القرار قد يسهم في تغيير مسار الحرب لصالح أوكرانيا
مع دخول الصراع في أوكرانيا مرحلة حاسمة، فإن الطريقة التي سيستجيب فيها الغرب لطلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتنفيذ ضربات صاروخية بعيدة المدى داخل الأراضي الروسية قد تلعب دورا محوريا في تحديد النتيجة النهائية لهذا النزاع.
لقد ظل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لشهور عدة، يمارس ضغوطا لا هوادة فيها على كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، الموردين الرئيسين للصواريخ بعيدة المدى للقوات المسلحة الأوكرانية، للحصول على موافقة لاستخدامها في ضرب أهداف داخل عمق الأراضي الروسية.
وكثف زيلينسكي من ضغوطه على كل من واشنطن ولندن هذا الأسبوع، حيث دعا إلى اتخاذ “قرار حاسم” يسمح باستخدام تلك الصواريخ بعيدة المدى لاستهداف مواقع في عمق الأراضي الروسية. جاءت هذه الدعوة العلنية خلال مؤتمر دولي حول شبه جزيرة القرم، استضافته كييف يوم الأربعاء الماضي بمشاركة عدد من الزعماء الدوليين.
وعلى الرغم من توفر الأسلحة لدى كييف منذ أشهر، فإنها لم تُستخدم حتى الآن لضرب أهداف داخل روسيا بسبب القيود التي فرضتها الولايات المتحدة. ويشمل ذلك صواريخ “ستورم شادو” البريطانية، التي تتميز بمدى أطول من الصواريخ الأميركية، لكنها تخضع أيضا لقيود واشنطن نظرا لاحتوائها على مكونات أميركية الصنع.
يبلغ مدى صواريخ “ستورم شادو” حوالي 250 كيلومترا (155 ميلا)، وحتى الآن جرى استخدامها فقط ضد أهداف روسية في المناطق الأوكرانية المحتلة. تُطلق هذه الصواريخ من الطائرات وتفوق في مداها بكثير صواريخ “هيمارس” التي توردها الولايات المتحدة، والتي تستخدمها أوكرانيا حاليا، ويبلغ مداها نحو 50 ميلا فقط. وقد جعل زيلينسكي من أولوياته الدبلوماسية إقناع القادة الغربيين بالسماح لأوكرانيا بضرب القواعد الجوية والمواقع العسكرية الأخرى داخل العمق الروسي.
كما تسعى أوكرانيا للحصول على الإذن لاستخدام مقاتلاتها من طراز “إف-16” التي استلمتها مؤخرا، والتي يجري تصنيعها في الولايات المتحدة وتوريدها من قبل الدنمارك وهولندا، وقريبا من النرويج وبلجيكا، لقصف أهداف روسية. ويؤكد زيلينسكي أن هذه الأسلحة دفاعية، حيث يمكنها تدمير الصواريخ الروسية والقنابل الموجهة جوا، إلى جانب تخفيف الضغط على الخطوط الأمامية. وهذا يعني استهداف القواعد الجوية، والمراكز اللوجستية، ومراكز القيادة والتحكم، وتشكيلات القوات الروسية.
بعد عامين من تحمل الهجمات على مدنها وبلداتها، تسعى أوكرانيا الآن إلى نقل القتال إلى داخل الأراضي الروسية، حيث قامت بالفعل بإرسال قواتها عبر الحدود إلى منطقة كورسك.
إذا قامت روسيا بمهاجمة مواقع أوكرانية بصواريخ إيرانية من داخل أراضيها، فإن ذلك يقدم حجة قوية لدعم حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها باستهداف وتدمير تلك الصواريخ على الأراضي الروسية
ينبع الاعتراض الرئيس لإدارة بايدن على استخدام الصواريخ ضد أهداف داخل روسيا من المخاوف من أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى تصعيد الصراع في أوكرانيا، مما قد يفضي إلى مواجهة أوسع بين روسيا والغرب.
ومع ذلك، تشير بعض الدلائل إلى أن الولايات المتحدة تدرس بجدية إعادة تقييم القيود المفروضة على استخدام الصواريخ بعيدة المدى من قبل الأوكرانيين، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، هذا الأسبوع، التي أشار فيها إلى أن إيران تزود موسكو بصواريخ باليستية لدعم جهودها الحربية في أوكرانيا.
أدلى بلينكن بهذه التصريحات خلال زيارته للمملكة المتحدة، قبل توجهه إلى كييف برفقة وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، في أول مهمة دبلوماسية مشتركة بين البلدين منذ عقد. حيث اتهم بلينكن إيران بتزويد روسيا بصواريخ باليستية قصيرة المدى، مشيرا إلى إمكانية استخدامها ضد الأوكرانيين خلال أسابيع. ووصف لامي هذا التحرك الإيراني بأنه “تصعيد خطير وكبير”.
ومن المحتمل أن تعزز هذه الصواريخ الترسانة الروسية، مما يمنحها القدرة على استهداف المدن الأوكرانية القريبة من الحدود الروسية أو المناطق التي تسيطر عليها بالفعل، في حين تواصل نشر صواريخها الأطول مدى لضرب عمق الأراضي الأوكرانية.
الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي يتحدث خلال حفل لتزويد القوات المسلحة بالصواريخ الباليستية في طهران، إيران، 22 أغسطس 2023
لكن إيران نفت مرارا تزويد روسيا بمثل هذه الأسلحة ذاتية التوجيه.
وبشكل منفصل، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا عقوبات جديدة يوم الثلاثاء الماضي على إيران بسبب تزويدها روسيا بصواريخ باليستية لاستخدامها في أوكرانيا. تضمنت هذه العقوبات قيودا على قدرة الخطوط الجوية الوطنية الإيرانية على الطيران إلى المملكة المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى حظر السفر وتجميد الأصول بحق عدد من الإيرانيين المتهمين بتسهيل الدعم العسكري لروسيا.
وإذا قامت روسيا بمهاجمة المواقع الأوكرانية باستخدام صواريخ إيرانية من داخل أراضيها، فإن ذلك يقدم حجة قوية لدعم حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها من خلال استهداف وتدمير تلك الصواريخ على الأراضي الروسية.
وقد أشار مسؤولو دفاع بريطانيون إلى أن لندن تدعم استخدام صواريخ “ستورم شادو” لهذا الغرض، في الوقت الذي يمارس فيه المسؤولون البريطانيون بصمت ضغوطا على إدارة بايدن للحصول على موافقتها.
وقد أثارت هذه المسألة انقسامات داخل إدارة بايدن، حيث يُقال إن كبار المسؤولين الأمنيين الأميركيين يؤيدون السماح بشن ضربات داخل الأراضي الروسية، بينما لا يزال الرئيس جو بايدن مترددا في إعطاء موافقته، بسبب مخاوفه من احتمال تصعيد الصراع بشكل أكبر.
ولكن زيارة بلينكن ولامي إلى كييف كانت مؤشرا واضحا على أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تفكران بجدية في منح كييف الموافقة اللازمة، خاصة أن الزيارة جاءت في أعقاب محادثاتهما في لندن، حيث صرح بلينكن بأن أحد أهداف الزيارة سيكون “الاستماع مباشرة إلى القيادة الأوكرانية” بشأن “أهدافها وما يمكننا فعله لدعم هذه الاحتياجات”.
القرار بشأن السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة لمهاجمة أهداف داخل روسيا قد يشكل نقطة تحول حاسمة في الصراع الأوكراني الطويل الأمد
وقد شكر رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي على الدعم العسكري المستمر من بريطانيا لأوكرانيا خلال الحرب، ولكنه أضاف: “نأمل في الحصول على المعدات بعيدة المدى لتنفيذ ضربات على أراضي عدونا، ونعوّل على مساعدتكم ودعمكم في هذا الشأن”.
والمؤكد أنْ يعاد النظر في هذا النهج بعد لقاء رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر بالرئيس بايدن في البيت الأبيض يوم الجمعة. فعندما سُئل الرئيس بايدن عن إمكانية رفع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للأسلحة بعيدة المدى، قال إن إدارته “تعمل على ذلك”.
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (يسار) يلتقي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (وسط) ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي خلال اجتماع في وسط لندن في 10 سبتمبر
وبالفعل، كانت الولايات المتحدة قد خففت، في وقت سابق من هذا العام، بعض هذه القيود، ما سمح لأوكرانيا بضرب المناطق الحدودية الروسية حيث يتمركز الجنود. وحذر الكرملين من أن روسيا سترد “بشكل مناسب” إذا سمحت الولايات المتحدة لأوكرانيا بتنفيذ ضربات صاروخية على أراضيها.
وأوضح لامي خلال زيارته لكييف أن بريطانيا والولايات المتحدة “تستمعان” إلى مطالب أوكرانيا بالسماح لها باستخدام صواريخ “ستورم شادو” لضرب أهداف داخل العمق الروسي. وأضاف أن الهدف من زيارته مع بلينكن هو فهم أوضح للاستراتيجية التي يقترحها القادة الأوكرانيون.
وبالتالي، فإن القرار بشأن السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة لمهاجمة أهداف داخل روسيا قد يشكل نقطة تحول حاسمة في الصراع الأوكراني الطويل الأمد. ومثل هذا القرار قد يسهم بشكل كبير في تغيير مسار الحرب لصالح كييف.
- المجلة