجية البريطانية سابقا، أليستر بيرت، قال فيه إن الحرب الصفرية الدائرة بين إسرائيل وحماس لن يكون فيها فائز وإن الحجة القائلة بأن أي تنازلات تبدو وكأنها ضعف ولن تؤدي إلا إلى المزيد من الحرب- غير صحيحة. فلا يمكن أن نلجأ إلى الإجراءات الجزئية هذه المرة.
ويرى أن الحال الذي وصلنا إليه اليوم هو محصلة الفشل في التجارب الماضية وعدم القدرة على عقد اتفاقيات سلام تحل المشكلة من أصلها.
وقال إنه يتابع الأحداث في إسرائيل وفلسطين منذ حوالي 50 عاما، أي معظم حياة دولة إسرائيل، من خلال نشوئه في شمال مانشستر قريبا من المجتمع اليهودي هناك إلى مسيرته في البرلمان والعمل في الوزارات الحكومية المتعددة وعمله الحالي في منظمات غير حكومية ومراكز أبحاث، وكلها اقتضت زيارات عدة.
وهي رحلات كانت مفعمة أحيانا بتخييب للآمال والتطلع لحل جذور الكثير من الصراعات في المنطقة أخيرا، وأن يتم استبدال التواريخ والأماكن المختلفة سيئة السمعة المرتبطة بالحرب أو العنف أو المفاوضات الفاشلة بحدث ختامي ناجح.
وقال إنه في الوقت الذي يكتب فيه مقالته هذه، تنشغل السفارات الغربية بحث رعاياها على مغادرة لبنان حيث ينتظر الشرق الأوسط الجولة التالية من الانتقام – أو ربما ما هو أسوأ – في أعقاب الاغتيالات في بيروت وطهران.
ينتظر الشرق الأوسط الجولة التالية من الانتقام – أو ربما ما هو أسوأ – في أعقاب الاغتيالات في بيروت وطهران
وتركزت كل الآمال، مرة أخرى على الجهود الدبلوماسية التي قد تنجح بمنع التصعيد والتوصل لصفقة وقف إطلاق النار وعودة المحتجزين لدى حماس وانسحاب القوات الإسرائيلية. لكن، في أية لحظة قد يحدث أمر يفشل المفاوضات ويغرق المنطقة في شيء أسوأ مما حدث في الأشهر العشرة الأخيرة.
وعليه، فمن الغرابة بمكان أن نبني حالة تبدو وكأنها تشير إلى أن أي شيء إيجابي يخرج من الكارثة التي حلت بإسرائيل وغزة، في أعقاب الفظائع التي ارتكبت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والأعمال الانتقامية الإسرائيلية التي أعقبت ذلك، والسياق الذي وقعت فيه هذه الفظائع. ولكن علينا أن نعرض الحالة، ففي البداية، وصلنا إلى هذه المرحلة، بسبب مظاهر الفشل الماضي، ولحظات التفاوض والتي كانت فيها “الأمور صعبة” وانتهت الجهود المتعلقة بالسلام.
أما الأمر الثاني، فيبدو أننا وصلنا إلى نهاية عقيدة “العين بالعين”. فقد نسي الكاتب عدد المرات التي تلقى فيها محاضرات بأن المنطقة هي “حي خطير” وأن أي تنازل سيكون صورة عن ضعف ومقدمة لتحركات وردود انتقامية والتي أنتجت منطقة معسكرة غمرت شبابها بالنزاع من جانب لآخر وعلمتهم كراهية بعضهم البعض ووعدت أمهاتهم بمزيد من الألم والمعاناة وتمريره إلى الجيل التالي. وعليه، فالكاتب يوافق مع من يعتقدون أن الأحداث الحالية يجب أن تكون الفصل الأخير، بل وهناك أرضية للتفكير بأن هناك فرصة موجودة لتحقيق ما تحدث عنه الكاتب الفلسطيني رجا شحادة في مقال نشرته المجلة قبل فترة، ليس هدنة أو وقفا لإطلاق النار فقط ولكنه “حل شامل لنزاع عمره قرن من الزمان”.
ولم يعد هناك أحد يعتقد أن هناك عودة إلى 6 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث هناك وضع راهن زائف سعى إلى تهميش القضية الفلسطينية في العديد من العواصم على مدى السنوات الأخيرة، لكنه بدأ بالفعل في التآكل.
وتعيش الضفة الغربية المحتلة، التي شهدت ارتفاعا كبيرا في عدد القتلى والاعتقالات في العامين الماضيين، حالة من الغليان، وكان الهجوم العنيف والقاتل الذي شنه المستوطنون في قرية جيت أحدث موجة من الهياج الموجه نحو القرى الفلسطينية.
أما القدس الشرقية فهي في حالة من التوتر، من التهديد بهدم المزيد من البيوت الفلسطينية، وبخاصة بعد منح السلطة التنفيذية إلى وزير الأمن الوطني المتطرف إيتمار بن غفير في 25 تموز/يوليو، إلى المخاوف المستمرة من تعرض الوضع الراهن الذي يحكم الأقصى للخطر من قبل المتطرفين الإسرائيليين الراديكاليين، الذين شجبت وزارة الخارجية الأمريكية أعمالهم في 13 آب/أغسطس وقالت بأنها “غير مقبولة”.
ويقول إن حجم الدمار في غزة مهول ولن تبدأ إعادة الإعمار بمليارات الدولارات بدون ضمانات أن هذا لن يحدث مرة أخرى. وبالتالي فالتغاضي عن النزاع هو أمر غير وارد.
ويقول بيرت إن مستقبل الشرق الأوسط الاقتصادي يدفع إلى التفاؤل، وبخاصة من خلال الرؤى الكثيرة المقدمة في دول الخليج وأبعد منها. وإذا أرادت إسرائيل أن تكون جزءا من هذه الرؤية المتصورة في اتفاقيات إبراهيم والمحادثات المستمرة بينها والسعودية، فإن أي نزاع إقليمي سيكون كارثة.
وقد أدى هذا الإدراك إلى بذل جهود في العامين الماضيين لخفض التوتر في المنطقة، حيث أعادت عدد من دول الخليج، متجاهلة واشنطن، علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، ولكن دون إجابة على السؤال القائم حتى الآن، حول ما يجب فعله حقا مع دولة متورطة في قدر كبير من عدم الاستقرار الناجم عن جيوشها بالوكالة، مع أنه لا يمكن تجاهل هذا السؤال لفترة طويلة.
ويقول إن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر أفشلت الجهود لبناء شرق أوسط جديد. ولا يمكن المبالغة بمدى أهمية تلك اللحظة المحورية التي شهدتها الأشهر العشرة الأخيرة وما تركته من أثر على الرأي العام العربي، حيث كان الفائزون الوحيدون فيها ما يطلق عليه محور المقاومة الذي تتزعمه إيران ضد إسرائيل. وهو ما أثار استياء الزعماء الإقليميين، حيث كشفت اللحظة المحورية هذه وبشكل واضح وغير مسبوق، عن سياق عقود من الاحتلال والمعايير المزدوجة للغرب.
وسيكون من الخطأ تجاهل هذه المشاعر كما حدث في الماضي عندما كانت تتم السخرية من “الشارع العربي” وأنه من السهل صرف انتباهه واستيعاب غضبه.
لا يمكن تجاهل الجهود الجديدة لإعادة تعريف القضية من خلال المحاكم الدولية
كما أنه لا يمكن تجاهل الجهود الجديدة لإعادة تعريف القضية من خلال المحاكم الدولية. وستجبر هذه الجهود الدول، مثل بريطانيا على اتخاذ قرارات صائبة تتحدى فكرة إفلات إسرائيل من العقاب، كما هو الحال بسياستها الاستيطانية. مما سيجبر الدول الأخرى على دعم سيادة القانون الدولي ومقاومة الجهود التي تبذلها إسرائيل لاعتبار كل الانتقادات لها بأنها “معادية للسامية” في الأساس.
ومن المفارقات أن إسرائيل سوف تخرج أقوى من هذا، حيث سينظر إليها على أنها مسؤولة في حين لم تكن كذلك، وسيكون من الصعب الحفاظ على اتهامات المعايير المزدوجة. لقد غيرت غزة كل شيء.
ويعتقد الكاتب أنه يجب عدم التغاضي عن الصدمة التي أصابت إسرائيل بسبب هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر ولا تناسي الاضطرابات المحيطة برئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته والفشل الهائل الذي لحق بسياساته السياسية والعسكرية والأمنية في التعامل مع فلسطين، والشكوك حول أولوية استعادة المحتجزين، وإدراك خبراء إسرائيل أن سياسة نتنياهو المتمثلة في تدمير حماس عسكريا وأيديولوجيا غير واقعية – كل هذا أثار دعوات إلى ظهور إسرائيل مختلفة من هذه الكارثة.
وفي هذه المرة، يقول الكاتب فإننا لا نلجأ إلى الحلول النصفية ولا نتراجع عن المفاوضات الصعبة المقبلة. بل ونتطلع إلى إسرائيل آمنة ومستقرة. ويجب ألا يكون هناك غموض من الدول العربية في وقف أيديولوجية ملتزمة بتدمير إسرائيل، مقابل إنهاء الاحتلال والالتزام بإقامة الدولة الفلسطينية.
ويختم الكاتب بالقول إن الالتزام بهذا الأفق السياسي هو ما نحتاج إليه بشدة، وقد يساعد في تجنب المزيد من الكوارث التي لم نشهدها بعد.
- القدس العربي