ما كاد النظام الأسدي يصحو من صدمة سقوط ريف إدلب كاملاً، فينسحب، حتى عاجلته “كارثة” صدمة حلب، وينسحب، ثم جاءته صدمة حماة، وينسحب أيضاً! وقبل أن تتوالى صدماته في مواقع جديدة، راح يعيد تموضعه في حمص، وسينسحب.. بينما فكرة التحرير تتدحرج واقعاً ملموساً، ويبدو أن الرياح تهبّ بما تشتهي سفن السوريين في كل الساحة السورية!
وما يجعل السوريين والعالم يراقبون ويترقّبون، أن الحدث طازجاً، ويتفاعل معه الجميع لحظة بلحظة، فـ( العالم في سورية )، وما حدث ليس بعيداً عن الإرادة الدولية، إذ بين ليلة وضحاها سقطت توافقات، وطويت تحالفات، وأُرتج على توازنات بعد اختلالها بفعل المتغيّرات السريعة على الأرض. والأكيد أن استقطابات عديدة تتخلّق لترتسم آفاق لتحالفات واصطفافات جديدة وفواعل لم تكن في مقدّمة الأحداث، ولا ريب أن سقوط حلب بكل ثقلها، وتجاوز الثوار والمقاتلين للامتحان الصعب، وهم تحت مراقبة دولية دقيقة، لتقيّدهم بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، كان له ارتدادات إيجابية على التالي من الأحداث، ففيها ثقل الميليشيات الطائفية الإيرانية، وثقل القوة العسكرية والقمعية للنظام، وجميعها أضحت ملحاً ذاب في غمضة عين!
إن ما حدث ويحدث منذ عشرة أيام نقلة نوعية في تطوّر القضية السورية ووصولها إلى نقطة اللاعودة دون تطبيق القرار 2254، وكل ما يتّصل بالقضية السورية من قرارات دولية، وهو ما يفسّر الحراك السياسي على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وصار عنوان “ردّ العدوان” إلى “إخراج إيران”، “وفجر الحرية” صار إلى “العودة إلى سورية”!
ولا يمكن نكران أثر الأحداث والمتغيّرات الدولية على الساحة السورية، من طوفان غزة إلى حرب لبنان إلى الحرب المباشرة وغير المباشرة بين إيران وإسرائيل في سورية أو من خلالها، إذ دفعت الوقائع لخلخلة ما كان سنداً لنظام القهر، وتململ حلفائه من مساعدته والأقربين، على الرغم من كلّ ما قُدّم له من عناية ورعاية، ولكن رأس النظام يأبى إلا أن يُكسر غروره ويُذلّ بانسحاب تلو انسحاب إلى مزبلة التاريخ ولعنة الحاضر والمستقبل، في ظلّ تهالكه وانشغال حلفائه واختلال موازين القوى على الأرض في المنطقة، وتوافقات دولية تبدأ من أميركا فتركيا وإيران وروسيا وإسرائيل، مروراً بأوروبا والخليج العربي، ولا يمكن إغفال قسوة معاناة السوريين في الداخل والشتات، وإصرارهم على تحقيق أهداف ثورتهم، ودفع فاتورة المستحقّات
صورة الواقع ومستجداته وتحوّلات الفواعل والحوامل من متغيّرات، تقول: إن ساعة السوريين دقّت، وراية التحرير رُفعت، ولا شكّ أن مستقبلاً سورياً واعداً يلوح، يحمل في أيامه سورية الحرّة الموحّدة التي ضحّى من أجلها السوريون، تعدّدية ديمقراطية لكل أبنائها.
- رئيس التحرير