أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو يقف على الجانب السوري من جبل الشيخ الثلاثاء، 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى أن «إسرائيل ستبقى في ذروتها حتى يتمّ التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل»، مشيرا إلى أن الموقف يعيد الحنين إلى الماضي». وأضاف، «لقد كنت هنا منذ 53 عاما مع جنودي في دورية «ساريرت متكال»، المكان لم يتغيّر، إنه المكان نفسه، لكنّ أهميته لأمن إسرائيل تعززت فقط في السنوات الأخيرة، خاصة في الأسابيع الأخيرة مع الأحداث الدرامية التي تجري هنا في سوريا».
تعتبر تل أبيب أن اتفاقية «فك الاشتباك» التي وقعت مع الجانب السوري عام 1974 في جنيف بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية قد سقطت، مع هروب الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا. وترى أن من يحكم دمشق اليوم، قد يعيد ترتيب أولويات الدولة السورية، في ما يخصّ هذه الاتفاقية، لهذا سارعت القوات الجوية الإسرائيلية إلى شنّ غارات لضرب الأسلحة الثقيلة ومراكز القرار والتصنيع العسكري كافة في العمق السوري، كي لا تقع في يدّ الثوار، الأمر الذي سيشكل خطرا على أمنها.
تغيّر الواقع السياسي في سوريا، وأصبحت البلاد اليوم بيد شعبها، بعدما صادر «آل الأسد» الرأي والسلطة لأكثر من 54 عاما، ومنع أي تحركات عسكرية تجاه إسرائيل، مكرسا واقعا يطغى عليه الهدوء على جبهة الجولان. سقط الأمان مع سقوط الأسد، فسارعت القوات الإسرائيلية إلى فرض أمر واقع جديد على هذه الجبهة، الذي تمثّل في توسيع رقعة احتلاله لمزيد من المناطق، حتى المنطقة العازلة تحت عبارة «وجود مؤقت». لم يخطأ نتنياهو في توصيفه بأن الجغرافية لم تتغيّر منذ أكثر من 50 عاما، هذا يعود إلى أن النظام في سوريا، لم يضع في اهتماماته ولا أولوياته هذه المنطقة، فظهر وكأنه قدّم أوراق «التنازل» عنها. لهذا لم يسمح بفتحها أمام السوريين كجبهة مقاومة لردع العدو، الذي احتلها بعد نكسة يونيو/حزيران عام 1967، بل جعل منها ورقة تفاوضية لاستمرارية حكمه، مع إسرائيل والراعي الرسمي الأمريكي، فكان حارسا أمينا لأمن العدو، وحذرا في عدم تخطي بنود الاتفاقية، على الرغم من أنها لم تكن لصالح الدولة السورية.
لم يستطع النظام السوري السابق، على الرغم من سياسة القمع التي اتّبعها، أن ينجح في «قتل الوعي» المقاوم لدى السوري، ولم يجعله يتناسى قضيته بتحرير الجولان
لكنّ ما تغيّر يا سيدّ نتنياهو، وما أنت جاهله حتى هذه اللحظة هو «إرادة الشعب» السوري في التحرير والتحرر، مع وصول الفصائل المعارضة إلى السلطة. لم يستطع النظام السوري، على الرغم من سياسة القمع التي اتّبعها، أن يعمد على «قتل الوعي» المقاوم لدى السوري، ولم يجعله يتناسى قضيته بتحرير الجولان، هذا ما شهدته منطقة درعا من حراك في وجه الاحتلال، وما عبّر عنه الثوار الأحرار في تظاهراتهم. أفادت منصات محلية سورية الجمعة 20 ديسمبر 2024، بإصابة شاب سوري برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة رافضة لتمركز القوات الإسرائيلية في درعا جنوب غربي البلاد، حيث خرجت المظاهرات الشعبية التي طالب عبرها المتظاهرون القوات الإسرائيلية بالخروج من المنطقة، وإيقاف توغلها داخل الأراضي السورية. مثل هذه المظاهرات لم تخرج عن طريق «الصدفة»، ولم تكن مفتعلة، بل هي عفوية نابعة من روح كل مواطن أصيل طالب بالحرية من نظام أسر البلد لصالح «الزمرة» الحاكمة. مسيرة التحرر مستمرة، ولن تتوقف عند حدود ملاحقة الشبيحة في الداخل، بل ستخرج للمطالبة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على سوريا، ومطالبتها بالعودة إلى حدود عام 1967 وتطبيق القرار الأممي رقم «242». قد يعتقد نتنياهو لوهلة، أن نشوة الانتصار التي انتشى بها بعد نكسة يونيو، قد استعادها اليوم مع سقوط الأسد، ومع ضرب حزب الله في لبنان وتدمير غزة في فلسطين. لكنّ ما فاته إن من وصل إلى سدّة الرئاسة في سوريا، هم جماعة يريدون أن يروا سوريا حرة. قالت ليف باربرا مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، للصحافيين، مؤخرا، بعد زيارتها لدمشق للقاء أحمد الشرع، «أريد أن أوضح أنه لم تكن هناك مخاوف أمنية وراء تأجيل المؤتمر الصحافي، فكل ما في الأمر أننا لم نتكمن من الوصول إلى المكان في الوقت المناسب، قبل أن نضطر إلى مغادرة المدينة». أرجعت باربرا السبب إلى أن الاحتفالات الشعبية أعاقت وصول الوفد، لكنّ الأمر في الحقيقة يعود إلى التطورات الأمنية التي حدث في درعا، إذ فاجأ الجميع خروج المظاهرات لوقف التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري الداخلي. فهذا على ما يبدو لم يكن في الحسبان، وإن ما سمعه الوفد من قبل أحمد الشرع، حسب مصادر مقربة من الفصائل، لم يكن على خاطر الأمريكي في ما خصّ الوجود الأمريكي في سوريا، وفي ما خصّ التدخلات الإسرائيلية في سوريا.
هذا الأمر قد يعيد خلط الأوراق، ويعيد عقارب الساعة الأمريكية إلى الوراء، لاسيما وإن الوفد لمس لدى الفصائل حرصهم على ما يحصل في غزة. إن التخوّف الأمريكي ارتبط أيضا بوجود الفصائل الكردية (قسد) ومصيرها بعدما طالب أحمد الشرع بأن تتحرر كل أراضي سوريا بما فيها المناطق التي تقع تحت سلطة الفصائل وتحت سيطرة الإسرائيلي.
أمام هذه المشهدية التي تتعقّد في سوريا في ظل وصول فصائل ناضلت لسنوات ليس فقط في سبيل اقتلاع بشار الأسد ونظامه، بل في سبيل تحرير البلاد من كل التدخلات، لن يكون الاحتلال الإسرائيلي في منأى عن ما حدث وسيحدث. فهل ستكون درعا بوابة النضال لتحرير الأرض هذه المرة من الاحتلال الإسرائيلي؟
كاتب لبناني
- القدس العربي