الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 بدأ بفجر جديد على السوريين جميعاً، فجر الحرية، فجر الانعتاق من نير الظلم واستبداد الأسد. ومن هنا يبدأ تاريخ الجمهورية الثالثة في سورية ” جمهورية سورية بدون الأسد “.
الحلم بالحرية بدأ منذ سيطرة الإدارة السياسية الجديدة على دمشق، واستلام مقاليد السلطة في سورية بعد إسقاط حكم بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول). ومن هنا يتطلّع السوريون إلى تحقيق أهدافهم في الحرية والديمقراطية، وحكم القانون، وإرساء مبادئ التعدّدية السياسية، وتداول السلطة سلمياً، ويعلم السوريون جميعاً، أن هذا الأمر لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال مؤتمر الحوار الوطني العام الذي أعلنت عنه الإدارة الجديدة، وبشّرت جماهير المحتفلين بالنصر، أنها تعمل على عقده، وستدعو إليه جميع الفعاليات من كلّ المكوّنات الاجتماعية.
في دمشق اليوم جمع كبير من السوريين، ينتظر ما قد تنتهي إليه المحاولات الجارية حالياً؛ لتحديد شكل وماهيّة المؤتمر الوطني السوري، الذي وعدت به الإدارة الجديدة لسورية. وعلى ما يبدو، وكما نقلت وسائل الإعلام والرسائل والصور الواردة من دمشق، فإن هناك جماهير غفيرة تتجمّع في فنادق ومقاهي وحارات دمشق، تنتظر أن يتسنّى لها مقابلة أيّ شخصية قيادية من الإدارة الجديدة، أو أيّ شخص يمكنه أن يرتّب لهم موعداً مع طرف من العاملين في ترتيب المقابلات من أعضاء اللجنة المقترحة لاختيار أعضاء المؤتمر. وكما يعلم الجميع، فإن موعد المؤتمر الوطني لم يُحَدّد بعد، وقد تمّ تأجيل الموعد المقترح للمرة الثانية.
وحسب ما وردني من صديق مقيم في فندق ( الفورسيزون )، بأن قاعات الفندق تزدحم بشكل كبير، وعلى مدار الساعة بجماهير السوريين الذين يبحثون عن أيّ خبر أو إشارة بموعد انعقاد المؤتمر، أو أيّ خبر عن اللجنة المكلّفة بتحديد شروط وقواعد اختيار الشخصيات التي ستحضر المؤتمر. والكثير من هؤلاء يحمل بيده قوائم اسمية جمعها على عجل من الدوائر المقرّبة منه لتقديمها للّجنة المكلّفة. والبعض يدّعي أنه مكلّف بتحديد أسماء الحضور، ويعمل على اختيار الشخصيات كلّ حسب ما يدفع. فثمّة مَن قدموا أنفسهم للحاضرين على أنهم تمّ اختيارهم لحضور المؤتمر، وتمّ التواصل معهم من الإدارة الجديدة، ومن هؤلاء مَن ادّعى أنه المستشار السياسي لقائد الإدارة الجديدة، وهو مكلّف منه شخصياً بتحضير قائمة بأسماء المدعوين، وبدأ بعقد الاجتماعات في غرف الفندق، وتجمهر الحاضرين حوله مجموعات، ولكن الأمر لم يَطُل كثيراً حتى حضر أشخاص من جهاز الأمن العام، وتمّ تحذيره بشكل رسميّ، وإبلاغ الجميع بأن هذا الشخص مدّعٍ، وأنه لا يرتبط مع القيادة الجديدة أو شخص قائد الإدارة بأيّ شكل من الأشكال.
والنماذج كثيرة.. وحتى نكون أكثر وضوحاً، سنقسم هؤلاء إلى أربع فئات من المتسابقين للدخول إلى مُعترَك المؤتمر الوطني الذي سيُعقد في دمشق قريباً، (ونحن نتحدث هنا عن هؤلاء فقط، وليس عن كل جماهير الثورة السورية أو السوريين جميعاً).
ثلاث فئات يدفعها السعي إلى المناصب وتحصيل ما سعت إلى حصوله منذ البداية.
فالفئة الأولى ترفع شعار تحقيق مبادئ الثورة السورية بكل تفاصيلها، وهي تعتبر أن المهمّة لن تنتهي قبل تحقيق أهداف الثورة العظيمة، من إقامة حكم عادل رشيد، يمنع وقوع سورية في حقبة جديدة من الظلم والقهر والاستبداد الذي عاشته سورية خلال حكم الأسد. ولا توجّه الاتّهام هنا باتجاه إدارة العمليات العسكرية أو هيئة تحرير الشام، أو بشكل ما لأبي محمد الجولاني (أحمد الشرع)، ولكن لكي تقف في وجه أيّ محاولات ممكنة لتشكيل ثورة مضادة، تطيح بالنجاح العظيم الذي وصلت إليه الثورة وتوّجته بإسقاط النظام. ويمكن أن يُبرَّر لها، باعتبار أن سعيها نابع من قناعتها بضرورة حضورها لهذا المؤتمر؛ كونه السبيل إلى خدمة الناس وتلبية رغباتهم.
والفئة الثانية تؤمن بأنها قد ضحّت بالكثير للاستفادة من هذه الثورة، وقدّمت الكثير من التنازلات للوصول إلى مناصب في هذه الثورة، وأن الوقت قد حان لاقتناص الفرصة بالدخول إلى سلم المناصب من خلال تثبيت الحضور في المؤتمر القادم، وفي ظنّهم أن مخرجات المؤتمر، يجب أن تتناسب مع تطلعاتهم ومطامحهم بالوصول إلى أعلى المراتب التي حلموا بها على مدار الأربع عشرة سنة الماضية، وهؤلاء لم يتوقّفوا عن سعيهم هذا طوال تلك السنين، ولم يكن يمنعهم غير تحكّم فئة قليلة بمناصب المعارضة السورية الرئيسة، حتى وصل الأمر إلى سياسة تدوير الكراسي بين مجموعة عتيدة، عرفت كيف تمنع الآخرين من اختراق جدار السلطة المتين الذي بناه هؤلاء، كما فعل الذين يدّعون أنهم يسعون لإسقاطه.
وهذا العمل لا يمكن تبريره؛ كون هذه الفئة تعتقد بأن وجودها في هذا المؤتمر، هو السبيل إلى الثروة المنتظرة
أمّا الفئة الثالثة، فَهُم من جُباة المعارضة الذين يدّعون أنهم معارضون فقط، وهم بعيدون كل البعد عن مسمّى معارضة. فَهم منذ اليوم الأول للثورة السورية، وقفوا على مسافة قريبة من الطرفين، يدفعون لهذا كي يمرّروا لذاك، ويكسبون الملايين، ويقبضون من ذاك كي يسهّلوا أموره عند هذا، ويكسبون الملايين.
باعوا كلّ شيء، واشتروا كلّ شيء. تاجروا بكل شيء، وكانت تجارتهم غير نزيهة، وبضاعتهم غير نظيفة..
مستعدّون لبيع الأكسجين لمَن يلفظ أنفاسه الأخيرة..! شعارهم ( الدولار سيّد القرار )، لا يريدون أن يخرجوا من المولد بلا حمّص، لذلك سعيهم لحضور المؤتمر هو السعي نحو الثروة ليس إلّا.. ولا يُنتظَر منهم سوى بيع كل شيء، لأيٍّ كان، مهما كانت النتائج.
وأمّا الفئة الرابعة، فهي المتربّصون.. وهؤلاء لا يفوتهم شيء، جلسوا بعيداً طوال فترة الثورة، لا يقتربون كثيراً من جانب النظام، ولا يبتعدون كثيراً عن صفّ المعارضة.. تراهم في كلّ مكان وكلّ زمان
وحين يحتاجهم طرف من الأطراف، ” كأنهم فصّ ملح وذاب..”! تجدهم في مؤتمرات المعارضة جميعها، ولا أحد يعرف كيف حضروا؟ أو مَن دعاهم؟ وفي جانب آخر تجدهم في مؤتمرات معارِضةٍ للمعارَضة! يتصوّرون في الصفوف الأولى، ولا أحد يعرف كيف حضروا؟ أو مَن دعاهم؟
هؤلاء لا يمكن وصفهم، لا يمكن مدحهم ولا قدحهم، تجدهم أحياناً على القنوات الفضائية المحسوبة على المعارضة مؤدّبين وديعين، هذا الجانب الهادئ منهم.. ينقلبون وحوشاً كاسرة، تنهش لحم المعارضة على شاشات القنوات الفضائية غير الداعمة للمعارضة السورية
نحن هنا نتحدّث عن الساعين لحضور المؤتمر، وليس عن كل جماهير الثورة
فهناك ملايين فرحوا بسقوط النظام، وهذا كان منتهى أمنياتهم التي تحقّقت، ولا يعوزهم غير رؤية البلاد والعباد بخير من ربّ العباد.
- كاتب سوري