توسعت العمليات الإسرائيلية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، بهدف إنشاء مناطق نفوذ وضمان أمنها، رغم أن النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع أبدى استعداداً للتعاون وتطبيع العلاقات. استمرار التصعيد الإسرائيلي دون رؤية إستراتيجية يهدد بتأجيج تمرد محلي، ويفوّت على إسرائيل فرصة عزل إيران وتحقيق استقرار إقليمي فعلي.
ازداد النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا عدوانية في الأشهر التي أعقبت انهيار نظام الرئيس بشار الأسد. فقد استولى الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة التي أنشئت بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 والتي كانت تخضع لرقابة الأمم المتحدة. كذلك نفذ أيضاً ضربات ممنهجة ضد البنية التحتية السورية، إذ قصف شبكات الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة، وأنظمة الصواريخ، والقدرات الاستخباراتية، وأقام تسعة مواقع عسكرية جديدة. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مراراً أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في سوريا “إلى أجل غير مسمى”. وفي مارس (آذار) الماضي أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطط لإنشاء مناطق نفوذ من خلال عقد تحالفات مع الأقليات داخل سوريا، إضافة إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح بطول 30 ميلاً تمتد من الحدود الإسرائيلية إلى دمشق.
يمثل كل هذا تحولاً جذرياً عن نهج إسرائيل الحذر تجاه جارتها الشمالية الشرقية. كثيراً ما رأت إسرائيل أن بإمكانها التعايش مع نظام الأسد والسيطرة على سلوكه. وحين بدأ الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية بعد انهيار النظام في ديسمبر (كانون الأول) 2024، كان الهدف منها في البداية منع وقوع القدرات العسكرية الحساسة في أيدي جهات غير معروفة أو غير موثوقة. أما اليوم، فإن مخاوف إسرائيل من الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، تبدو مفهومة، نظراً إلى تاريخه السابق مع جماعات إرهابية، ولا سيما أن لقبه العسكري السابق، “الجولاني”، قد يعكس رغبته في تحرير مرتفعات الجولان من الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك يبدو أن إسرائيل باتت تبالغ في تدخلها. فبعد دخوله دمشق، سارع النظام السوري الجديد إلى تأكيد عدم رغبته في الدخول في صراع مع إسرائيل، بل وطرح احتمال تطبيع العلاقات. صحيح أن من الواجب الحكم على هذا النظام من خلال أفعاله لا أقواله فحسب، لكنه في الوقت الراهن يقدم لإسرائيل فرصة ثمينة لعزل إيران، وتحويل سوريا من خصم إلى جار مسالم، وتحقيق قدر من الاستقرار الإقليمي.
وعلى رغم أن المخاوف الأمنية الحقيقية هي من بين دوافع السلوك الإسرائيلي في سوريا، فإن هناك أيضاً رغبة واضحة لدى القيادة الإسرائيلية في إثبات القوة والعزيمة، سواء أمام جيرانها أو أمام جمهورها الداخلي الذي لا يزال يعاني صدمة فشل الحكومة في حماية حدود البلاد في السابع من أكتوبر 2023. وإذا انساقت القيادة الإسرائيلية خلف رغبة التصعيد والتوسع العسكري، فإنها قد تخلق عدواً جديداً لا وجود له حالياً. كذلك فإنها ستفاقم التوتر مع تركيا، مما قد يدفع البلدين إلى حافة مواجهة عسكرية لا داعي لها. وبدلاً من ذلك، ينبغي على إسرائيل أن توضح أن تدخلها الميداني موقت، وأن تسهم في التخفيف من الأزمة الإنسانية في سوريا، وتتوقف عن تقويض الجهود التركية الهادفة إلى مساعدة الشرع في دعم استقرار البلاد ومواجهة النفوذ الإيراني. كذلك ينبغي على إسرائيل أن تكون مستعدة للعمل مع دمشق، ما دامت الأخيرة لا تقوم بأعمال أو تدعم أطرافاً من شأنها تهديد أمنها.
تحول في التوجه
على مدى نحو ربع قرن من حكم الأسد، أصبحت سوريا جزءاً لا يتجزأ مما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي تقوده إيران. عمل الأسد على توثيق تحالفه الإستراتيجي مع “حزب الله”، وأسهم في تحوله إلى قوة مسلحة خطرة من خلال منحه الوصول إلى ترسانة الأسلحة السورية والقدرات الإستراتيجية التي حصل عليها من روسيا، بما في ذلك صواريخ باليستية متقدمة وأنظمة دفاع جوي. وقد تركت حرب عام 2006 ضد “حزب الله” أثراً عميقاً في الوعي الإسرائيلي، إذ اعتبر الحزب تلك الحرب انتصاراً له، بينما قضت إسرائيل العقد التالي وهي محجمة عن محاولة تفكيك هذا التحالف. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، سعت إسرائيل إلى منع ترسيخ موطئ قدم لإيران و”حزب الله” داخل الأراضي السورية من خلال ما سمته “الحملة بين الحروب”، وهي سلسلة من العمليات العسكرية التي ركزت أساساً على منع تهريب الأسلحة إلى لبنان. وعلى رغم أن إسرائيل لم تعلن دعمها أياً من أطراف الصراع، فإن قادتها فضلوا بقاء الأسد، واعتبروه في أحاديثهم الخاصة “الشيطان الذي نعرفه”، وحرصوا على ألا تؤدي جهودهم في مواجهة النفوذ الإيراني إلى زعزعة حكمه.
لم يتبدل نهج إسرائيل في سوريا على الفور في أعقاب هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر 2023. غير أن هذا الهجوم المدمر أطلق العنان للتغيير. فقد كشف الهجوم عن أن إسرائيل أساءت تقدير نيات وقدرات الخصم، وكان من الواضح أن أجهزة الأمن في البلاد اعتمدت أيضاً بصورة مفرطة على المراقبة الإلكترونية لتأمين الحدود مع غزة. وكان الدرس الذي تعلمه كثير من المسؤولين الإسرائيليين هو أن إستراتيجيتهم “الهدوء مقابل الهدوء”، أي غض الطرف عن الاستفزازات الصغيرة لتجنب الصراع الكبير، قد منيت بالفشل. ونتيجة لذلك، غير الجيش الإسرائيلي عقيدته على طول حدود إسرائيل، فراح يركز على العمل الاستباقي وإيجاد ما يسمى المناطق العازلة داخل أراضي الخصوم.
وعلى مدار الـ18 شهراً الماضية، ازدادت رغبة إسرائيل في ترسيخ المناطق العازلة. في مارس الماضي، صرح وزير الدفاع كاتس بأن العمليات البرية الموسعة للجيش الإسرائيلي في غزة تهدف، جزئياً، إلى “الاستيلاء على أراض واسعة” تضاف بشكل دائم إلى “المناطق الأمنية لدولة إسرائيل”. وفي لبنان، وعلى رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع “حزب الله” في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ومع أن حكومة جديدة أقل تأييداً لـ”حزب الله” قد تولت زمام الأمور في بيروت في فبراير (شباط) الماضي، فإن الجيش الإسرائيلي لا يزال متمركزاً في خمس نقاط إستراتيجية قرب الحدود، بهدف طمأنة المجتمعات الإسرائيلية الحدودية بأنها لن تترك من دون حماية مرة أخرى.
على رغم أن حملة إسرائيل الفتاكة ضد “حزب الله” وجهودها الرادعة ضد إيران، إضافة إلى انشغال روسيا في أوكرانيا، قد تركت الأسد بلا حماية، فإن انهيار نظامه فاجأ إسرائيل. واضطرت إسرائيل إلى تطوير إستراتيجية جديدة حول سوريا على الفور. فتحركت حالاً لتدمير قواعد سلاح الجو السوري والطائرات العسكرية ومستودعات الصواريخ، وعززت تحصيناتها الحدودية، واستولت على المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة والبالغة مساحتها 145 ميلاً مربعاً. كذلك أقام الجيش الإسرائيلي مواقع جديدة داخل سوريا، وشق طرقاً للوصول إليها، وحفر خنادق، ونشر مئات الجنود هناك.
بداية خاطئة
وعلى رغم ذلك، فإن هذا النهج لا يحمل كثيراً من القيمة الإستراتيجية في الحال السورية، بخلاف ما هو عليه في لبنان، إذ إن النظام السوري الجديد لا يشكل تهديداً وشيكاً لإسرائيل. فقد ظلت الحدود السورية الإسرائيلية هادئة طوال فترة الحرب على غزة، ولم تجبر المجتمعات الإسرائيلية القريبة منها على النزوح. كما شدد القادة الجدد في دمشق مراراً على نيتهم إشراك الأقليات والعلمانيين في الحكم، وبذلوا جهوداً لكسب ثقة الأطراف الغربية. وتخلى نظام الشرع عن الخطاب الرسمي المعادي لإسرائيل، بل تعهد باحترام اتفاق فصل القوات الذي أبرمته سوريا مع إسرائيل عام 1974، والذي نص على وقف إطلاق نار مفتوح الأجل. وقال الشرع في ديسمبر: “لا نريد أي صراع، لا مع إسرائيل ولا مع غيرها”، مضيفاً أنه لن “يسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق لأية هجمات”.
ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيلتزم الشرع هذه الوعود، لكن عوضاً عن التريث وتقييم الموقف، بدأ كثير من القادة الإسرائيليين بالتعامل مع حكومته كما لو أنها عدو محتمل لا محالة. ففي أواخر ديسمبر 2024 غزت قوات الجيش الإسرائيلي منطقتين إضافيتين في الأقل داخل الأراضي السورية، خارج نطاق المنطقة العازلة، ورفعت وتيرة وقوة ضرباتها في عمق سوريا، على رغم أن وتيرة الهجمات انخفضت خلال الأسبوعين الأخيرين. وتقول إسرائيل إن بعض هذه العمليات تهدف إلى حماية الأقليات، ولا سيما الدروز، الذين يعتبرون حلفاء محتملين. لكن كثراً من أبناء الطائفة الدرزية السورية يشككون في صدق نيات إسرائيل، ففي منتصف مارس اندلعت احتجاجات في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، اتهم خلالها قادة دروز إسرائيل بتقويض وحدة الأراضي السورية. ويبدو أن مساعي إسرائيل إلى بناء تحالفات مع الأقليات غير السنية تتعارض مع تطلعات معظم السوريين المنهكين من الحرب، الذين يطمحون إلى بلد موحد ومستقر.
في غضون ذلك، يصر نتنياهو على ضرورة “نزع السلاح” من كامل الأراضي السورية الواقعة جنوب دمشق، وهو هدف يصعب على الشرع قبوله، إذ إن تحقيقه يعني عملياً التخلي عن السيطرة على تلك المنطقة. وتسعى إسرائيل إلى تقويض سلطة الشرع عبر الضغط على الولايات المتحدة للإبقاء على العقوبات المفروضة على سوريا، والتنسيق الوثيق مع موسكو لمساعدة روسيا في الحفاظ على قواعدها العسكرية هناك. ويبدو هذا الانفتاح الإسرائيلي على روسيا محيراً، نظراً إلى أن التدخل الروسي لإنقاذ الأسد قبل عقد من الزمن كان من أبرز العوامل التي عززت النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
يبدو القادة الإسرائيليون عازمين على اعتبار أن بلادهم في خطر
ويمثل انعدام ثقة إسرائيل بحكومة الشرع مفارقة أخرى. فقد اتهم القادة الإسرائيليون فريق الشرع بإخفاء نياته الحقيقية، ففي مارس الماضي، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن أعضاء فريق الشرع “كانوا جهاديين ولا يزالون جهاديين، حتى لو ارتدى بعض قادتهم البدلات الرسمية”. ومع ذلك فإن إسرائيل تعول على موقف الشرع المعادي لإيران في منع طهران من إعادة ترسيخ نفوذها الإقليمي. وعلى رغم أن تقويض سلطة الشرع قد يعزز سيطرة إسرائيل على المنطقة العازلة في المدى القصير، فإن مصلحتها الإستراتيجية على المدى البعيد تكمن في وجود سوريا مستقرة.
كذلك تعمل إسرائيل على إحباط محاولات تركيا لترسيخ نفوذها في سوريا، إذ أفشلت جهود أنقرة لإعادة بناء قدرات الجيش السوري من خلال قصف قواعد جوية كانت تركيا تسعى إلى السيطرة عليها. وتصاعد في الخطاب الرسمي الإسرائيلي تصوير تركيا كخصم. فقد أشار تقرير حكومي صدر في يناير (كانون الثاني) الماضي عن لجنة مكلفة مراجعة موازنة الدفاع إلى “التهديد التركي”، مدعياً أن تركيا تسعى إلى تحويل الجيش السوري إلى “وكيل تركي في إطار حلمها بإعادة تاج الدولة العثمانية إلى سابق عهده”، وهو ما “يزيد من خطر نشوب مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل“. وفي أواخر مارس الماضي، نشر ساعر تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي وصف فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه “معادٍ للسامية” و”يشكل تهديداً للمنطقة”.
يبدو أن القادة الإسرائيليين مصرون على تصور بلادهم كدولة مهددة، ويميلون إلى استبدال تهديد تركي جديد مفترض بالتهديد المتراجع الذي تمثله إيران وحلفاؤها. وقد أسهم أردوغان في توتير العلاقات، إذ شبه نتنياهو بهتلر عام 2024، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. تسعى أنقرة إلى ضم سوريا إلى دائرة نفوذها، مما قد يحد من حرية الحركة العسكرية الإسرائيلية، ويقرب القوات التركية من حدود إسرائيل. ومع ذلك فتركيا ليست خصماً لإسرائيل، فكلا البلدين حليف للولايات المتحدة، ويجمع بينهما تعاون اقتصادي وأمني قوي، وعلى إسرائيل أن تتجنب استعداء أكبر قوة عسكرية في الـ”ناتو” في وقت تخوض فيه حرباً متعددة الجبهات.
تكلفة الفرصة الضائعة
يعكس موقف إسرائيل بالتأكيد عقلية البلاد الأكثر عدوانية على الصعيد الخارجي في مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر 2023. إلا أن ثمة دوافع داخلية أيضاً لهذا الموقف. فقاعدة نتنياهو السياسية تستمتع برؤية منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر دبابات الجيش الإسرائيلي وهي تجوب سوريا. علاوة على ذلك، من المرجح أن ائتلاف نتنياهو يأمل في أن يؤدي توفير الحماية للدروز في سوريا إلى استمالة أفراد من الطائفة الدرزية الإسرائيلية، وكسب تأييدهم. وهؤلاء الدروز مواطنون إسرائيليون مخلصون يخدمون في الجيش الإسرائيلي ومع ذلك يعانون التمييز مقارنة بالغالبية اليهودية في البلاد.
بيد أن نهج إسرائيل في سوريا قد بدأ يأتي بنتائج عكسية سلفاً. ففي الثاني من فبراير الماضي، صرح وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة لصحيفة “واشنطن بوست” بأن توغلات الجيش الإسرائيلي تشكل “انتهاكاً في حق الشعب السوري”. والتصريح يعتبر تحولاً عن التوجه الذي اتبعه نظام الشرع في البداية والمتمثل بعدم انتقاد إسرائيل. وعبر عن امتعاضه من تجاهل إسرائيل الدور الذي لعبه الشرع في ردع إيران، العدو المشترك، قائلاً: “كان لديهم مشكلة مع إيران، ونحن أنقذناهم منها”. وعلى مدى أشهر، امتنع الشرع عن انتقاد السلوك التصعيدي الإسرائيلي، وهو ما كان يمكن أن يعتبر مؤشراً إيجاباً من جانب إسرائيل. لكن في مارس الماضي بدأ الشرع بنفسه في التعبير عن غضبه، واصفاً التحركات الإسرائيلية بأنها “توسع عدائي”.
في أواخر مارس الماضي ومطلع أبريل (نيسان) الجاري، تعرضت قوات الجيش الإسرائيلي في سوريا إلى إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين. وإذا بقيت إسرائيل على موقفها العدواني، فقد يسمح الشرع – الذي يسعى إلى كسب تأييد الأقليات السورية – أو حتى يدعم هجمات هذه الجماعات المسلحة على القوات الإسرائيلية، ومن ثم يؤدي السلوك الإسرائيلي إلى تحقق الاعتقاد المسبق بأن النظام السوري الجديد يكن العداء لتل أبيب. وقد يؤجج الاستياء من وجود الجيش الإسرائيلي احتمالات التمرد، وهو ما من شأنه أن يدفع الجيش الإسرائيلي إلى التوغل أكثر داخل الأراضي السورية.
سياسة إسرائيل في سوريا بدأت بالفعل تأتي بنتائج عكسية
إذا حافظت الحكومة السورية الجديدة على اعتدالها واستطاعت أن ترسخ سلطتها، فإن المكاسب المحتملة لإسرائيل ستكون كبيرة. سيكون لديها جار مستقر لا يدين بالولاء لإيران، ويتمتع بجيش فعال يمكنه معالجة التهديدات الصادرة عن الجماعات المتطرفة بنفسه. وإسرائيل ليست مراقباً سلبياً لمسار السياسة السورية، إذ يمكنها تشجيع اعتدال الشرع عبر الترحيب بإشارات الانفتاح القادمة من دمشق، مثل اعتقال اثنين من كبار قادة حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية في الـ21 من أبريل، إضافة إلى ذلك على إسرائيل أن تعلن بصورة واضحة أن تقدمها العسكري على الأرض هو إجراء موقت حتى تتمكن قوة مسؤولة من تأمين الجانب الآخر من الحدود. وإلى أن تمتلك دمشق هذه القدرة، ينبغي لإسرائيل أن تقلص من احتكاكها بالسكان والحكومة الجديدة، من خلال تقليص وجودها العسكري العلني والتواصل مع فريق الشرع عبر قنوات سرية. وفي الوقت نفسه ينبغي أن تستثمر إسرائيل المكاسب التي حققتها لتأمين حدودها مع سوريا عبر السعي إلى اتفاق دبلوماسي يضمن حماية الطائفة الدرزية في سوريا ونزع السلاح من مرتفعات الجولان.
يجب على إسرائيل أيضاً أن تغير نهجها حيال تركيا. ففي اجتماع مع نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأردوغان ودعا البلدين إلى إصلاح علاقتهما. ولكن إذا نفذ ترمب نيته سحب القوات الأميركية من سوريا، فقد يترك ذلك إسرائيل وتركيا تتنازعان حول البلاد من دون إشراف جهة تتسم بالنضج. في التاسع من أبريل الجاري بدأت جولة من المحادثات بين إسرائيل وتركيا، بوساطة أذربيجان. ينبغي على إسرائيل استخدام هذه المناقشات ليس فقط لوضع آلية لفض النزاع، بل أيضاً لخفض التوترات بصورة عامة.
يشبه نهج إسرائيل الحالي الجهود التي بذلتها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي حين أنشأت منطقة أمنية في جنوب لبنان، وأسفرت عن اندلاع حرب استنزاف عمقت التذمر اللبناني وسهلت على “حزب الله” السيطرة على البلاد بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000. يجب على إسرائيل ألا تكرر هذا الخطأ. وينبغي على الحكومة الإسرائيلية التعاون بشكل أمتن مع شركائها الإقليميين والدوليين بهدف منع سوريا من الوقوع مجدداً في الفلك الإيراني، وتعطيل بقايا الأسلحة البيولوجية والكيماوية المتبقية من عهد الأسد وإزالتها. وبوسع إسرائيل أيضاً أن تخفف الأزمة الاقتصادية في سوريا من خلال المساعدة على تزويد البلاد بالطاقة والغذاء والمياه. هذا سيساعد إسرائيل على تأمين النفوذ الإقليمي الذي تريده حقاً، مساعدة أكبر مما تفعله لها مجرد توغلات عسكرية استعراضية ليس لها إستراتيجية دبلوماسية تدعمها.
مترجم عن “فورين أفيرز” 23 أبريل (نيسان) 2025
شيرا عفرون هي مديرة البحوث في منتدى السياسة الإسرائيلية وزميلة أولى في مؤسسة ديان وغيلفورد غليزر.
داني سيترينوفيتش زميل باحث ضمن برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي.
- إندبندنت