وفق مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، ومقره مدينة سيدني بأستراليا، فإنه من بين البلدان الـ10 الأكثر تأثراً بالإرهاب على الصعيد العالمي حضرت ست دول أفريقية، معظمها بمنطقة الساحل، وتتصدر إحداها القائمة، مما يعطي صورة عن تغلغل نشاط الجماعات المسلحة في هذه المنطقة بصورة خاصة.
فتح تصاعد التوترات الأمنية والسياسية في الساحل الأفريقي، أبواب المخاوف من مستقبل مجهول يهدد الاستقرار، لا سيما مع عودة التنظيمات الإرهابية إلى النشاط مخلفة آلاف الضحايا، ويبقى انتقال “إرهابيي” سوريا إلى المنطقة بعد التطورات الحاصلة في الشام يثير هواجس ويفرض تحديات.
تغيير مرتقب للخريطة الإرهابية
وتأتي الأرقام التي قدمها مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، ومقره مدينة سيدني بأستراليا، في مارس (آذار) 2025، حول تنامي النشاط الإرهابي في الساحل الأفريقي في 2024، بالتزامن مع سقوط نظام بشار الأسد وارتفاع الأصوات بضرورة خروج المسلحين الأجانب من سوريا، لتكشف عن تغيير مرتقب للخريطة الإرهابية في العالم وتحول المنطقة إلى مركز عالمي لهذه الظاهرة.
وضمن البلدان الـ10 الأكثر تأثراً بالإرهاب على الصعيد العالمي حضرت ست دول أفريقية، معظمها بمنطقة الساحل، وتتصدر إحداها القائمة، مما يعطي صورة عن تغلغل نشاط الجماعات المسلحة في هذه المنطقة بصورة خاصة، سواء الوافد منها نتيجة لتضييق الخناق عليه في الشرق الأوسط كتنظيم “داعش” الذي استغل هشاشة الوضع في ليبيا، فاتخذ منها منفذاً نحو الساحل، ومناطق أخرى مختلفة، وسواء منها التنظيمات ذات الطابع المحلي كجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التي ظهرت في مالي، وتنشط حالياً في المثلث الحدودي الواقع بينها والنيجر وبوركينا فاسو، أو “حركة الشباب” الصومالية، التي يتركز نشاطها بالأساس في دولة الصومال بشرق أفريقيا، وتستهدف كذلك بعض بلدان الجوار.
اعتقاد يتحول إلى حقيقة
وبعد أن ساد اعتقاد قوي لدى مختلف الأوساط الدولية بأن تنظيم “داعش” الذي ظهر في العراق ووجد موطئ قدم له في سوريا، سينتقل إلى أفريقيا بعد أن يكمل “مهمته” في الشرق الأوسط، أصبح الوضع في أفريقيا وبالخصوص بالساحل الصحراوي، يؤكد أن هذا “التخمين” تحقق أمام العدد الكبير للهجمات الإرهابية ونوعيتها ضد المدنيين والجيوش الحكومية لدول المنطقة، وصدامه المستمر مع غريمه “القاعدة” من أجل النفوذ والسيطرة.
وكان مساعد سكرتير مجلس الأمن الروسي ألكسندر فينيديكتوف أكد أن جزءاً من مسلحي سوريا والعراق انتقلوا بعد هزيمتهم هناك إلى مناطق في أفريقيا، وقال إن الدول الأفريقية تواجه تحدياً خطراً من الإرهاب، فبعد الهزيمة التي لحقت بالمسلحين في سوريا والعراق، رصد نزوح بعضهم إلى منطقة الساحل الأفريقي، مضيفاً أنه نتيجة لذلك، شهدت أراضي واسعة هناك نشوء جيوب إرهابية تحت رايات “داعش” و”القاعدة” و”بوكو حرام”.
المركز الجديد للإرهاب العالمي
وفي السياق يكشف الباحث في الشؤون الأفريقية عمار وريس، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، عن أن المشكلة الجديدة للدول الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، هي انتشار “داعش” والتنظيمات المشتقة منه بسرعة كبيرة، كما أن “القاعدة” التي تعتبر الساحل الصحراوي منطقة نفوذها لاعتبارات عدة تصاعد نشاطها بصورة لافتة، وهو الوضع الذي نتج من تسلل أسلحة من ليبيا ووصول عناصر من مناطق مختلفة أبرزها الشام، موضحاً أن تنظيم “داعش” في أفريقيا يتحرك من خلال ولايات إقليمية بدلاً من هيكل مركزي، والأمر أسهم في تمدده بمرونة وتطوير تعاونه مع التنظيمات المحلية.
وتابع وريس أن الساحل الصحراوي يتجه لأن يصبح المركز الجديد للإرهاب العالمي، وأهم أسباب ذلك ضعف سلطة الدولة في المنطقة والمساحات الشاسعة الفارغة، مضيفاً أنه إذا فشلت الدول والحكومات المستهدفة والتعاون الإقليمي والاتحاد الأفريقي في تحقيق حوكمة جيدة، يمكن أن تزداد التنظيمات الإرهابية قوة.
وأشار المتحدث إلى أنه من أجل منع تحول المنطقة إلى مركز عالمي للإرهاب يجب القضاء على الأسباب التي تغذي التنظيمات الإرهابية، وكذلك تعزيز التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الظاهرة، وتطوير استراتيجيات مشتركة لمكافحتها، وإعادة تنظيم البنى الضعيفة للدول وبناء دول قوية.
وشدد وريس على أنه يجب على الدول الغربية التخلي عن نهج الاستعمار الجديد الذي يحاول الاستغلال من خلال الموارد المعدنية الثمينة، على اعتبار أن هذا النهج يوفر أدوات للتنظيمات الإرهابية، ويتسبب في استمرار فقر الأفارقة.
ويضيف الباحث أن الصورة العامة تعطي انطباعاً مفاده بأن الحرب على الإرهاب في القارة الأفريقية لا تزال خاسرة بالنسبة إلى الأنظمة الحاكمة في مختلف البلدان المتضررة، وتستوي في ذلك المدنية منها كما العسكرية، مشدداً على أن تدهور الوضع الأمني كان سبباً في إطاحة الجيوش الأفريقية بالرؤساء المدنيين، إلا أنه بالكاد يلمس اختلافاً على مستوى الرؤى والتصورات لمواجهة الظاهرة الإرهابية، ويعود ذلك لأسباب مختلفة.
الجماعات الإرهابية في الساحل
وينتشر في منطقة الساحل على غرار مناطق أخرى مختلفة في القارة الأفريقية عدد من الجماعات الإرهابية، تختلف خلفياتها الأيديولوجية ومناطق نفوذها، كما تختلف من حيث الجذور بين المحلي المنتمي إلى الأرض والسكان، والوافد من خارج القارة الأفريقية، ومن أبرزها تنظيم “داعش” الذي وصل إلى غرب أفريقيا عبر ليبيا إبان الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي.
وظهر التنظيم بمدينة درنة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014، من خلال بعض العناصر التي قاتلت في سوريا والعراق، لكن لم يمكث التنظيم طويلاً في ليبيا، حتى انتشر بصورة سريعة في القارة الأفريقية، وله الآن فرعان في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وهما تنظيم “داعش” في الصحراء الكبرى الذي تأسس في الـ15 من مايو (أيار) 2015، وينشط بالأساس في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وأيضاً تنظيم “داعش” في غرب أفريقيا الذي نشأ في مارس (آذار) 2015.
كما ينشط في المنطقة تنظيم “القاعدة” عبر ذراعه جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التي تأسست في مارس 2017، بقيادة الطارقي إياد أغ غالي، وتتشكل من أربعة تنظيمات وهي “حركة أنصار الدين” و”كتائب ماسينا” و”كتيبة المرابطون” و”إمارة الصحراء الكبرى”.
الاعتداءات مستمرة
إلى ذلك تبنت أمس جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة”، هجوماً مسلحاً استهدف ثكنة عسكرية للجيش المالي في منطقة ديورا وسط البلاد، وأسفر عن مقتل عشرات من الجنود، وذلك بعد أيام قليلة من هجمات مباغتة استهدفت موقعاً عسكرياً في بوركينا فاسو المجاورة، مما يعكس تصاعد قوتها ونفوذها في المنطقة، كما تقيم الدليل على سعيها إلى توسيع نطاق سيطرتها وتأثيرها خارج معاقلها التقليدية.
وقالت الجماعة، بزعامة إياد أغ غالي، إن مقاتليها تمكنوا من السيطرة على الثكنة العسكرية وسط مالي بعد اشتباكات وصفتها بـ”الضارية”، مضيفة أنها استولت على كميات كبيرة من العتاد والأسلحة في الهجوم الذي شنته مساء الجمعة الماضي، وأسفر عن مقتل 40 جندياً.
ويأتي الهجوم بعد أسبوع من أحد أعنف الهجمات التي شنتها الجماعة الإرهابية على قاعدة عسكرية في بوركينا فاسو، وأسفر عن مقتل 200 جندي.
- إندبندنت