تفرز تجربة العرب المريرة مع اسرائيل منذ قرابة قرن من الزمان ان لغة المصالح هي العنصر الحاسم في المعالجة السياسية التي ارتضاها العرب وألحوا عليها واعتبروا السلام خيارا استراتيجيا في آخر مراحل الصراع التي لا تزال دائرة الى اليوم.
اسرائيل نفسها كانت تدرك لغة المصالح وتعتمدها في التعامل مع الدول الغربية وبخاصة مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي اذ كانت تقدم نفسها دائما على انها رأس الحربة ضد التمدد السوفييتي في الشرق الاوسط خلال فترة الحرب الباردة ، ولما انتهت تلك الفترة اخذت اسرائيل تبحث لنفسها عن دور يبرر استلابها المستمر لاموال دافع الضرائب الاميركي والاوروبي وبالطبع كان الدور الجديد خادما لمصالحها ومعززا لموقعها في صراع الوجود الدائر بينها وبين الشعب الفلسطيني.
ولان معظم الدول الداعمة للقضية الفلسطينية هي دول عربية واسلامية لذلك كان الشعار البديل لمواجهة الخطر الاحمر (الاتحاد السوفيتي) هو مواجهة الخطر الاخضر (الاسلام والمسلمين) ومنذ بداية العقد الاخير من القرن الماضي وحتى الآن دارت حروب ووقعت مذابح ووجهت تهم كلها في بلدان عربية واسلامية ولم تكن اصابع اسرائيل غائبة عن كل حالة من حالات التوتر من البوسنة الى باكستان مرورا بالعراق والصومال وايران وافغانستان واليمن والسودان وغيرها.
وفي كل ازمة او صراع تقوم واوروبا والولايات المتحدة بالتغطية على الدور الاسرائيلي الهدام ضد مصالح العرب والمسلمين وحين اكتشف الاوروبيون والاميركيون انهم دفعوا ثمنا باهظا لهذه السياسة ، كان الوقت قد فات واصبح على الغرب ان يلتزم بقرارات واتفاقات وتفاهمات لصالح اسرائيل بعضها مدعوم بقرارات دولية الى حد منع التهجم على أي دعاية اسرائيلية تبثها من اجل الترويج لدورها في (خدمة المصالح الغربية).
واذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن ما يهيمن على السياسة الغربية حاليا هو هلع الخوف من تهديد رحلات الطيران بين الدول الكبرى ، لذلك فإن اصابع اسرائيل ظاهرة في هذا المسار ايضا ، حيث اشارت صحيفة اسرائيلية امس (هآرتس) ان شركة امن من اسرائيل تشارك في استجواب المتهم بمحاولة تفجير الطائرة الاميركية خلال احتفالات عيد الميلاد.
والشركة الاسرائيلية المذكورة ما هي إلا امتداد للمخابرات الاسرائيلية على طريقة (بلاك ووتر).
حيث مقر الشركة الامنية الاسرائيلية في هولندا وكل العاملين الاساسيين فيها هم اعضاء (سابقون) في المخابرات الاسرائيلية وتروج الشركة معلومات عن قدرات لديها لمنع الإرهاب اكثر مما لدى الاوروبيين والاميركيين مجتمعين..
وتؤمن الشركة الاسرائيلية (خدمات) امنية في مطارات دولية عديدة منها مطارات في هولندا وفرنسا وبريطانيا واسبانيا والمجر ورومانيا وروسيا حسب قول (هآرتس). وهكذا يبدو كما لو كانت اسرائيل تتحكم في منافذ العالم بأسره! فمن اعطاها هذه الوضعية غير الاميركيين والاوروبيين؟
ولم لا يصيب الاسرائيليين الغرور ويرفضون اي حل سلمي اذا كانوا يتمتعون بكل هذه (الثقة) من جانب اوروبا والولايات المتحدة ، وليس الثقة وحدها وإنما اموال طائلة مقابل هذه (الخدمات) تعود على اسرائيل دون ان تقدم شيئا ولو كانت تقدم لمنعت الراكب النيجيري من حيازة المادة المتفجرة التي اصابت العالم بالهلع.
بالمقابل لا يستثمر العرب جيدا لغة المصالح للضغط على (شركاء السلام) في اوروبا واميركا بالضغط وليس بالدبلوماسية والاستجداء. فهل على الفلسطينيين الانتظار حتى تنتفي (حاجة) الغرب لاسرائيل مرة اخرى؟.
الوطن