دمشق ـ «القدس العربي»: في أول زيارة له إلى دولة غربية منذ توليه السلطة بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر، عقد الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، مباحثات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه أمس الأربعاء.
ورحب ماكرون بالشرع وصافحه في ساحة القصر الرئاسي، حيث اصطفت ثلة من الحرس الجمهوري، ثم انخرطا في مباحثات شاملة.
وأشارت «الإخبارية» السورية إلى أن المباحثات بين الرئيسين تشمل «التحديات الأمنية واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على سوريا، والعلاقات مع دول الجوار».
وسبق أن أكدت وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن قصر الإليزيه، أن فرنسا ستؤكد خلال زيارة الشرع دعمها «لبناء سوريا جديدة، سوريا حرة ومستقرة وذات سيادة تحترم كل مكونات المجتمع السوري».
وأكد مقربون من ماكرون، حسب وسائل إعلام فرنسية، أنه سيتم البحث في إعادة الإعمار وآفاق التعاون الاقتصادي ورفع العقوبات الأوروبية. لكن في الوقت نفسه، ستشكل الزيارة فرصة لفرنسا لإعادة التأكيد على ضرورة إشراك جميع الأقليات السورية في الحكم، وكذلك الحفاظ على حقوقهم وحرياتهم الشخصية والدينية.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تظهر أعداداً من السوريين المقيمين في فرنسا وهم يرحبون بالشرع.
وفيما هاجم اليمين المتطرف زيارة الرئيس السوري المؤقت، أيد إكزافييه برتراند الوزير السابق والشخصية الهامة في حزب «الجمهوريون» ماكرون في استقباله للشرع، وقال حسب إذاعة «مونت كارلو» الفرنسية «كنت سأقابل الرئيس السوري، والذين ينتقدون إيمانويل ماكرون لا يفهمون شيئًا عن دور رئيس الدولة. يجب على دولة عظيمة مثل فرنسا أن تكون قادرة على التحدث مع جميع الأطراف، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسلام والأمن».
كما قال سيدريك لابروس، المحلل السياسي الفرنسي المختص في الشؤون السورية، في حديثه لإذاعة «فرنسا الدولية»، إن «باريس مدركة للواقع وللوضع الحالي، وكونها أول حكومة أوروبية تستقبل الشرع، فهذا لا ينبع من فراغ، فرنسا تريد وتعرف كيف يتم جس النبض. الغرض الأساسي من هذه الخطوة هو استكشاف شخصية هذا الرجل أو بالأحرى جس نبضه».
وأضاف: «لقد التقينا بوزير خارجيته، ونعرف ممثليه الدبلوماسيين، ونتابع تصريحاته داخل سوريا، لكن في الغرب، لا أحد يعرفه عن قرب. الهدف من هذه الزيارة هو التعرف عليه بشكل مباشر، بعيدا عن وسائط الإعلام أو خطابه السياسي الذاتي».
واستهل الشرع زيارته إلى باريس بلقاء فريد المذهان، المعروف بـ «قيصر»، والذي التقط آلاف الصور لجثث شوّهها التعذيب في مراكز الاعتقال والسجون في سوريا خلال حكم بشار الأسد.
لقاء «قيصر»
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) ان الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني «يلتقيان السيد فريد المذهان المعروف بـ «قيصر» على هامش زيارتهما إلى جمهورية فرنسا».
وكشف «قيصر» عن هويته ووجهه للمرة الأولى في مقابلة مع قناة «الجزيرة» القطرية في شباط/فبراير الماضي، بعد شهرين من إسقاط الرئيس بشار الأسد.
دعم دولي
وتأتي الزيارة في إطار المساعي السورية الحثيثة للحصول على دعم دولي لتحقيق المزيد من الاستقرار في سوريا. وفي هذا الإطار، قال الباحث السوري الفرنسي من باريس، الدكتور شارل مهند ملك، لـ «القدس العربي» إن فرنسا هي البلد الأول في أوروبا ودول مجلس الأمن، التي تفتح الباب أمام الرئيس الشرع.
التقى «قيصر» الذي التقط آلاف الصور لجثث شوّهها التعذيب في سجون الأسد
ووفق قوله، هذا الانفتاح له عدة أسباب، إذ إن فرنسا ترى في دعم الاستقرار في سوريا ضرورة لاستقرارها، وسقوط الدولة الحالية سيهيئ لإعادة التنظيمات المتشددة على الساحة، سيما أن فرنسا كانت من أكثر الدول تضررا من تنظيم «الدولة الإسلامية» في عام 2015.
وبرأي المتحدث، فإن فرنسا ترى في الرئيس المؤقت أحمد الشرع حلاً ممكناً، وتريد إعطاء فرصة له لإثبات نواياه بقيادة دولة مسالمة للجوار وحامية للأقليات ومساهمة في بناء المنطقة ومحاربة المخدرات.
كما أن فرنسا، تبعا للمتحدث، تريد للدولة أن تنجح بمهمتها، وستعمل مع شركائها في المنطقة، وأهمهم قطر لدعم الدولة بكل ما أوتيت من قوة، لافتا إلى وجود إشارات تشي برغبة فرنسا بأن تكون جزءا من حركة إعادة الإعمار.
أهمية كبيرة
كذلك اعتبر السياسي السوري مؤيد اسكيف، أن هذه الزيارة تكتسب أهمية كبيرة باعتبارها انفتاحا فرنسيا وأوروبيا على الإدارة السورية الحالية، وكذلك انفتاحا سوريا على الغرب عموما. وعبّر المتحدث عن اعتقاده بأن هذه الزيارة ولقاء الرئيس ماكرون سوف يفتحان الباب واسعا لعلاقات جديدة مع دول أوروبية وغربية.
ورجح أن تكون قد شملت مباحثات الشرع وماكرون رفع العقوبات الأمريكية واحتمال لعب دور إيجابي من قبل فرنسا لإلغاء العقوبات، أو ربما تخفيف وطأتها باعتبارها كانت تستهدف نظام بشار الأسد، وبالتأكيد سوف يكون هناك حديث مستفيض عما تسمى الأقليات في سوريا وتمثيل الإدارة السورية لعموم السوريين، إضافة إلى مسألة العدالة الانتقالية ككل ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب بحق السوريين.
وبين أن كلا الطرفين لديهما النوايا للتعاون والمضي قدما نحو علاقات متوازنة مع سوريا وبين سوريا وجيرانها بما فيهم لبنان.
وبشأن حلحلة الملفات العالقة وإزاء رمزية هذه الزيارة، وأبعادها، قال إسكيف: هي متعددة الأبعاد، وأهمها هو الدور الهام لفرنسا في المنطقة، وخصوصا في سوريا ولبنان، وأعتقد أن فرنسا مدركة جيدا لقدرة سوريا على التأثير في لبنان حتى الآن وهي تريد لعب دور إيجابي في العلاقة بين البلدين، وأعتقد أننا ربما نشهد بعد الزيارة زيارة للرئيس اللبناني جوزيف عون إلى دمشق في حال مضت الأمور بشكل إيجابي، وبالتالي حلحلة كل الملفات العالقة بين البلدين كترسيم الحدود وحمايتها وتسليم معتقلي الرأي السوريين في لبنان، وتنظيم عودة النازحين السوريين والإفراج عن أموال المودعين السوريين، وما يمكن أن ينتج عنه من شراكة اقتصادية لاحقا.
وفي رأي المتحدث، فإن العلاقة السورية مع فرنسا من الممكن أن تكون طوق نجاة مرحليا من الكثير من الضغوطات، وإن كان بالنسبة لفرنسا يعيد لها دورا منسيا إلى المنطقة فإنه بالنسبة لسوريا ممكن أن يقدم لها الحماية من العقوبات الأمريكية ومن الضربات الإٍسرائيلية وأن يكون لها دور في التنمية الاقتصادية الموعودة في سوريا خاصة وأن الشركات الفرنسية تتجهز لدخول السوق السورية الواعدة بقوة.
وحول المطالب السورية من فرنسا وشروط الأخيرة، اعتبر السياسي السوري الدكتور طلال عبد اللّه جاسم، وهو باحث سياسي لديه العديد من الأبحاث والدراسات، أن سوريا تحتاج إلى الدعم الفرنسي والأوروبي سياسيا واقتصاديا وتكنولوجياً، فبدون مساهمه أوروبية فاعله يصعب على سوريا الخروج من عنق الزجاجة. وأضاف: فرنسا خسرت كثيرا من نفوذها في أفريقيا وهي تريد تثبيت وجودها في لبنان وسوريا، وأن تحفظ مصالحها الإستراتيجية في الاقليم عبر سوريا ولبنان، خاصة بعد خروج إيران وضعف دور روسيا. وفرنسا تحاول التنسيق مع الدول العربية وتركيا، لتثبيت نفوذها في منطقة تعتبرها فرنسا عمقا حيويا واستراتيجيا لها.
ولفت إلى جود خلافات حول الأقليات مستدركا القول «لكن على ما يبدو هناك رغبة حقيقة لدى فرنسا والإدارة السورية الجديدة في إيجاد مخارج مقبولة»، آملا أن تحقق القيادة السورية إنجازا في علاقاتها مع فرنسا خصوصا وأوروبا عموما لتتمكن من الانطلاق نحو البناء وتلبية احتياجات الشعب السوري الذي يعاني بشدة في كل مناحي الحياة.
وزاد: بعد توقيع اتفاقات ميناء اللاذقية هناك رغبة فرنسية بمزيد من الاستثمارات في سوريا عبر الشركات الفرنسية وخاصة الطاقة.
وبناء على ما تقدم، توقع المتحدث أن تدعم الجمهورية الفرنسية سوريا بشروط، بينها أن يكون هناك توافق حول لبنان وبعض الملفات الإقليمية، لكن الموقف الغربي سيبقى، وفق رأيه «مترددا إلى حين جلاء شكل ونهج الإدارة السورية الجديدة». وأضاف: الزيارة بحد ذاتها أمر إيجابي، خاصة أنها تزامنت مع وجود المستشار الألماني الجديد، وبذلك يكون العملاقان الأوروبيان موجودين، وهذه رسالة أوروبية إيجابية تجاه السوريين والقيادة الجديدة، هذا على الصعيد السياسي، وقد تكون هناك مخرجات اقتصادية تكون بداية لدعم سوريا في قادم الأيام.
- القدس العربي