ما يجري إقليمياً، ويُحضّر دولياً لمستقبل سورية، يزرع من الشكوك والتخوّفات الكثير، في ظلّ اللاقانون واللادستور واللاحوار واللامشاركة، بعد تعليق “إدارة العمليات العسكرية” العمل بدستور2012، وآل الأمر لقرارات فردية بلا إعلان دستوري أو مرجعية شرعية.
ولأن الأمر جلل يُبنى عليه إيجابياً، أو يكون مرتَكزاً لانهيار لاحق، وهو وارد، فلابدّ من وجود بديل دستوري إسعافيّ مؤقّت خلال المرحلة الانتقالية، بعد نهاية فترة حكومة تسيير الأعمال الحالية، بداية آذار2025، وبذلك يكون التغيير واجب التحقيق، عبر مسارات شرعية تُطمئِن الداخل والخارج معاً، لأن الوضع السوري مدوّل منذ 10سنوات، وتتحكّم به قرارات أمميّة.
وما توحي به الضبابية وانعدام الشفافية في التحرّك صوب عقد مؤتمر حوار وطني، وأمام احتمال تمديد عمر الحكومة الحالية، فلا بدّ من تجرّع واحدٍ من كؤوس، بعضها مرّ، والخيارات متعدّدة تتراوح بين تعديل دستور2012، أو اعتماد دستور1950، أو وضع دستور مؤقّت، يسدّ الفراغ، ويفتح الأفق لمخرجات تمنح الشرعية، وتنتج عن حوار وطني، يشارك فيه كلّ المكوّنات الوطنية، إثنية ودينية وطائفية ومختلف القوى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ريثما يتمّ إنجاز عقد اجتماعي، وبذلك تُخلق بيئة للحوار، وإنجاز دستور ينبثق عن مؤتمر وطني عام، يفي بمتطلّبات الانتقال إلى الدولة السورية الجديدة المنشودة، ويعزّز الوحدة الوطنية، ويبني دولة المواطنة والديمقراطية والقانون.
إن الارتجال في عقد مؤتمر حوار وطني، لا يقوم على أسس واضحة ومرتكزات تُشرك الجميع، ولا تقصي أحداً من مكوّنات الاجتماع السوري، لن يكون مجدياً في ظلّ انعدام الشفافية، والأدوات الإجرائية القانونية اللازمة، وهو ما جعل بعض الطوائف والإثنيات، وربما دفعها لتقمّص هويّة سياسية ورفع سقف مطالبها، وصولاً لاشتراط إدارة الجغرافيا التي تتحكّم بها، وتقاسم ثرواتها! بالإضافة للاستقواء بما لديها من سلاح، وما وُعدت به من دعم سياسي خارجي.وما دامت الحرية والقانون والمواطنة والديمقراطية مطالب لكل السوريين في كل سورية، وليست لطرف أو مكوّن دون آخر، وما دامت حقّاً للجميع، فليس ثمة ضرورة للاستقواء أو استدعاء داعمين أو حماة.
إن إسقاط الأسدية إنجاز تاريخي، في ظلّ وضع داخلي منهك، ووضع إقليمي ودولي ملتهب بالحروب والمتغيرات على كافة الصُّعد، يستحقّ العناية والرعاية، ويليق به أن تكون توجّهاته واضحة، وآلياته شفّافة، وأهدافه نبيلة، لا تقلّ عن عظمة تضحيات شعب سورية، من أجل أن يكون مستقبل أجيالها واعداً تظلّله الحرية، وتحميه العدالة ويتقدّم بالمساواة.
- رئيس التحرير