باريس- “القدس العربي”:
تحت عنوان “الانتقال في سوريا مهدّد”، قالت صحيفة لوموند في افتتاحية عددها اليوم الخميس، إن سوريا قدّمت خلال الأيام القليلة الماضية وجهين: الوجه الأسوأ، ثم وجه الأمل.
فقد بدأ كل شيء يوم الخميس 6 مارس/ آذار الجاري بهجوم استهدف قوات الرجل الجديد القوي في البلاد، الرئيس الانتقالي أحمد الشرع. وقد شنت الهجوم ميليشيات ما تزال وفية للدكتاتور بشار الأسد، الذي أُطيح به في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وذلك في المعقل الساحلي للأقلية العلوية التي ينتمي إليها، توضّح الصحيفة الفرنسية.
هؤلاء الموالون لديهم كل ما يخشونه من سوريا متصالحة مع ذاتها، حيث سيكون عليهم الرد على الجرائم التي ستظل الديكتاتورية مرتبطة بها إلى الأبد. لكن الانتقامات الدموية التي نفذها بعض رجال السلطة السورية الجديدة ضد الأقلية العلوية أعادت إحياء شبح انزلاق البلاد إلى أعمال عنف طائفية لا نهاية لها، يغذيها تطرف إسلاموي كان أحمد الشرع أحد أتباعه قبل أن يبتعد عنه، تُضيف لوموند.
فأمام أول اختبار كبير له منذ وصوله إلى السلطة، تحرك أحمد الشرع بسرعة متعهداً بالعثور على مرتكبي الانتهاكات ومعاقبتهم. لم يكن لديه خيار آخر، فسلطته وصورته على المحك. وتعد اللجنة التحقيقية التي تم تشكيلها (بمشاركة أعضاء علويين) خطوة أولى، لكن يجب أن تسفر عن نتائج، ويجب تحقيق العدالة، حتى لو كان ذلك ضد من اعتمد عليهم الشرع في الماضي، تتابع صحيفة لوموند في هذه الافتتاحية.
وما إن عاد الهدوء بالكاد إلى المعقل العلوي حتى تم الإعلان عن اتفاق واعد في دمشق يوم الاثنين الماضي على الجبهة الطائفية الثانية التي تواجهها السلطات الجديدة. يتعلق الأمر بالاتفاق الذي توصّل إليه الشرع وقائد القوات الكردية التي تسيطر على شمال شرق البلاد، مظلوم عبدي. وهو ما يبعد في المدى القريب خطر التفكك الذي سيحكم على سوريا بالبقاء لعبة في أيدي القوى الإقليمية الرئيسية، سواء كانت تركيا أو إيران أو إسرائيل، توضح الصحيفة الفرنسية.
وبالطبع، ما يزال هذا الاتفاق المبدئي بحاجة إلى تطبيقات دقيقة، من دمج الميليشيات الكردية ضمن قوات الأمن التابعة للنظام الجديد إلى تقاسم عائدات الإنتاج النفطي والغازي المتواضع لبلد دمرته الحرب الأهلية والعقوبات الدولية.
ومع ذلك، فإنه يمثل قطيعة كبيرة مع النهج الذي تعاملت به عائلة الأسد مع الأقلية الكردية لعقود. ولا شك في أن إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، عبد الله أوجلان، تخليه عن السلاح في تركيا يوم 27 فبراير/ شباط الماضي، قد ساهم في تحقيق هذا الاختراق.
هاتان الصورتان لسوريا تثيران بلا شك تساؤلات كبرى لدى الدول التي يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على مستقبلها. وتحديداً، تلك القادرة على التأثير في قرار الإبقاء على العقوبات المرتبطة بالنظام السابق أو رفعها، والتي ما يزال البلد يدفع ثمنها، تقول صحيفة لوموند، موضّحة أنه من المفهوم أن هذه الدول تفضل التريث لتقييم مدى جدية أحمد الشرع في استعادة السيطرة على الوضع وضمان العدالة فيما يتعلق بالجرائم التي ارتُكبت في الأيام الأخيرة.
لكن هذه الموجة من العنف تؤكد أيضاً أن أيّ غياب لتحسين الأوضاع المعيشية للسوريين سيفيد أولئك الذين لا يريدون نجاح الانتقال الجاري. ومع ذلك، فإن الفشل في تحقيق ذلك سيضمن استمرار معاناتهم، تقول الصحيفة الفرنسية.
- القدس العربي