بدأت إسرائيل العملية العسكرية الأكبر ضد الضفة الغربية منذ ربع قرن.
رغم الفوارق الكبيرة في الظروف السياسية والعسكرية والأمنية بين قطاع غزة والضفة الغربية فلا يصعب على الملاحظ ألا يرى وقائع تشابه متزايدة بين هذه العملية وما يحصل في غزة، من استخدام آلاف الجنود، ومن ضمنهم لواء كفير و4 كتائب من «حرس الحدود» ووحدات من الهندسة العسكرية اقتحام المخيمات، إلى محاصرة المستشفيات، إلى تجريف الطرقات وتدمير البنية التحتية، إلى تنفيذ الاعتقالات، وإسقاط عدد كبير من الشهداء والجرحى.
بدأ ساسة إسرائيل، بدورهم، بإعلان مسألة تكرار سيناريو غزة في الضفة فخرج وزير الخارجية يسرائيل كاتس بتصريح صباح أمس الأربعاء قال فيه إنه يجب «التعامل مع التهديد في الضفة تماما كما نتعامل مع البنية التحتية في غزة» وأنه يجب حصول «إجلاء مؤقت للسكان من الضفة الغربية» في إحالتين إلى التدمير الهائل الجاري في القطاع، ولعمليات الإجلاء الرهيبة للسكان، والتي تضمر، في الضفة أكثر مما في غزة حتى، عناصر التطهير العرقي والتهجير.
على المستوى الحدثيّ، يرتبط ما يحصل في الضفة بالتعثّر في إنجاز نصر ناجز على حركة «حماس» والمقاومة في القطاع، رغم الترويع الهائل الذي جرى هناك، بحيث تحوّل ما يحصل إلى حرب من أجل الحرب نفسها، حفاظا على الواقع الحرج لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي كان مهددا قبل حرب غزة بالمحاكمة، وللحفاظ على الائتلاف الحكومي الذي يحكمه متطرّفون فاشيو المنزع والأساليب.
يمكن ربط العملية أيضا بالوضع الإقليمي الملتهب، وخصوصا بعد جولة المبارزة بين صواريخ ومسيّرات «حزب الله» اللبناني، و«الضربة الاستباقية» التي أعلنت عنها إسرائيل ضده، وبذلك تصبح آلة القتل الإسرائيلية المتفرقة على عدة جبهات أكثر قابلية لتنفيذ ما يخططه «وزير الأمن القومي» ايتمار بن غفير، وشريكه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، من أجندات إرهابية في الضفة الغربية.
تنتظم العملية، على المستوى الاستراتيجي، بالخطط الإسرائيلية الطويلة الأمد لضم الأراضي الفلسطينية بشكل غير قانوني، وهي خطط بدأت عمليا مباشرة بعد الاحتلال العسكري للضفة، وكانت ما تسمى بـ«الإدارة المدنية» التي أنشئت عام 1981 إحدى حلقاتها التي تقوم الحكومة الإسرائيلية الحالية باستعادتها، و«المدني» في هذه الإدارة، هو الاسم الحركي لتحويل الاحتلال العسكري إلى استعمار دائم لباقي فلسطين، وأعقبه الضم العملي للمناطق والتوسع المستمر للمستوطنات غير القانونية التي بدأ بناؤها على أراضي الفلسطينيين بعد حرب 1967.
منحت «اتفاقات أوسلو» بعد ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية سيطرة إدارية اسمية على مناطق صغيرة في الضفة الغربية (المسماة مناطق أ و ب) لكن المفارقة أن هذا الترتيب الجديد سمح لإسرائيل بتوسيع مستوطناتها في معظم أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية بحيث زاد حجمها وعدد سكانها بمقدار ثلاث مرات.
من الواضح أن الحرب الإبادية التي تشنّها إسرائيل في غزة قد صعّدت نزعات الإبادة والتطهير العرقي والاستبدال في الضفة، وأعطى وجود وزراء اليهودية الصهيونية في مواقع القرار السياسي والعسكري والأمني اليد العليا لهذه النزعات، وواضح أن الانتقال من إعلانات الرغبة في إبادة غزة بالنووي، واعتبار قتل مليونين من سكانها جوعا «عادلا وأخلاقيا» على حد تعبير سموتريتش، إلى الحديث بن غفير عن تأسيس كنيس في الأقصى، وحديث سموتريتش صراحة أنه يعمل صراحة وعلانية لاستيطان الضفة ومنع قيام دولة فلسطينية، وحديث كاتس المذكور آنفا عن «إجلاء السكان».
- القدس العربي