عندما بدأت الثورة السورية عام 2011، زار السفير فريد هوف روسيا وأخبر المسؤولين الروس أن الولايات المتحدة لا تعتبر سوريا جزءاً من مجال نفوذها، وحث روسيا على تحمل المسؤولية وإيقاف النزاع المتصاعد.
وردّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حينذاك، بعدم اهتمامه ببشار الأسد، مشيراً إلى أن “الأسد” زار موسكو بعد أن استنفد خياراته في أوروبا.
هذا التفاعل يبرز تصوراً بين السوريين بأن الولايات المتحدة لم تعط الأولوية لسوريا، ولم تهتم بالانتهاكات التي ارتكبها النظام ضد السوريين، وهو شعور استمر حتى بعد سقوط النظام.
ربما السقوط السريع لنظام الأسد وصعود مجموعات مثل هيئة تحرير الشام للحكم، زاد من تعقيد خيارات التفاعل الأميركي التي كان خبراؤها الحكوميين وخبراء في مراكز أبحاث منقسمين قبل شهر من الآن، بين أفكار تدعو إلى تقسيم سوريا، لأن “الأسد” انتصر في الحرب، وبين ضرورة التعاون معه ورفع العقوبات عنه مقابل التعاون ضد إيران.
مجرد التفكير أن سوريا لم تعد امتدادا للنفوذ الإيراني والروسي كان وهما قبل عدة أسابيع، وتوقّع العديد من السوريين أن تغتنم واشنطن هذه الفرصة لتملأ الفراغ وتجعل سوريا امتداداً لنفوذها في المنطقة، لكن لا يبدو أن هذا يحدث بالطريقة المتوقعة، حيث هناك برود وسطحية أميركية بالتعاطي مع التطورات السورية.
رغم هذه التحديات، هناك قضايا مهمة يجب معالجتها بين الولايات المتحدة والقيادة الجديدة في سوريا لتحسين العلاقات، فهناك مجالان رئيسيان يجب التركيز عليهما من الجانب السوري: العقوبات والوجود العسكري الأميركي في سوريا.
العقوبات
تاريخياً، تستخدم الحكومة الأميركية العقوبات كأداة لتغيير السلوك الدول أو أشخاص أو مؤسسات وإذا تغيّرت الظروف، يمكن إعادة النظر في العقوبات قانونياً، ويبقى القرار النهائي سياسياً.
فيما يتعلق بسوريا، يمكن تقسيم العقوبات إلى فترتين:
- من 1979 إلى 2011: خلال هذه الفترة، هدفت العقوبات إلى تغيير سلوك نظام الأسد، بعلاقاته مع إيران، ودعمه لما تعتبره الولايات المتحدة مجموعات إرهابية، ودعمه تطوير وبرامج الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل بالتعاون مع كوريا الشمالية وروسيا وإيران، واحتلاله للبنان وعدائه تجاه إسرائيل.
- من 2011 إلى اليوم: بعد الفظائع التي ارتكبها النظام ضد السوريين، تحوّل تركيز العقوبات إلى تغيير سلوك النظام تجاه شعبه عن طريق المطالبة بإنشاء نظام يمثل جميع السوريين، ويكافح الفساد، ويضمن التعددية ويضمن حقوق جميع السوريين بشكل متساو، ويمنع إساءة استخدام الأموال العامة ويحد من الفساد المالي والإداري.
هناك نوع ثالث من العقوبات يستهدف مجموعات أجنبية في سوريا مثل “داعش” أو جماعات سوريّة مثل هيئة تحرير الشام وقادتها، ورفع العقوبات عن هذه المجموعات غير مرتبطة بالنظام السوري الجديد أو الشعب السوري، بل مرتبط بقدرتهم على إثبات أنّهم تغيّروا عقائدياً وفكرياً.
اليوم وبعد نجاح الثورة وسقوط النظام، العديد من الأسباب الأصلية للعقوبات خلال فترة (1979-2011) تم تحقيقها مثل:
- غياب “حزب الله” والمليشيات الإيرانية في سوريا.
- ضعف الوجود الروسي في سوريا.
- عدم وجود خبراء كوريين شماليين أو منشآت للأسلحة الكيميائية أو النووية أو لتطوير الصواريخ الباليستية.
- انسحاب الجيش السوري من لبنان.
لمعالجة هذه التغيرات، يجب على القيادة السورية الجديدة إعداد وثيقة قانونية تتضمن النقاط التالية التي تم تحقيقها والتي تتماشي مع المطالب القانونية الأميركية، خلال شهر من نجاح الثورة، والتعهد بالاستمرار بتحقيق باقي المطالب في المستقبل القريب، وهي:
الشفافية والتعاون الكامل مع المنظمات الدولية بشأن أسلحة الدمار الشامل.
التأكيد على عدم وجود ميليشيات إيرانية والالتزام بعدم عودتها.
حل الفصائل الفلسطينية العسكرية التابعة للنظام السابق.
الالتزام بالجهود العالمية لمكافحة الفساد، ومنع تمويل الإرهاب، ومكافحة غسيل الأموال.
ضمان السلام والاستقرار الإقليمي، وحماية الحدود، وعدم التدخل بشؤون دول المجاورة.
التعهد بمكافحة تهريب الأسلحة من خلال التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
فتح السفارات وبداية ترسيم الحدود مع لبنان.
بالنسبة للإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، فقد تم الأمر.
ستدعم هذه الوثيقة القانونية، جهود المغتربين السوريين والدول المهتمة، في جهودهم لرفع العقوبات وتعزيز التعاون الدولي مع سوريا.
الوجود العسكري الأميركي في سوريا
أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بوضوح عن رغبته في سحب القوات الأميركية من سوريا، مع احتمال إعلان ذلك في بداية رئاسته، الأسبوع المقبل، ومع ذلك، سيتم وضع شروط لهذا الانسحاب لتجنب أخطاء التي ارتكبت في أفغانستان بوضع موعد زمني محدد للانسحاب.
القلق الرئيسي للولايات المتحدة هو وجود مقاتلي “داعش” وعائلاتهم في المرافق التي تديرها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي استخدمت هذه القضية للحفاظ على الحماية الأميركية لها وتزويدها بالأموال لحماية المنشآت، واستخدام هذه الورقة لتقوية مطالبهم السياسية الداعية إلى التقسيم ولو بشكل غير مباشر.
يجب على القيادة السورية الجديدة أن تقترح ما يلي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي:
- تقع على الدولة السورية الجديدة مسؤولية حراسة سجون “داعش”، ومعسكرات عائلات عناصرها، وذلك بدعم من قوات دولية.
- إقامة محاكمات عادلة وشفافة للمعتقلين تحت إشراف دولي، حيث رفضت العديد من الدول التي لديها رعايا إعادتهم إليها.
- خطة شاملة لإدارة وإعادة إدماج المعتقلين وعائلاتهم تتطلب دعماً مالياً من المجتمع الدولي يصل إلى 10 مليارات دولار.
في حال الموافقة على هذه المقترحات من الدول الغربية ستتم إجراءات لبناء الثقة في المجال الأمني والعسكري والدبلوماسي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع الجانب السوري، مما سيؤدي إلى تدفق استثمارات مباشرة ودعم دبلوماسي واسع.
وستعالج هذه الخطوات مخاوف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما ستسهل رفع العقوبات، وتشجع الدعم الدولي بكل أشكاله، وهذه المبادرة تتطلب وجود حكومة سورية شرعية وشاملة تمثل جميع السوريين.
أمام القيادة السورية الجديدة فرصة لإعادة بناء العلاقات الدولية لسوريا وتأمين مستقبلها من خلال معالجة المخاوف الرئيسية للمجتمع الدولي، بحيث يمكن لهذه الأفكار رفع العقوبات وتأمين الدعم المالي، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية.
وستفيد هذه الإجراءات جميع السوريين لتطوير حياتهم اليومية وفتح آفاق اقتصادية كبيرة تسهم في إعادة بناء سوريا، وتُظهر التزام القيادة بمستقبل مستقر ومزدهر لسوريا ولكل السوريين.
- تلفزيون سوريا