التقيت مع الصحافية الإسرائيلية عميره هس أثناء انعقاد جلسات المجلس الوطني الفلسطيني في غزة سنة 1996، وتحت خيمة السلام الوهمي، كان الصحافيون الإسرائيليون يملؤون شوارع غزة، ويجرون المقابلات مع المسؤولين الفلسطينيين على كافة المستويات.
المستوطنات المتناثرة
في ذلك اليوم انصب حوار الصحافية الإسرائيلية على استحالة قيام دولة فلسطينية، مع بقاء المستوطنات المتناثرة فوق أرض الضفة الغربية، بحيث لم تبق بقعة أرض في الضفة الغربية تخلو من المستوطنات، وتسمح بقيام الدولة، وكان سؤال الصحافية الملحاح: كيف وقعت القيادة على اتفاقية أوسلو، دون شرط إخلاء المستوطنات، وعدم تمددها؟
منطق الصحافية الإسرائيلية السليم، ألزمني بأخذها من يدها، واصطحابها إلى قاعة اجتماعات اللجنة السياسية المنبثقة عن جلسات المجلس الوطني، لتشرح لهم خطورة الاتفاقية مع بقاء الاستيطان.
في ذلك اليوم، اعترض رئيس اللجنة العميد بعلوشة على إدخال الصحافية الإسرائيلية عميره هس إلى جلسات اللجنة السياسية، لكن منطق الطرح السياسي الذي تقدمه الصحافية، جعلني أفرض حضورها فرضاً على جلسات اللجنة.
الضفة الغربية
أخرجت الصحافية عميره هس خريطة للضفة الغربية، توضح عليها مناطق توزيع المستوطنات، والتي تمزق الأرض، وتحول دون الترابط بين شمال الضفة وجنوبها، وتحول دون التواصل بين المدن الفلسطينية والقرى، وحذرت في نقاشها من استحالة قيام دولة فلسطينية في ظل تواجد هذا الكم من المستوطنات.
استمع الحضور لترجمتي حديث الصحافية عميره هس، وهزوا رؤوسهم ساخرين، وقالوا بالإجماع: هذه مرحلة انتقالية، ستنتهي سنة 1999 بقيام الدولة الفلسطينية على كل أراضي الضفة الغربية وغزة، ولا داعي للقلق من المستقبل. شكراً لكم.
استرجعت هذه الواقعة مع قرار الكنسيت الإسرائيلية منع قيام دولة فلسطينية بين النهر والبحر، وذلك بأغلبية 68 صوتاً، وقد صوت مع القرار أولئك الصهاينة الذين يؤيدون حل الدولتين، وعلى رأسهم بني غانتس.
تنامي عدد المستوطنين
والصحيح أن حل الدولتين قد مات على أرض الواقع منذ زمن بعيد، منذ مواصلة التمدد الاستيطاني على مدار عشرات السنين؛ دون أي ردة فعل فلسطينية أو عربية، والجميع يعرف أن تنامي عدد المستوطنين من 180 ألفاً سنة 1994، إلى قرابة 800 ألف مستوطن في هذه الأيام، هو القاتل لفكرة قيام دولة فلسطينية، وعليه فكل فلسطيني ينادي بحل الدولتين، هو واهم، ومخادع للشعب الفلسطيني، ففكرة حل الدولتين ماتت منذ زمنٍ، وفكرة قيام دولة فلسطينية من سابع المستحيلات ضمن المعطيات الراهنة، وضمن الواقع الميداني القائم، الذي يؤكد على عدم وجود مساحة جغرافية بين النهر والبحر تسمح بقيام دولة فلسطينية، هذه حقيقة موضوعية فرضها المستوطنون الصهاينة في الميدان قبل قرار الكنيست الإسرائيلي.
عقارب الساعة لن ترجع إلى سنوات خلت، وعلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن تعترف بالخطيئة التي جرت إليها الشعب الفلسطيني، وأن تترك الشعب الفلسطينية يقرر مستقبلة بعيداً عن الأبوية التاريخية التي ذبحت الدولة الفلسطينية بسكين الانتظار والمراقبة، والاكتفاء كتابة التقارير عن التوسع الاستيطاني، وكأنهم منظمة أجنبية.
قرار الكنيست الإسرائيلي يفضح ضعف النظام العربي، والانهزامية التي استحوذت على أصحاب مبادرة السلام العربية، وهم يؤكدون على حل الدولتين في كل مؤتمرات القمة، وهم يعتبرون موافقتهم على حل الدولتين مدخلاً للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، ومدخلاً لتبادل السفراء، فكانت النتيجة أن تواجد سفراء إسرائيل وسط العواصم العربية، وغاب عن أرض الواقع حل الدولتين.
قرار الكنيست يسخر من كل الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية التي تعترف بدولة فلسطين، ويتجاهل قرار الكنيست كل قرارات الأمم المتحدة، ولا يعترف بأي قوة على وجه الأرض لها الحق في انتزاع ملكية أرض إسرائيل الموروثة عن الأسلاف.
ولمزيد من الحقائق المأساوية التي يتجاهلها القادة السياسيون، وهم يختبئون خلف حل الدولتين، هو أن المجتمع الإسرائيلي برمته يرفض قيام دولة فلسطينية، والمجتمع الإسرائيلي بكل أحزابه وتجمعاته يرفض تقسيم القدس، ويراها عاصمة أبدية لدولتهم.
التنسيق الأمني
ماذا تبقى للفلسطينيين غير وقف التنسيق الأمني، ومحاربة الاحتلال بكل ما يمتلكون من قوة، فالدولة التي قامت على حد السيف، لا تجابه إلا بحد السيف، وما دون ذلك، فليس أمام الفلسطينيين إلا المطالبة بدولة واحدة من النهر إلى البحر، وبغض النظر عن اسمها، دولة واحدة يتساوى فيها العرب بحقوقهم السياسية والمدنية مع اليهود، دولة واحدة لجميع سكانها، إلا أن تتعدل موازين القوى الدولية، وإلى أن يتغير حال الأمة العربية، ولا خيار آخر أمام الفلسطينيين غير خيار وزير الاستيطان الصهيوني سموتريتش، الخيار الذي يقوم على الحسم، حسم الصراع مع الفلسطينيين، وتركهم بين ثلاثة خيارات، الرحيل عن الأرض، وتركها للصهاينة، أو الموت لمن يفكر في محاربة إسرائيل، والخيار الثالث هو الخنوع، والعيش بمذلة على فتات الاحتلال.
كاتب فلسطيني
- القدس العربي