لوّح المبعوث الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل باستعمال ضمانات القروض التي تمنحها الولايات المتحدة لاسرائيل اداة ضغط عليها لتليين موقفها من استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.
ثم اوضح الناطق باسم الخارجية الاميركية بان الولايات المتحدة لا تهدد اسرائيل "في الوقت الراهن" باستعمال هذه "الاداة التي تملكها من ضمن ادواتها".
التلويح والتوضيح اول اشارة اميركية، منذ التراجع عن الوعود الاميركية بشأن وقف الاستيطان الاسرائيلي، الى انها تعتزم ممارسة موجة جديدة من الضغوط على الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني.
لكن فيما الضغط على الفلسطينيين يبدو واضحا ومحددا، فان الضغط على الاسرائيليين يعوزه حتى الآن تحديد مجاله.
لا يبدو اننا بصدد مراجعة للموقف الاميركي الذي اعتبر قرار الحكومة الاسرائيلية بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية مدة عشرة اشهر كافيا. ولا يبدو انه ضمن الخطط الاميركية فتح ملف الاستيطان في القدس في المرحلة التي تسبق المفاوضات.
لا بل كل المؤشرات هي في اتجاه دعوة الفلسطينيين الى مغادرة التركيز على هذا البند، والاستعاضة عنه بما يُسمى ضمانات تُعطى للطرفين قبل استئناف المفاوضات.
اما علاقة الضمانات بموضوع القدس فغير مباشرة. اذ يدعو الاميركيون في خطتهم الجديدة الى ايلاء اهمية قصوى ليس لوقف الاستيطان وانما لتعيين الحدود مما يحل مشكلة اين يمكن الاستمرار في بناء المستوطنات واين ينبغي التوقف.
ولما كان الفلسطينيون قد وافقوا على مبدأ مبادلة الاراضي فانه ليس بديهيا تعيين المواقع التي سيطاولها المنع او السماح باستئناف البناء.
ويقترح الاميركيون للالتفاف على مشكلة القدس، التركيز على المدى الزمني، الملزم، الذي ستستغرقه المفاوضات، بما يفترض ضمنا وعدا اميركيا بان واشنطن ستكون مستعدة في نهايتها لدعم اعلان دولة فلسطينية، ولو من طرف واحد، في حال تبين ان المفاوض الاسرائيلي هو المعرقل.
هذه المحاولة الجديدة لجر الفلسطينيين الى المفاوضات اكتسبت تفهما عربيا بالموقف الذي اعلنه وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط والذي تبنى عمليا الدعوة الى تجاوز شروط استئناف المفاوضات الى التركيز عليها وعلى خروجها "سريعا"، بما يعادل تعيين الحدود.
في مقابل هذا الضغط المحدد على الفلسطينيين لا يظهر حتى الآن ما هو الميدان الذي يشكل نقطة عدم التفاهم الاميركية – الاسرائيلية. فوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون التي تحدثت عن مفاوضات بدون شروط مسبقة كانت حريصة على الاخذ في الاعتبار كل المطالب الاسرائيلية المتعلقة بالهوية اليهودية لاسرائيل وباعتباراتها الامنية، والمستجدة، اي كل ما يسمح لاسرائيل بطرح سلسلة المطالب التي تجعلها تقف عند مشروعها الاصلي لمفهوم الدولتين المتعايشتين.
لذلك اذا كان التلويح الاميركي باستعمال ضمانات القروض ضد اسرائيل مؤجلا، فإنه على ما يبدو ليست على علاقة بشروط استئناف المفاوضات وانما بعملية التفاوض نفسها، اي بسعي الولايات المتحدة لجعل اسرائيل تقدم "تنازلات" حدودية في فترة التفاوض المحددة بسنتين.
في مقابل التنازلات المستقبلية التي يمكن ان تُطلب من اسرائيل هناك تنازلات فورية مطلوبة من السلطة الفلسطينية تتعلق بتعليق المطالب بوقف الاستيطان في القدس.
ربما تلجأ واشنطن الى تقديم تطمينات حول تفاهمات مع اسرائيل بشأن "تهدئة" الاستيطان في القدس تمهيدا للمفاوضات ولجعل التنازل الفلسطيني اقل ايلاما، لكن الادارة الاميركية تعرف ولا شك ان وضع حكومة نتنياهو الحالية امام قرار علني بتجميد الاستيطان في القدس يعني سقوطها، وهو ما لا يبدو ان واشنطن ترغب فيه اليوم، او هو ضمن خطتها الراهنة لاستئناف المفاوضات.
في المقابل لا يبدو الجانب الفلسطيني "مؤهلا" لتقديم التنازل الذي تطلبه الادارة الاميركية والذي قد يُرفق بضغوط عربية تتجاوز التفهم المصري. فالرئيس الفلسطيني محمود عباس ما زال يعاني من آثار التنازلات التي قدمها للراعي الاميركي قبل اشهر والتي كان من تداعياتها اعلانه انه لن يترشح مجددا لمنصب الرئاسة، كما كان من تداعياتها تصليب الموقف السياسي للسلطة والذي يتمثل اليوم بدعوة الدول العربية الى طرح موضوع الاستيطان في القدس امام مجلس الامن مباشرة.
بالطبع لا تستطيع السلطة الفلسطينية الاستمرار في موقفها المتصلب من استئناف المفاوضات بدون دعم عربي. اذ لا يُفترض بها ان تغرّد خارج السرب العربي الرسمي. من هنا فان حركة الاتصالات العربية الراهنة، وخصوصا السعودية – السورية ستحدد ما اذا كان ممكنا بقاء الفلسطينيين عند "خط القدس"، ام سنكون مجددا امام مشروع تجديد المعسكرات… العربية.
"النهار"