أمّا في الفلول، فلقد نكبوا المرحلة الانتقالية بحماقة، فتحت باب الحماقات المغلق مع التحرير السريع والسلمي الذي أذهلنا جميعًا، وسارت تلك الوضعية إلى ما وصلت إليه من الطعنات التي تلقّتها المرحلة الانتقالية مع أحداث السويداء، جرمانا، ومع التفجير في الكنيسة وما تبع ذلك.
في مكان آخر، لم تنتهِ وضعية الفلول مع انتهاء تلك المناوشات التي اتخذت طابعًا طائفيًا، بل زادت حدّة الموقف، ووجد الفلول منافذ إلى سردية أكثر إيلامًا لكل السوريين، فلقد تلطّوا وراء أحداث الساحل، وما تلاها، لكي يقولوا الجملة الشهيرة: “ما قلنالكم بدهم يقتلونا”، وشمتوا بكل الحماقات التي قادتها السلطة، وأثبتت بما قالته رويترز اليوم.
والمشكلة مع الفلول تكون بجزأين: الأول، أنها وجدت في السلطة من يناسب قولها وطرحها، وليس فادي صقر وأبناء مخلوف آخر من لحق بركبها وأساء لها ولملف العدالة الانتقالية والسلم الأهلي عالي الحساسية والأهمية؛ والثاني، بكون تلك القوى الفلولية الفاعلة لا تبرّأ من نشر الإشاعات والتشويش على أي نقد يقدمه الجمهور لتلك السلطة، فتجد السلطة بأطروحة الفلول مهربًا من كل استحقاق، ولذلك مثال شاهدناه في قضية فادي صقر وحسن صوفان، حيث إننا جميعًا تفاجأنا أن بعضًا من الفلول كانوا أكثر حرصًا، وهم يكذبون، على العدالة الانتقالية من باب إحراج السلطة وتقليل أهميتها، ولربما أيضًا ليغسلوا الدم العالق عليهم بأسمى ما هو موجود في سوريا، وهو دم الشهداء والضحايا الأبرياء لكل حدث ومجزرة وقصف وتهجير منذ اندلاع الثورة وحتى اليوم.
أما الإسلمة والفوضى، فالأولى أراها قادمة من اتحاد أزمنة سورية متباعدة عاشها السوريون خلال الفصل بين الشمال وباقي المناطق السورية بمكان، و بمكان آخر أتت من مزايدة لمن هم كانوا عند النظام في موضوعة الإسلمة لكي يتصلوا بالسلطة من باب ايديولوجيتها الأولى، كونها تتبع الإسلام الأكثر محافظة أو الأقل تشددًا في أقصى اليمين، واخيرا تيارات دعوية ولربما داعشية في مكان ما في السلطة واضحة المعالم متناقضة مع نزوع السلطة الليبرالي الاقتصادي الذي بالضرورة يفضي إلى شكل أقل حدة في وضعية التشدد الديني، لكن يبدو أن المجتمع سبق السلطة في الاسلمة تحت الضغط الطائفي وشعور الانتصار أحادي القطب المتشكل في المجتمع والكثير من المصلحية.
أما الثانية، وهي الفوضى، تأتي بعد ذلك وهي ناجمة عن هواجس و شعور عام عند أغلب العاقلين بأن نقد السلطة هو فتح باب زعزعة السلطة، وذلك يعني الفوضى العارمة، ولربما التقسيم الطائفي المباشر للبلد أو الكنتونية الطائفية و المناطقية، ولربما في هذا الطرح ما أراه حقيقيًا، لكن سأعود عليه في نهاية مقالي.
أما السيسي، فمن المؤكد أننا لا نتكلم عن الرئيس المصري، إنما عن التجربة المصرية، ولعلي أبدأ بالتذكير أن برنامج “البرنامج”، لمن لا يعرفه هو برنامة سياسي ناقد ولاذع وكوميدي، كان يُبث من القاهرة، وكانت السلطة بيد الإسلاميين دون أي مشاكل تُذكر.
وأقول ذلك لكي أوضح أن في العالم العربي أثبتت التجربة أن الإسلاميين أكثر قدرة على إعطاء حد جيد من الحريات العامة، لأن في ذلك إجابة واضحة حول المشكلة التي قامت عليها فكرة الربيع العربي، ألا وهي الحرية والديمقراطية وتداول السلطة.
في مكان آخر، هناك حاجة في العالم العربي، وفي سورية خصوصًا، لوجود سلطة ذات طابع إسلامي تقوم بالإجابة على أسئلة القرن التي لم يقدر الإسلام خارج السلطة على حلها، وهي كثيرة ومعروفة، وأولها الحريات الفردية، وليس آخرها عدم تطبيق الحدود المخالفة لشرعة حقوق الإنسان.
تلك الحاجة لا تعني بالمطلق مهادنة الإسلاميين تحت أي شعار كان، ولا تعني شنّ حرب توصلنا إلى سيسي جديد في سوريا او فوضى عارمة شرحتها في معرض حديثي ، وفي تلك الثنائية لا أجد مكانًا لي واضحًا ولا لأمثالي لكي يكون لنا دور بالمعنى السياسي الاجتماعي كمدنيين، ولا أقول علمانيين، فالعلمانية تحضر السيسي، والمدنية تقبل بالمشاركة الندية مع الإسلاميين.
قد يقول قائل إن هناك عسفًا في طرح موضوعة مثل تلك التي طرحتها في المرحلة الانتقالية، ويبدأ بسرد الأولويات، وعلى ذلك لن يكون ردي عن سوء إدارة السلطة الحالية للملفات الأولوية لعدم فتح باب المناكفة والجدال، ولكن من قال إن السلطة وحدها في مرحلة انتقالية؟ نحن أيضًا في مرحلة انتقالية جميعًا، وذلك يشمل الجميع، وأولها التيارات المدنية التي تشظّت بين أقليات تبعت مذاهبها ونسيت مدنيتها، وبين ثوريين ونشطاء يسيرون في تمجيد السلطة أو مهادنتها بالمعنى المصلحي، ولربما الأيديولوجي، وبين طرح سياسي غير ناضج وغير واضح المعالم لتلك الكتلة التي إلى الآن تخترقها الأقلوية و العلمانية واليأس من السلطة الحالية.
وأنقل ختامًا حديثًا يدور في منزلنا منذ فترة، وليعذرني في ذلك أصحاب الشأن لكون المجالس أمانات، إنما القول إن السلطة غير قادرة على تنظيف نفسها من أدران التطرف في المرحلة الحالية؛ لأن تلك القوى فاعلة وخطيرة وهذا يكون طرح غير كافٍ بالمطلق، ولربما ذلك يعيدنا إلى الخانة الأولى: عدم وجود جدية في طرحها حول موضوعة الحريات الفردية والعامة أيضًا، وملفات العدالة الانتقالية والسلم الأهلي و المشاركة السياسية.
بل عليها أن تتحالف مع التيارات المدنية لكي يساعدها الرأي العام الأهم في سوريا، ألا وهو الاعتدال في الطرح من جميع الأطراف، وأولها السلطة التي يجب أن تهدّئ من روعها في عملها وفي باب مشاركتها الموارب، لكيلا أقول المغلق، مع الجميع.
وأخيراً لا بدّ أن نقرّ بأن الفلول، هم الأسوأ في الأداء والتشويش علينا جميعاً، والخطر الأول على المرحلة الانتقالية التي تعبرنا جميعاً.
- كاتب سوري