تشارك، بلا كلل منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول، أطياف واسعة من النخب السياسية والثقافية والإعلامية في الداخل السوري، وفي الخارج، خاصّة الأوروبي، في حملات إعلامية منظمّة لأقناع السوريين، خاصة في المناطق الساحلية، بأنّهم مُستهدفين في نهج ونوايا السلطة الجديدة، وعبر التشكيك بقدرتها على قيادة عملية سياسية لبناء نظام وطني سوري يحمي مصالحهم وحقوقهم، ومسؤوليتها الحصرية عن كلّ ما يُرتكب من جرائم في محاولة للإيحاء بأن الخلاص يأتي بحماية من خارج مظلّة الدولة.
كلّ فشل في تعزيز جهود حماية السلم الأهلي ومصالح السوريين، وفي بناء مؤسسات الدولة الوطنية تصب نتائجه في خدمة أجندات وأدوات القوى التي تعمل على تثبيت وشرعنة عوامل تقسيم سوريا وتحاصصها!
في هذه الأجواء المشحونة، تختلط الرؤى، ويصبح من الصعب على الرأي العام كشف حقيقة النوايا وخبث الأهداف وأبعاد الارتباطات، وحجم المخاطر، ويصبح من مصلحة السوريين بشكل عام، وأبناء الساحل، المُستهدفين بالدرجة الأولى، التدقيق، والوعي، لكي لا يكونوا ضحايا وأدوات لمقتلة جديدة، وتقاسم أكثر تدميرا لسوريا… كما كان جميع السوريين خلال السنوات التي سبقت سقوط النظام، خاصة بين 2011 – 2012!
النقد المطلوب اليوم هو الواقعي، بدوافعه الوطنية، الذي يُدرك أوّلا طبيعة المشروع الوطني والبرنامج السياسي الذي تطرحه وتعمل عليه الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس السوري المكّلف خلال المرحلة الإنتقالية، كما يعرض تفاصيلها في لقاءات إعلامية متتالية (1)، وهو الذي يعترف بطبيعة التحدّيات الحالية والاستراتيجية التي تكشف جوهر الصراع على سوريا في هذه المرحلة، الذي يستعر بأدوات وأشكال مختلفة بين قوى “التوحيد وبناء مؤسسات دولة العدالة والمواطنة المتساوية”، وبين” طيف واسع من قوى التقسيم التي تعمل على تفشيل المسار”.
وبالتالي فإنّ كلّ فشل في تعزيز جهود حماية السلم الأهلي ومصالح السوريين، وفي بناء مؤسسات الدولة الوطنية تصب نتائجه في خدمة أجندات وأدوات القوى التي تعمل على تثبيت وشرعنة عوامل تقسيم سوريا وتحاصصها!
هي أبرز سمات الصراع السياسي على سوريا في هذه المرحلة المصيرية، وعلى الوطنيين، الذين يؤمنون بوحدة سوريا، وديمقراطية نظامها السياسي، العمل معا لمواجهة قوى التطييف والتقسيم الداخلية، التي باتت ارتباطاتها بأجندات ومصالح دول خارجية واضحة المعالم، وتعزف على أوتار الممارسات الإجرامية واللاوطنية الممنهجة أو الفردية، تحت مسميات ويافطات مختلفة!!
من مصلحتنا أن ندرك أن الدعم لا يكون بالتطبيل والتهليل ورفع الصور وإعادة استنساخ ثقافة النفاق وصناعة الأصنام التي عهدناها بل بمساندة الكوادر وبناء مؤسّسات مدنيّة قويّة قادرة على رفد الدولة وحفظ المجتمع، كما يكون بالتناصح لا بالتزلّف.
تتجاهل قوى جبهة التفشيل والتقسيم تحديّات مواجهة إرث الدولةُ التي تركها بشار الأسد حين لاذَ بالفرار من سوريا، وقد أصبحت كومة من الركام والفساد، ووقائع الحاجة إلى نهج وطني ورغبة صادقة لإعادة صياغة مؤسّسات دولتنا الوطنية الجديدة بحيث تصبح مؤسّسات لخدمة المواطن، لا لافتراسه، ومن الطبيعي أن يكون الطريق طويلا جدّاً أمام هذا المشروع غير المسبوق، وأن يكون المخاض مؤلما!
فثقافةُ الفساد متجذّرةٌ في جميع مفاصل الدولة لكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة وقد بدأ العمل في هذا الاتّجاه بالفعل، ومن اللاموضوعية وضع العصي في دواليب تقدّم مشروع الإصلاح المؤسساتي والإداري الاقتصادي من خلال اتهام الإدارة الجديدة بالعمل على بيع قطاع الدولة، وتجاهل وقائع تصاعد ممارسات وسياسات تفشيل قطّاع الدولة تمهيدا لبيعها، منذ العام 2000، ونحن نعلم جيدا مَن تاجر وباع، ومَن قبض، خاصّة، بعد 2020!
لمصلحة مَن نتجاهل أنّ المخاطرُ المحدقة بسوريا داخليّاً وخارجيّاً جمّة، وأنّ المخاضَ عسير والطريق طويل وشاقّ، وأن نتفاءل بمستقبل سوريا وبالقيادة الجديدة الموجودة، وأرى أنّها تستحقّ الدعم والمساعدة ما ظلّت مخلصة في سعيها لتوفير شروط حماية السلم الأهلي من خلال مصادرة السلاح وتفكيك الميليشيات، ونهج بناء مؤسسات دولة المواطنة المتساوية والقانون العادل.
من مصلحتنا أن ندرك أن الدعم لا يكون بالتطبيل والتهليل ورفع الصور وإعادة استنساخ ثقافة النفاق وصناعة الأصنام التي عهدناها بل بمساندة الكوادر وبناء مؤسّسات مدنيّة قويّة قادرة على رفد الدولة وحفظ المجتمع، كما يكون بالتناصح لا بالتزلّف.
النقد مسؤولية وطنية وأخلاقية، ونحن بأمس الحاجة لتعزيز أشكال ثقافة ولغة النقد البنّاء، الذي يكشف المخاطر، وسوء العواقب على السلم الأهلي ومصالح الناس المشروعة، وليس من أجل دفع سوريا وشعبها إلى هاوية الحروب الأهلية والتقسيم، بل للدفع باتجاه تعزيز وحدة السوريين في إطار المسار السياسي المؤسساتي الذي يقوده رئيس سوريا خلال المرحلة الانتقالية.
(1)-
لتأخذ على سبيل المثال رؤية الرئيس السوري أحمد الشرع حول قضية “السلم الأهلي”، كما عرضها في المقابلة على تلفزيون سوريا، 3 شباط الجاري:
تساؤل:
قضية السلم الأهلي، وتحقيق السلم الأهلي، وضرورة ذلك. تعلم، تحصل أحداث مؤسفة في بعض المناطق، في ريف حمص والساحل، ما هي خططكم للتعامل مع هذا الملف؟
جواب:
ظهرت خططننا أثناء العمل العسكري، وكانت سماته واضحة. وهو الذي حافظ على السلم الأهلي… عبر طريقة الدخول إلى المدن.. كنت حريصا جدا على طريقة دخولنا إلى حلب. عندما كنا نحضّر للمعركة، كررنا دائما “بقدر ما نهتم بالعمل العسكري، ينبغي الاهتمام بكيفيّة الدخول إلى المدن والبلدات الكبرى. كان في الدخول إلى حلب انضباط شديد، وهذا أوصل رسائل للجميع.
كما نعلم، النظام خلال فترة حكمه، عمل على تقسيم المجتمع، من خلال الاعتماد على فئات معينة، استخدمها ضد فئات أخرى، وكانت بالتالي احتمالية حصول حرب أهلية كبيرة جدا، وعمليات انتقام.. ولكن عندما سارت مجريات المعركة بسلاسة، وكان دائما عنوانها فيه رحمة و”فتح، لا ثأر فيه”، وكنت أركّز دائما على هذه المسائل في الجهد الكبير الذي بذلناه قبل بدء المعركة، حتى نصل إلى هذا الأداء… وهذا أعطى رسالة طمأنة إلى الجميع وكان فيه رفعة وقوّة لِمَن يقوم به. اليوم الدولة هي التي تشكّل الضمانة لكلّ الطوائف، بمن فيها التي كانت تُستخدم لإيذاء أطراف أخرى… نحن يجب أن نركّز في الحالة السورية على عملية البناء، والبناء لا يمكن أن يكون إذا لم يكن المجتمع موحّدا.
السلم الأهلي ليس رفاهية اليوم في سوريا، بل هو واجب على السوريين أن يبذلوا كلّ ما استطاعوا من قوّة إلى أن يبقوا موحدين، لأنّ هذا هو العنصر الأساسي، والدعم الرئيسي لنهضتهم..أمّا إذا بقينا أسرى للخلافات البينيّة، والطائفية، وإثارة النعرات البينية، أخشى أن يكون هناك كارثة كبيرة في سوريا.. اليوم وصلنا إلى بر الأمان… وأن يكون هناك حوادث تجري هنا وهناك… فهي بالحد الأدنى… وكان المتوقع مع الأسف أكبر من هذا بكثير، بسبب ما خلّفه النظام. فستين سنة من السياسات السلبية في إدارة البلاد، مُحيت في بضعة أسابيع، والحمد لله”.
- تلفزيون سوريا