شكّل اتفاق الحكومة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في 10 مارس/ آذار 2025، بارقة أمل للسوريين، سواءً القابعين في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد ضمن محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وحلب، أو المقيمين في باقي المدن والمحافظات السورية، حيث تسيطر قسد على نحو 25% من مساحة سوريا، بينما تسيطر الحكومة السورية على نحو 75% من البلاد.
ويعاني سكان المناطق الخاضعة لقسد شمال شرقي سوريا من انتهاكات متعددة، تشمل تقييد حرية التعبير وتضييق سبل العيش، ويتشاركون الحرمان من خيرات بلادهم مع سكان المناطق الأخرى، رغم أن محافظات دير الزور والحسكة والرقة تمتاز بامتلاكها حقول النفط والغاز، وأراضي القمح والقطن، ومصادر المياه والثروة الحيوانية. وقد كانت هذه الموارد، في السابق، تفيض على الشعب السوري بأكمله، قبل أن تستأثر بها قسد حاليًّا لنفسها.
وقد عاد الأمل إلى السوريين بانتهاء هذا الانقسام، بعد أن اتفقت قسد مع الحكومة السورية الانتقالية على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لها ضمن مؤسسات الدولة، وأن تصبح المعابر الحدودية، والمطارات، وحقول النفط والغاز في شمال شرقي البلاد تحت سيطرة دمشق. إلا أن استمرار الانتهاكات أثار شكوكًا ومخاوف من أن يبقى الاتفاق حبرًا على ورق.
حصيلة 100 يوم من الانتهاكات
وفقًا للتقارير الحقوقية، واصلت قوات سوريا الديمقراطية ارتكاب سلسلة من الانتهاكات بحق سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها وسكان المناطق المجاورة خلال الفترة الأخيرة.
وفيما يلي محاولة لرصد أبرز هذه الانتهاكات التي سُجّلت في الفترة الممتدّة من 10 مارس/ آذار حتى 18 يونيو/ حزيران، أي خلال 100 يوم من توقيع الاتفاق.
1. القتل بطرق مختلفة
قتلت قسد 12 مدنيًّا، قنصًا وقصفًا وتصفيةً وتعذيبًا، في حوادث متفرقة. وكان لمحافظة حلب النصيب الأكبر من الضحايا، ولشهر أبريل/ نيسان العدد الأكبر منهم، فيما شكّلت المداهمات داخل المنازل، والتصفية عند الحواجز، والتعذيب داخل السجون، أبرز أساليب القتل.
ففي 25 مارس/ آذار، قُتل الطفل محمد الجاسم وأصيبت والدته بجراح، إثر إطلاق عناصر قسد النار عليهما عند حاجز المخلط قرب قرية أم البراميل شمال محافظة الرقة.
وفي 7 أبريل/ نيسان، أطلقت راجمة صواريخ تابعة لقسد عدة قذائف على قرية رسم الحرمل الإمام بريف حلب، ما أدى إلى مقتل السيدة حاجة العبيد، وإصابة طفلها ومدنيين آخرين، وتدمير جزئي لعدة منازل.
كما قتلت قسد الطفل مشعل الهلال قرب بلدة دير حافر في 9 أبريل/ نيسان، وأردته قتيلًا على الفور. وفي 21 من الشهر نفسه، قُتل جاسم الحسن برصاص قناص تابع لقسد مقابل قرية قلعة نجم بريف حلب.
كذلك، قُتل المسن عبد الرحمن داوود (75 عامًا) بعد إطلاق النار عليه أثناء محاولته الهرب من مداهمة منزله في قرية مجيبرة كوكب بريف الحسكة، في 18 أبريل/ نيسان. وقد اعتُقل حينها، ثم سلّمت جثته إلى ذويه بعد يومين.
2. الاعتقال… تضييق متكامل الأركان
اعتقلت قسد نحو 180 مدنيًّا، غالبيتهم في محافظتي دير الزور والرقة، متجاوزة بذلك عدد المعتقلين في حلب والحسكة. وتركزت الاعتقالات على المنتقدين لسياساتها، والمناصرين للدولة السورية، وذوي المنشقين عنها، وشملت نساءً وأطفالًا ومسنين، واستهدفت رجال دين. وقد بلغ عدد المفرج عنهم نحو 23 فقط، فيما لا يزال 157 قيد الاعتقال.
من أبرز المعتقلين الناشط المدني أحمد السطم، الذي أُخذ من منزله في حي المشلب بالرقة، في 20 مايو/ أيار، دون توجيه اتهامات، وأُفرج عنه بعد 20 يومًا.
وفي 20 أبريل/ نيسان، اعتُقل اللاعب عصام علاء العفيش بعد طلبه الانتقال إلى نادي الفتوة الناشط في الدوري السوري الممتاز.
كما طالت الاعتقالات أئمة مساجد، من بينهم عبد اللطيف عمر المحيمد، وعبد الرحيم الجبوري، وعاني محيسن الدرويش، ورمضان جرج الهسو.
وشهدت بلدة مركدة وريفها الجنوبي في الحسكة حملة اعتقالات شملت أكثر من 125 شخصًا خلال مايو/ أيار، بسبب منشورات مناصرة للدولة على وسائل التواصل.
وفي 18 يونيو/ حزيران، داهمت قسد أماكن إقامة ثلاثة مغتربين قادمين من الكويت في بلدة غرانيج بريف دير الزور، واعتقلتهم.

3. الاختطاف والتجنيد الإجباري
رغم إلغاء قانون التجنيد الإجباري في سوريا، واصلت قسد اختطاف الأطفال وتجنيدهم قسرًا، موثّقةً 19 حالة خلال الفترة المشمولة، معظمها في أبريل/ نيسان. وقد نفّذت هذه العمليات منظمة الشبيبة الثورية “جوانن شورشكر”.
جاءت محافظة حلب في الصدارة بـ16 حالة، تليها الرقة بحالتين، ثم الحسكة بحالة واحدة. واستهدفت عمليات الاختطاف 12 أنثى و7 ذكور، معظمهم تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عامًا، وبينهم طفل عمره 12 عامًا، وطفلة عمرها 13 عامًا.
وقد اختُطف الطفل محمد يوسف (12 عامًا) في حي الشيخ مقصود بحلب، في 12 يونيو/ حزيران، والطفلة آيندا لؤي علوش (14 عامًا) في حي الأشرفية، في 29 أبريل/ نيسان، ونجمة شيخ محمد (16 عامًا) في قرية جرن أسود، في 20 أبريل/ نيسان.

وفي حادثة صادمة، اختُطفت الفتاة روشن مصطفى إبراهيم، في 3 أبريل/ نيسان، قبل يومين من موعد زفافها، من منزلها في قرية كوبرلك بمحافظة حلب. كما اختطفت قسد الطفلة ريحاب يوسف شيخو (13 عامًا) في مدينة عين العرب، وسلافا إسماعيل قادر (17 عامًا) في المدينة نفسها.
4. المداهمات… سرقات واعتداءات
واصلت قوات سوريا الديمقراطية تنفيذ مداهمات متكررة للمنازل في مناطق سيطرتها، تحت ذريعة البحث عن مطلوبين. وغالبًا ما تُرافق هذه العمليات انتهاكات جسيمة، كالسرقة، والاعتداء الجسدي، والإهانة، وإطلاق النار.
وقد رصدت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، خلال مايو/ أيار، انتهاكات متعددة أثناء مداهمات قسد لعشرات المناطق في الرقة ودير الزور. وشملت الانتهاكات اعتداءات جسدية على النساء، ما تسبب بتوتر بين الأهالي والعناصر المداهمة، إضافة إلى الاستيلاء على أموال ومصوغات ذهبية وهواتف محمولة من المنازل.
5. استمرار عهد “التشبيح”
من أبرز مكاسب سقوط نظام الأسد كان تراجع مظاهر “التشبيح”، حيث لم يعد العنصر الأمني قادرًا على إهانة الناس دون حساب. غير أن عناصر قسد ورثوا هذا الدور، وتكررت الاعتداءات على المواطنين في مناطق سيطرتهم.
ففي 11 مارس/ آذار، اختطفت منظمة الشبيبة الثورية التابعة لقسد الشابين عبود الحني وعدي الحمدان، بعد مشاركتهما في احتفالات رُفع فيها العلم السوري في الرقة، ثم عمدت إلى تعذيبهما ورميهما في الشارع.
وفي 13 مارس/ آذار، اختطفت المنظمة نفسها الشاب مصعب الخلف الناصر في مدينة القامشلي، واعتدت عليه بالضرب، ثم أجبرته على تسجيل فيديو اعتذار بعد نشره صورًا للرئيس السوري أحمد الشرع على “فيسبوك”، وانتقاده سياسة قسد.
6. أهالي المنشقين… تضييقات متزايدة
تعرّض أهالي المنشقين عن قسد لموجة تضييقات متصاعدة. وقد أجبرت قسد عشرات العائلات على إخلاء منازلهم في مدينة الرميلان بريف الحسكة، بسبب انشقاق أبنائهم عن صفوفها، كما فصلت آباءهم من وظائفهم في حقل الرميلان النفطي.
وتنفّذ قسد مداهمات متكررة لمنازل المنشقين، بحثًا عنهم، وتُمارس الاعتداء والإهانات على ذويهم. وتأتي هذه الحملة في ظل انشقاق أكثر من 5 آلاف عنصر من قسد وأجهزتها الأمنية منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
7. حفر الأنفاق… خطر تحت الأرض
تواصل قسد حفر أنفاق عسكرية، خاصة في الرقة والحسكة، ما يهدد حياة السكان المدنيين. وقد بدأت مؤخرًا بشق نفق جديد في حي الجميلي بمدينة الرقة، رغم التحذيرات من انهيارات محتملة، نظرًا للدمار الواسع الذي تعرّضت له المنطقة خلال الحرب.
وقد تسبب انهيار طريق في شارع الوادي بالرقة، في 26 مارس/ آذار، عقب مرور قاطرة ثقيلة، باكتشاف نفق حفَرته قسد في المكان.
وفي 28 مايو/ أيار، توفي الشاب وسام الإبراهيم بعد سقوطه في نفق أرضي قديم قرب المشفى الوطني في مدينة منبج، حيث لم يكن النفق مكشوفًا، وأُصيب بنزيف داخلي حاد أودى بحياته.
8. تدمير الجسور
في مايو/ أيار، دمّرت قسد جسور الإمام وزعرايا وتل أبيض الواقعة على مجرى الساقية الكبيرة شرق حلب، عبر تفخيخها وتفجيرها. وتُعدّ هذه الجسور شرايين حيوية لأهالي منطقتي دير حافر ومسكنة. وبنسفها، زادت صعوبات التنقل، ولم تُبقِ قسد سوى جسرين فقط صالحين للعبور.
9. تدريبات عسكرية قرب المدنيين
نفّذت قسد تدريبات عسكرية قرب حقل كونيكو للغاز شمال دير الزور، في 19 مايو/ أيار، مستخدمة رشاشات ثقيلة، ما أدّى إلى سقوط مقذوف عيار 23 ملم قرب منزل في بلدة العزبة، وأُصيب ثلاثة أطفال من عائلة شلاش بجراح.
10. ضرائب بنكهة إتاوات
رغم انتهاء حقبة الإتاوات والرشاوى على الحواجز مع سقوط النظام، واصلت قسد ابتزاز أصحاب الشاحنات عبر فرض ضرائب بالدولار على مرور بضائعهم، ما يُسهم في ارتفاع الأسعار ومعاناة الأهالي.
ففي معبر دير حافر بريف حلب الشرقي، تفرض قسد رسومًا ثابتة: 400 دولار على كل شاحنة تجارية، و250 دولارًا على كل سيارة “إنتر” متوسطة، للسماح بمرورها إلى مناطق سيطرتها.
الاتفاق يقاوم الاندثار
لا تهدد هذه الانتهاكات وحدها الاتفاق المبرم بين قسد والحكومة السورية، بل بلغت الأمور حدّ الاشتباكات المسلحة بين الطرفين.
ففي مايو/ أيار، هاجمت قسد قوات تابعة للجيش السوري على محور سد تشرين قرب تلة سيرياتيل بريف حلب، وتمكّنت من السيطرة على نقطتين عسكريتين، قبل أن يستعيدهما الجيش.
ورغم هذا التصعيد، لا يزال الاتفاق قائمًا. وقد شهد أبريل/ نيسان اتفاقًا على تشكيل قوة عسكرية مشتركة لحماية سد تشرين، ودخلت قوات الجيش وقوى الأمن العام السد من دون قتال.
كما تم الاتفاق في الشهر نفسه على إخلاء حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب من المسلحين، ودخول القوات السورية إليهما، مع تبادل الأسرى والمعتقلين بين الطرفين.
وفي يونيو/ حزيران، أعلنت الإدارة الذاتية التابعة لقسد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة بشأن العملية التعليمية شمال شرقي سوريا، يتيح اعتماد مراكز امتحانية تابعة لوزارة التربية السورية في الحسكة، والرقة، ودير الزور، والقامشلي، وعين العرب.
ومع ذلك، تستمر التحذيرات من مماطلة قسد في تنفيذ بنود الاتفاق، وسط مخاوف من انهياره والعودة إلى نقطة الصفر.
- موقع التلفزبون العربي